> تتوافد العائلات والأصدقاء في الساحة الخضراء بالخرطوم قبل المغرب ومعهم وجبات الإفطار، بالإضافة إلى المياه والعصائر المبردة، والكل يفترش المساحات الخضراء ويتلاقى مع الأحبة.
يلهو الأطفال قبل انطلاق الأذان وتبدأ السيدات في تنظيم المائدة الرحبة، ومع انطلاق صوت المؤذن يتناول الجميع التمر سنة عن النبي المصطفى “ص” والماء ثم الصلاة في جماعة ، بعدها يبدأ الجميع في تناول الطعام السوداني الشهي، ومن الصعب أن تجلس وحدك في هذه الأجواء حتى وإن كان الإفطار بسيطا وأنت تجلس للاستمتاع بالهواء الطلق والخضرة .. لابد أن تجلس مع إحدى الأسر لتتشارك معهم إفطارهم..وتشرفت بهذا الأمر مع عائلة الأستاذة صفية ووجدت العصيدة بالروب (اللبن الرائب) والبيتزا والمقليات والعصائر المتعددة وأهمها مشروب "الحلو مر" ، كثير التوابل يشبه في لونه التمر الهندي في مصر لكن مذاقه مختلف بالطبع.
شعور دافئ في المعاملة يطغى على جمال مذاق الطعام بتوابله المميزة، ثم صلينا المغرب جماعة في الهواء الطلق تحس بوسطية دينهم وصفاء قلوبهم وتراحمهم والتعامل بعفوية وسلام لا نهائي مع بعضهم البعض ومع أي شخص غير سوداني.
العائلات تجلس لوقت طويل، يلهو الأطفال بألعابهم كل حسب سنه، فالمساحة كبيرة ويشعرون بالأمان والبهجة وسط هذا الجو الرائع ، ويتسامر الكبار.
في أحياء أخرى بالسودان تجد إفطار جماعي في الشارع وتضم حلقات هذا الإفطار في العادة الرجال والصبيان من أهل البيوت المتجاورة على جانبي الشارع ، فقبيل حلول الشهر الكريم يقوم الشباب والصبيان بردم مساحة من الأرض كافية لاستيعاب الحضور من أهل الحي مع الاحتياط للضيوف حتى تصبح أعلى قليلا من مستوى الشارع.
ويقوم الصبية برش الماء حول المساحة المذكورة لتلطيف الجو وتفرش المنطقة بما يسمى (فراش رمضان)، وقبيل أذان المغرب يجلس الرجال فوق هذه المفارش بينما ينهمك الشبان في إحضار الصواني من كل بيت (مهما كانت الحالة الاقتصادية)، بعدها يجلس الصبية إلى جوارهم، ومع ارتفاع صوت المؤذن تمتد الأيدي إلى أطباق البلح أولا اقتداء بالرسول "ص" ثم يتم تناول المشروبات الرمضانية، والتي من أهمها الحلو مر (مشروب تقليدي متوارث عبر الأجيال في السودان عبارة عن خليط من أكثر من ثمانية أعشاب تمزج مع دقيق الذرة)، و "المديدة " (مشروب محلي ثخين القوام من الذرة الرفيعة أو القمح أو الدخن) .
ويرتفع صوت كبير المجموعة أو إمامها :"استووا يرحمكم الله"..فيقف الجميع لأداء صلاة المغرب..وهنا تكون الفرصة سانحة للصبية للهجوم على المائدة الرمضانية متعددة الأصناف.
وبعد الصلاة يتوجه الكبار إلى تناول وجبة الإفطار والوجبة الرئيسية بها تكون عادة (العصيدة) المصنوعة من الذرة الرفيعة والمخلوطة أحيانا بدقيق القمح أما الأدام فهو ملاح التقلية أو الروب أو النعيمية.
وتختلف التقلية السودانية عن نظيرتها المصرية في أن قوامها مسحوق اللحم القديد المجفف، أما ملاح الروب فيختلط فيه البصل والزيت وزبدة الفول السوداني واللبن الرائب ومسحوق البامية المجففة (الويكة) .
أما النعيمية هي ملاح الروب ذاته مضاف إليه اللحم المفروم ومعجون الطماطم أو السمن البلدي، ولكن مع مرور الوقت تدخل أصناف جديدة على هذه الموائد.
ويأتي بعد ذلك موعد التسلية فنجدهم يتسلون من حين لآخر بتناول البليلة (الذرة أو اللوبيا بأنواعها أو الحمص تكون مسلوقة مع قليل من الملح)، ونجد على موائد أسر أخرى التين والزبيب، ووسط ذلك يتم توفير الشاي والقهوة.
ونجد أيضا بين المظاهر التي يتميز بها السودانيون، وقوف مجموعة من الكبار عند رأس الشارع ترقبا للمارة وعابري السبيل لدعوتهم لتناول الإفطار، ولا يسمحون لأي شخص بالمرور في وقت الإفطار دون أن يجلس لتناوله معهم حتى إنهم يقومون بإلزام سائقي السيارات بالتوقف عن السير وذلك بوضع حواجز على الطريق قبل موعد الإفطار بخمس دقائق لإجبارهم على النزول وتناول الإفطار، عادة سودانية أصيلة تبدو واضحة بشدة في الأقاليم.
أما صلاة التراويح، فلها طبع روحاني عالي فياضة..تجد المساجد عامرة بالسودانيين ومنها مسجد الخرطوم الكبير ومسجد "السيدة سنهوري".