الفحم سيدمر الاقتصاد أيضا

يعتقد البعض خطأً أن استيراد الفحم هو ضرورة اقتصادية مضطرة لها رغم أخطاره على الصحة، وأنه سيساعد الاقتصاد على النمو من خلال مساندة الصناعات. وعلى الرغم من ضرورة التساؤل عن مسؤوليتنا الأخلاقية عن إصابة حتى طفل واحد بسرطان الجلد أو الرئة، إلا أن هذا المقال لا يركز على الأضرار الصحية القاتلة للفحم التي تناولتها بالتفصيل نقابة الأطباء. ولا يركز هذا المقال أيضاً على الأرقام الموثقة التي تثبت أن مصانع الأسمنت لا تحتاج للفحم كمصدر ثابت للطاقة وإنما كوسيلة للحفاظ على أرباح خيالية تفوق هامش ربحية حديد عز في قمة الاحتكار. إنما سنحاول هنا أن نرى الأثار المدمرة على الاقتصاد المترتبة على استيراد الفحم، بجانب تضرر السياحة وزيادة الانبعاثات الملوثة التي ستؤدي لغرامات دولية على مصر في المستقبل.

القاعدة الاقتصادية الثابتة هي أن على أي دولة أن تعتمد أولاً على النقاط القوية لديها ومع تطويرها تستطيع التوسع في مجالات أخرى، أو كما يقول المثل الشعبي «اللي تغلب به». مصر لديها نقاط قوة نسبية في عدة صناعات ولكن اللحاق بالدول التي سبقتنا بعقود في هذه الصناعات مع الموقف الاقتصادي الحالي سيكون في غاية الصعوبة. العقبة الثانية للنمو هي أن مصر منذ الآن وخلال العشرون عاما القادمة ستعاني من العجز المائي الأعلى عالمياً وستصبح أيضاً من أعلى الدول المستوردة للغذاء والذي ينتظر أن تستمر أسعاره في الازدياد عالمياً. إذن فمصر مقبلة على تحديات كبيرة تحتاج تدفقا كبيرا وثابتا للعملة الصعبة وليس مجرد تبرعات من دول أخرى.

أمام هذا التحدي تظهر الطاقة الشمسية المركزة كحل ليس بالسهل لكنه الأسهل والأفضل لواقعنا، فمصر تسبق العالم كله في كثافة الاشعاعات الشمسية، ولديها عدد من المهندسين المتخصصين في هذا المجال أكثر من باقي دول المنطقة، ولأنها تكنولوجيا جديدة نسبياً فإسبانيا والولايات المتحدة قد سبقوا مصر بها لكن بمسافة ليست بالكبيرة مثل صناعات السيارات أو القطارات مثلاً، ومصر هي الأعلى في الشرق الأوسط في القدرة على تصنيع المحطات، فقد صنعنا محلياً 40% من محطتنا الوحيدة في بني سويف (شاملة مصاريف الصيانة)، كما تقوم شركة أوراسكوم للإنشاءات بالمشاركة في محطات المغرب وتونس والأردن. كما تتميز مصر بسوق كبيرة للطاقة يمثل طلبا مشجعا للاستثمار. فلا عجب أن يذكر كلا مرشحي الرئاسة الطاقة الشمسية في برامجهما وأحاديثهما للمواطنين، وأن يذكرها السيد الرئيس بعد نجاحه وبعض وزرائه حتى وبأرقام مبالغ فيها أحياناً. محطات الطاقة الشمسية المركزة لن تحل فقط مشكلة الطاقة لكنها أيضاً ستساهم في تقليص البطالة وتحلية مياه البحر. أما الفائدة الاكبر التي ستأتي بالعملة الصعبة فستكون من خلال قناتين:

1. تنمية التكنولوجيا والتصنيع محلياً، فكر في قيمة الآي فون، كم منها يذهب للمصنع الصيني وكم يذهب للمبتكر الأمريكي؟ ونكرر... اللحاق بتكنولوجيا حديثة نسبياً أسهل.

2. تصدير الطاقة ذاتها، فبالاستثمار حالياً سنصل للقدرة على الاكتفاء الذاتي من الطاقة تدريجياً، ومن ثم توفير تدريجي للعملة الصعبة، والتصدير لأوروبا عام 2028 تقريباً، من المتوقع أن يصدر الشرق الأوسط وعلى رأسه مصر 15% من طاقة أوروبا حينئذ.

لو كانت هذه الفكرة قد جعلتك تحلم بمصر كبلد يشابه النمور الآسيوية أو أفضل... أعتذر لك... تفضل بإلقاء هذا الحلم بعيداً لأن مصر ستستورد الفحم وهذا سيقتل أي فرصة لنمو الطاقات البديلة بشكل عام، ويمكنك الآن تقديم أوراق الهجرة.

يتساءل البعض لماذا لا نستورد الفحم مؤقتاً ونستثمر أيضاً في الطاقة الشمسية؟ الإجابة مستحيل لسببين:

أولاً: هو ليس حلا مؤقتا كما ادعى بعض المسؤولين والإعلاميين، فوزير البيئة الجديد يتحدث عن خمسة عشر عاما وهو ما أكده من قبله معارضي استخدام الفحم، لأن تجهيزات استخدامه لن يتم تغطية ثمنها في مدة قصيرة.

ثانياً: ما هو سعر الفحم؟ هو أرخص وسائل الطاقة لكنه من أغلاها إذا أضيف إليه متطلبات تقليل الأضرار وضرائب الانبعاثات التي يدفعها المصنعون في الدول التي تحترم حياة مواطنيها، فنجد مصنعي الأسمنت في ألمانيا يلجأوا لوقود النفايات وفي أمريكا للرياح وللطاقة الشمسية لأنها أرخص من الفحم بسعره الحقيقي (الشامل أضراره). أما في مصر فيكذب كل من يقول إن شركات الأسمنت ستقوم بالاشتراطات البيئية التي تقلل الأضرار، فذلك سيجعل سعر الفحم أغلى من الغاز الطبيعي بسعره العالمي، علماً بأن هذه الشركات تطالب بالفحم لأن دعم الغاز قد تقلص قليلاً ولايزال أقل من نصف السعر العالمي.

وما علاقة ذلك بإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية؟

في إبريل الماضي أعلن المهندس جابر الدسوقي، رئيس الشركة القابضة للكهرباء، والسيد أكثم أبوالعلا، وكيل أول وزارة الكهرباء، عن اهتمام الوزارة بالتوسع في إنتاج الكهرباء من الفحم وإنشاء محطة عملاقة بعيون موسى سعتها 3000 ميجاوات تستغرق 6 سنوات (المحطات الشمسية تحتاج عامين فقط). مستقبل الطاقة في مصر سيقوم على الاستثمار الخاص وبيع الكهرباء للحكومة فما الذي سيجعل أي مستثمر يضع أمواله في الطاقة الشمسية أو الرياح أو حتى الغاز الطبيعي طالما تضمن له شراء الفحم ودفع ثمنه دون ثمن أضراره التي سيدفعها المواطنون من صحتهم فيما يعرف اقتصادياً بالتأثيرات الخارجية السلبية Negative Externalities حيث يجب على الحكومة أن تمنعه أو تفرض عليه غرامات توازي الضرر الخارجي.

مثال للتوضيح، لنتخيل مستثمر يخطط لإنشاء مصنع سيارات محلي جيد فيجيء مستورد بسيارة صينية سيئة ورخيصة ف«يضرب السوق» ويمنع المستثمر الأول من إقامة مصنعه. وإذا كان من يشتري سيارة رديئة سيعاني من سوء صناعتها فمن سيستخدم الفحم لن يعاني إنما المواطنون سيتضررون، بينما هو يضاعف أرباحه.

ربما نحتاج مقالا آخر لشرح كيف بدأ الإخوان قرار استيراد الفحم لإرضاء مصانع الأسمنت دون اهتمام بصحة المصريين ولا بتأثيره على السياحة والاقتصاد، إنه من المخجل أن تستمر الحكومة الحالية في نفس سياسة الإخوان، وأن يصمت المصريون على ذلك.

#أوقفوا_الفحم

SputnikNews