الحوثيون اجتاحوا دماج قبل عام، ثم عمران، قبل إسقاط صنعاء 21 سبتمبر 2014، الرئيس السابق على صالح حالفهم، رغم العداء التاريخى، لينتقم من آل الأحمر، حلفاء الأمس الذين امتطوا الثورة، حفاظاً على ثروات اقتنصوها بفساد حكمه.. رجاله بالجيش مكنوهم من 70% من قوة الجيش، حتى سيطروا على 10 محافظات من إجمالى 22 (الجوف، عمران، صعدة، ذمار، الحديدة، إب، صنعاء، المحويت، ريمة، وأجزاء من مأرب)، يقطنها نصف عدد السكان.. فاوضوا القوى السياسية لتقنين وضعهم الجديد على الأرض.. انسحب الناصريون، وطالبهم الإخوان بسحب ميليشياتهم من العاصمة، واستبدالها بتشكيلات مشتركة من المحافظات.. انقلبوا على السلطة، وأصدروا إعلاناً دستورياً فى 6 فبراير.. «يستمر العمل بأحكام الدستور والتشريعات إلا ما يتعارض مع الأحكام الواردة فى الإعلان.
اللجنة الثورية للحوثيين هى المعبر عن الثورة، وتتفرع عنها اللجان الثورية بالمحافظات والمديريات بأنحاء الجمهورية، حل مجلس النواب وتشكيل مجلس وطنى انتقالى من 551 عضوا، يجوز أن يضم أعضاء مجلس النواب إضافة للقوى غير الممثلة فيه، تشكيل مجلس رئاسى من 5 أعضاء ينتخبهم المجلس الوطنى وتصدق عليهم اللجنة الثورية. مجلس الرئاسة مسؤول عن اختيار رئيس الحكومة، تتحدد اختصاصات المجلس الوطنى ومجلس الرئاسة والحكومة بقرار مكمل للإعلان الدستورى تصدره اللجنة الثورية، تستمر المرحلة الانتقالية لمدة عامين».. انقلاب كامل أمسكوا فيه بزمام الحكم فى بلد فقير ذى موقع استراتيجى، ما جعل السياسة فيه محصلة توازنات إقليمية ودولية.. التعرف على عناصرها مقدمة لازمة لاستشراف مستقبل اليمن الحزين.
الموقف السعودى من الأزمة مثير للدهشة. الحوثيون مدرجون على قوائم الإرهاب، وبينها وبينهم دماء عشرات الجنود الذين استشهدوا فى الهجوم الحوثى على جبل دخان 2009، رغم ذلك غضت البصر عن تهريب الأسلحة لهم، تعزيزاً لموقفهم فى مواجهة الإخوان- أعدائها الجدد.. مع تصاعد المد الحوثى، كثفت السعودية اتصالاتها بالأمير عقيل بن محمد البدر وآل الوزير المقربين لها، باعتبارهما الوريثين الشرعيين للملكية والإمامة، ولما يدّعيانه من انتساب لآل البيت، وانتماء للهاشمية، بما قد يتيحه ذلك من تأثير على الحوثيين «الشيعة»، إلا أن التطورات أكدت أنهم لا يمتلكون تأثيراً على الحركة، وسقف طموحاتهم المطالبة بحقوقهم السياسية والاجتماعية والفكرية، والتعويض عن ممتلكاتهم، والاحتفاظ بالجنسية السعودية.
النفوذ السعودى باليمن تراجع بعد وفاة الأمير سلطان مسؤول الملف، والشيخ عبدالله الأحمر، رجل المملكة باليمن، التزمت السلبية تجاه انشقاق على محسن الأحمر عن النظام، ولم تتصدَّ لتحالف صالح مع الحوثيين.. وتركت مقعد سفيرها بصنعاء خالياً بعد اختطاف القاعدة نائب القنصل فى عدن 2012، وتركت للأمم المتحدة والمبعوث الدولى «بن عمر» الإشراف على تنفيذ المبادرة الخليجية الموقعة بالرياض.. منذ سقوط صنعاء جمدت السعودية مساعداتها، «عشرة مليارات دولار مشتقات نفطية منذ 2011ـــ 2 مليار دولار وديعة بالمركزى، تمويل للمشروعات.. استيعاب مليون عامل يحولون 5 مليارات دولار سنوياً.. ومعظم صادرات القطاعين السمكى والزراعى».. تأثير النفوذ السعودى يمتد للتيارات السياسية والقبلية والدينية المعادية للحوثيين، والقدرة على تأليب الخليج والمجتمع الدولى المعارضين أصلاً للانقلاب الحوثى.. إدارة الدولة دون بديل للدعم السعودى تعتبر مستحيلة، وبالتالى يتحتم توافق الحوثيين معها، ما لم تحل إيران محلها، وهو احتمال تستبعده ظروفها الاقتصادية الصعبة، إيران تطمح فى تحويل الحوثيين لنموذج «حزب الله» بتأثيره السياسى والعسكرى على معادلة القوى، دون الغرق فى المستنقع اليمنى، لكنها لن تتأخر عن دعمهم إذا ما تكتلت القوى السياسية لإسقاطهم.
الحوثيون يسعون لاستكمال السيطرة على مأرب، حيث يتمركز التكفيريون.. الاجتياح البرى صعب ومكلف، نتيجة للتضاريس، والتحصينات القبلية، لذلك يتجهون للاستعانة بطيارين إيرانيين لقيادة الطائرات الحربية اليمنية، بعد رفض الطيارين اليمنيين قصف المنطقة.. وتشجع اتصالاتهم مع قائد قوات الأمن الخاصة بعدن وقائد لواء صلاح الدين لإقناعهم بتسليم المدينة للسيطرة على باب المندب، تحسباً للاتفاق على صيغة فيدرالية بات يفرضها واقع الدولة على الأرض.
الخارجية الروسية أصدرت بياناً أوائل سبتمبر 2014 عبرت فيه عن قلقها لاستمرار التوتر المتصاعد، ودعت كافة القوى السياسية للاتفاق على إجراءات لتجاوز الأزمة. الحوثيون أثنوا على البيان، لأنه لم ينتقدهم، بل اعتبرهم إحدى القوى المعنية بتقرير مصير اليمن، وزير الدفاع الأسبق محمد ناصر أحمد قام بزيارة غير معلنة لموسكو 27 أكتوبر 2014، بحجة التعاون فى مكافحة الإرهاب وإحلال الأمن، ولكنه فى الحقيقة أراد الاطمئنان لقبول روسيا للوضع بعد اجتياح صنعاء، هادى أقاله بعد العودة، وعين اللواء محمود الصبيحى، لكن الحوثيين حاصروا منزله، وأجبروه على حضور حفل الإعلان الدستورى باللباس المدنى، للإيحاء بموافقته.
أمريكا أعلنت وقف الضربات الجوية للقاعدة بعد استقالة هادى الذى كان مؤيداً لها.. ما سمح للقاعدة بسرعة استعادة نشاطها، التمدد الحوثى وسع من البيئة الحاضنة لها بين القبائل السنية، وساعدها على استقطاب شباب الإخوان الغاضبين لعدم تصدى التجمع اليمنى للإصلاح لهم.. أمريكا تعتبر برنامجها لمكافحة الإرهاب فى اليمن نموذجاً ناجحاً للشراكة، اعتمدت 5 ملايين دولار لتدريب الأمن اليمنى وبعض دول جنوب آسيا والساحل، ولذلك مع إبداء الحوثيين استعداداً للتعاون، وتسويقهم فكرة أنهم الأقدر على حرب القاعدة، باعتبارهم «أنصار الله» (الشيعة) فى مواجهة «أنصار الشريعة» (السنة)، استأنفت أمريكا الغارات، وقتلت أربعة من قادة القاعدة، بينهم الشيخ النضارى الذى أشاد بهجوم شارلى إبدو منتصف يناير 2015.
السفارة الأمريكية أغلقت أبوابها بسبب مخاوف أمنية، ووصلت بارجتان قرب السواحل اليمنية لإخلاء رعاياها، حال تعذر ذلك جواً، ووصلت قوات أمريكية وفرنسية حضرموت وشبوة، وتمركزت بارجة فرنسية بميناء بلحاف النفطى لتأمين صادرات الغاز المسال الذى تنتجه توتال الفرنسية لأسواق كوريا الجنوبية والولايات المتحدة وأوروبا.. تأمين المصالح يحظى بالأولوية!
الأمم المتحدة أكدت اعتراضها على فرض أمر واقع بالقوة، مجلس الأمن حذر 22 يناير الماضى من تجاوز الميليشيات المسلحة حدود الشرعية، ودعا القوى السياسية للتعاون مع المبعوث الدولى جمال بن عمر، لتنفيذ بنود وثيقة الوفاق الوطنى التى وقعها أطراف مؤتمر الحوار فى 25 يناير 2014.. قبل الانقلاب مباشرة غادر للسعودية.
قيادات الجنوب شكلوا هيئة تنسيقية لإدارته، ووضعوا وثيقة لأسس تكوين الإطار الموحد، يجمعون الموافقات عليها، وشكلوا جبهات مناهضة للحوثيين، مسلحو الحراك الجنوبى فرضوا سيطرتهم على عتق، عاصمة شبوة، وهاجموا الثكنات العسكرية والأمنية بردفان، محافظة لحج، ومدينة عدن، محاولين إسقاط مدن الجنوب وفرض الأمر الواقع، واللجان الشعبية تنتشر بمعظم مدن الجنوب، لتأمين المرافق والمؤسسات الرسمية، حال الاستيلاء عليها، كما فعل الحوثيون فى الشمال.. ست محافظات بدأت حملة العصيان ورفض تلقى أوامر صنعاء؛ عدن، أبين، الضالع، لحج الجنوبية، شبوة، مأرب.. مسيرات التنديد تجتاح المدن اليمنية.. عمليات القاعدة ضد تجمعات الحوثيين تحولت لحرب استنزاف عبر التفجيرات الانتحارية، والسيارات المفخخة، والاغتيالات، والعبوات الناسفة، فى رداع ومأرب وإب وأبين والبيضاء، إضافة لاستهداف مقر السفير الإيرانى بصنعاء.
اندفاع الحوثيين يستهدف استدراج إيران وروسيا لدعم تطلعاتهما، ما يدخل اليمن فى مركز صراع المصالح الإقليمى والدولى بالمنطقة.. ويجعل سيناريو التقسيم هو الأقرب، ليمنٍ.. كان ذات يومٍ «سعيدا».
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة