كتب : رحاب لؤى: منذ 21 دقيقة
حالة من الترقب والخوف تسيطر على العاملين بدار الكتب والوثائق القومية.. ذلك المكان الذى عرف قيمته كل من وطئته قدماه فى المرة الأولى، البعض ارتاده باحثا فتعلق قلبه بالمكان وأصبح موظفا، والبعض الآخر ذهب له كوظيفة عادية، ليفاجأ أنه فى مكان خاص جدا، سارت الأمور على ما يرام حتى خلال أيام الثورة الأولى، لكن الأحاديث التى تدور حاليا حول المكان والأنظار التى أصبحت موجّهة إليه أصابت أصحابه بالكثير من الخوف والترقب لما قد تحمله الأيام المقبلة لهم ولموقعهم المميز.
موظف بالدار: «بيقولوا الحاجة بتتسرق.. اللى بيقولوا كده ما يعرفوش حاجة عن المكان.. معاهم ميكروفون وده آخرهم»
«نداء عبدالعزيز»، شابة حاصلة على ليسانس الآداب، شعبة إعلام، تعمل بالمكان منذ 8 سنوات ورغم أنها ليست من أصحاب العقود فإنها تشعر بالكثير من الحب والإثارة، كلما رأت الأوراق القديمة من حولها انتشت: «وظيفتى فى المكان أننى أحول الوثائق إلى شكل رقمى، بدخّلها على قاعدة بيانات تسهل المواضيع للباحثين، المشروع اسمه ميكنة دار الوثائق القومية».
كثير من الخوف والقلق يعترى «نداء» وزملاءها «خايفة على المكان وعلى الوثائق، ماعرفش حكاية الوثائق اللى بيتقال إنها هتتسرق إيه وضعها، لكن عارفة إن النظام اللى إحنا ماشيين بيه ماحدش يقدر يعمل حاجة زى كده من خلاله، ماحدش يقدر يخش المخازن إلا بترتيبات معينة».
تعلل «نداء» خوفها بأن الأحاديث التى أصبحت تدور حول دار الكتب والوثائق أصبحت تلفت أنظار المغرضين لها: «إحنا فضلنا أيام الثورة والانفلات الأمنى بخير، الحمد لله ماحدش قرب لنا ولا اتعرضنا للى حصل للمجمع العلمى ولا المتحف المصرى، لكن بعد كل الكلام عن أهمية المكان وقوته بقيت خايفة، ودلوقتى اللى ما كانش واخد باله هياخد باله مننا».
سمعت العاملة الشابة مع السامعين أن الجيش سوف يتولى أمر المكان، لم تعلم بعدُ مدى جدية المسألة وهل سيحدث فعلا أم لا، لكنها تثق فى حدسها وفى التحذيرات التى أصبحت تنطلق من مثقفين كبار وعاملين سابقين بالمكان، حول الأخطار التى تحدق بالمؤسسة العريقة: «إحنا هنا فى مكان مهم للأمن القومى، بعد كل الكلام اللى داير دلوقتى إحساسى بالمكان زاد أكتر من الأول، وخوفى عليه، حاسة برعب، صحيح ممكن تكون كل التحذيرات مجرد كلام، لكن لازم نحطها فى الحسبان، وكتير التغييرات بتخلى فيه فوضى بين العاملين، اللى ليه حاجة بيطالب بيها، الناس بقت تتكلم بقلب جامد، وأى رئيس جديد بيمر بفترة صعبة عقبال ما الناس تهدا ويقدر يظبط الأمور فى المكان».
«أمين»: «المكان ده مهم.. واللى يدخله بيعرف أهميته أكتر مع أول نظرة لوثيقة قديمة أو حاجة تاريخية عمره ما شافها قبل كده»
محمود محسن أمين ليس مجرد موظف فى المكان، منذ دخل الشاب الطموح إلى المكان عام 2005 أدرك أنه فى مكان مهم، ازداد الإحساس حين بدأت التعليمات الصارمة بضرورة التعامل مع الأوراق والوثائق وحتى الحافظات برفق شديد: «التعليمات اللى بناخدها هنا بتخلى اللى ما يعرفش قيمة المكان يعرفه، كلنا فاهمين قيمته، وإنه مكان مهم جدا من أول يوم، ده أرشيف مصر القومى، فيه أوراق وحجج ووثائق بتأرخ لتاريخ مصر من عهد المماليك وما قبله لحد دلوقتى، المكان ده مهم، واللى يدخله بيعرف أهميته أكتر مع أول نظرة لوثيقة قديمة أو حاجة تاريخية عمره ما شافها قبل كده».
عقب الزوبعة الأخيرة التى طالت دار الكتب والوثائق أصبح «محمود» على يقين من ضرورة أن يصبح هذا المكان تابعا لجهة سيادية: «مش شرط الجيش، المهم يكون فيه جهة سيادية بتدير المكان ده، كمية التحذيرات اللى سمعناها حوالين إمكانية المساس بتاريخ مصر وأمنها القومى فظيعة، كفاية إن أى باحث بييجى يطلع على الأوراق لازم يقدم طلب ويروح للأمن القومى ويجيله موافقة أو رفض على اطلاعه على الوثائق، المهم يكون فيه حد من جهة سيادية».
الخوف لم يفارق «محمود» فى الفترة الأخيرة، كذلك الترقب، لعل شعوره بأهمية المكان مضاعف أكثر من زملائه؛ فالشاب الطموح يعد دراسته للماجستير بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية حول تاريخ أفريقيا الحديث والمعاصر، يشير الشاب إلى الكثير من الوثائق الخاصة بأزمة المياه وبأمور تتعلق بالتاريخ المصرى - الأفريقى تشكل مفاجآت للبعض، وتؤكد الأهمية القصوى لهذا المكان.
موظف آخر بالمؤسسة، يعمل باحثاً بقاعة الدوريات، قلق من الأحوال التى تمر بها مؤسسته، أكد خوفه من مجرد ذكر اسمه وسط التقلبات التى يمر بها المكان: «مفيش حاجة اسمها تاريخنا هيضيع، أنا كنت باحث فى المكان قبل ما اتوظف فيه، التراث متحافظ عليه ومتأمن كويس جدا، وده اللى أنا متأكد منه، كل اللى حاصل دلوقتى صوت عالى مالهوش لازمة وحجته ضعيفة والصوت العالى فى الفترة اللى فاتت كتير، بيقولوا الحاجة بتتسرق، اللى بيقولوا كده ما يعرفوش حاجة عن الدار، معاهم ميكروفون وده آخرهم».
العاملون بدار الكتب والوثائق: خائفون على الدار ونترقب مستقبلها
يشعر الباحث الشاب بأمل كبير فى القيادة الجديدة، وفى أنها سوف تتيح الفرصة للقيادات الشابة لتولى زمام الأمور بالمكان بدلا من القيادات المقالة، على عكس زملائه يؤكد الباحث الشاب أنه ليس خائفا: «ولا عندى ذرة تخوف.. أنا متفائل».
أخبار متعلقة:
57 ألف وثيقة تواجه "التزوير والإخفاء والضياع"
الحدود ومحاضر البرلمان وتقارير «الداخلية».. أشهر الوثائق المصرية
رئيس «الكتب والوثائق» السابق: وزير الثقافة ينفذ مخططاً لتدمير الدار.. وقرارته "اعتباطية"
خالد فهمي: سيطرة الإخوان على دار الوثائق تهديد لتراثنا الإسلامى