وحتى ألمانيا النازية تعاملت مع أعدائها بشرف ووضوح.. وعندما طاردت اليهود واعتقلتهم وعاقبتهم.. قالت إنها تفعل ذلك لأنها ضد صنف اليهود.. لأنهم سبب الخراب المستعجل فى كل دولة يحطون فيها.. وأنهم المسؤولون عن جرائم السوق السوداء وتهريب الذهب والثروات.. وتخريب الاقتصاد القومى.. ولذلك يستحقون الحرق فى رأيها!
لم تقصف ألمانيا النازية مدارس الأطفال.. ولم تشن الغارات على معسكرات الأونروا.. ولم تقتل العجائز والنساء، بحجة أنها تدافع عن نفسها.. وأقصد أن ألمانيا النازية كانت واضحة وهى تتعامل مع أعدائها.. أما إسرائيل الصهيونية فهى تلعب بالكلمات.. وتتلاعب بالمنطق والأصول.. ولا تكشف أبداً عن وجهها الحقيقى.. ولا تعلن أنها تشن حرب إبادة ضد العرب لأنهم يهددون وجودها..!
ورغم العدوان الأخير.. وتفوقها الواضح فى أعداد القتلى والجرحى.. فإن إسرائيل تتعرض لخطر حقيقى يهز كيانها كدولة احتلال.. والغضب العالمى يتصاعد والتوتر يسيطر.. وعيون العالم ترى وتفهم وتدرك بالصوت والصورة.. وإذا كانت ألسنة الحكومات عاجزة فى الوقت الراهن لحسابات السياسة والاقتصاد.. لكن لا بأس، فالمحصلة النهائية فى صالحنا.. والشعوب غدا تختار حكامها من جديد.
إن طريق الدم رغم قسوته.. هو أفضل الطرق المؤدية للنصر وفرض الإرادة.. وقد فرض القتال علينا كما فرض على شعوب أخرى لم تستسهل وتخضع للمحتل الغاصب لأراضيها.. ووالله العظيم إن القتال والشهادة أشرف من الخضوع والتسليم والقناعة بمساحات محدودة من الأرض.. هى أشبه بالسجون ومعسكرات الاعتقال المفتوحة.. تأخذ فيها الإذن من حضرة الشاويش المحتل الذى يقف بالمدفع الرشاش ويفحص بطاقات الهوية فى الرايحة والجاية..!
الخيبة أننا لا نقرأ التاريخ.. ولا نتعظ من دروس الماضى.. والجزائر الشقيقة لم تتحرر بالمفاوضات فى مدريد وأوسلو وكامب ديفيد.. وإنما تحررت لأنها قدمت مليون شهيد عربونا للاستقلال والحرية وتقرير المصير.. ولم تنهزم أمريكا فى فيتنام أو يتمرمغ أنفها فى وحل المستنقعات لتخرج منه وقفاها يقمر عيش، إلا بعد حرب عاصفة قدم فيها الفيتناميون آلاف الشهداء.. وخسرت أمريكا عشرات الألوف من الجنود.
لم تحرر مصر أرضها، ولم تستعد السيادة عليها إلا بعد حرب مرهقة قدمت خلالها آلاف الشهداء والجرحى.. وألحقت بالعدو الخسائر الفادحة والموجعة التى اضطرته للتواضع والتسليم وطلب السلام وحسن الجوار.
وفى فلسطين المحتلة.. الدولة الوحيدة فى العالم التى لاتزال تعانى الاحتلال.. لن تتحرر الأرض، ولن تنصلح الأحوال ولن يعود اللاجئون، ولن نستعيد القدس، إلا عبر حمامات الدم.. ولا بأس أبداً أن يسقط آلاف الفلسطينيين عربونا للسلام والحرية.
فى الحرب الدائرة الآن أمريكا موقفها واضح ولا تتوقع منها أن تقف فى معسكر الحياد، أمريكا مع إسرائيل ابنتها بالتبنى، ولم تتورع إسرائيل عن إيقاظ أوباما من نومه لتبلغه بأسر جندى عندها.. ولم يكذب أوباما خبرا، فخرج يهدد ويطلب إطلاق سراح المخطوف، مع أن المخطوف ضابط يشن الحرب وقد وقع فى الأسر طبقا لقوانين المعارك، لكن إسرائيل فى قاموسها الخاص تصور أسر المعتدى على أنه اختطاف.. قاموس مخصوص تخاطب به دول العالم لتكسب التعاطف معها، ومن محاسن الصدف أنهم اكتشفوا مقتل الضابط فعاد أوباما لنومه من جديد..!
إن إسرائيل تواجه المأزق، والبساط ينسحب من تحت أقدامها كل يوم، وجميع نشرات الأخبار المصورة فى جميع بلدان العالم تعرض على مشاهديها فى البيوت صورة حقيقية لوحشية الإنسان ودموية المعتدى. وإذا كان الرأى العام العربى يعانى من وعكة طارئة تمنعه من التحرك لمساندة إخوته فى العروبة، فإن الرأى العام العالمى قد قام بالواجب.. هو رأى عام قادر على تصحيح الأخطاء بالضغط على حكوماته لوقف الدعم والمساندة للعدو الصهيونى الذى يبنى رسالته للغرب على اعتبار أنه مضطهد.. عانى الويلات فى مذابح هتلر.. فإذا بهم - أى اليهود - يكررون نفس المذابح مع مواطنى فلسطين العزل من السلاح... بما يؤكد أنها دولة نازية بامتياز ومع مرتبة الشرف فوق البيعة!!
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة