العنف ضد النساء ظاهرة باتت تعرف وتيرة متسارعة في ألمانيا، خاصة بين النساء المهاجرات واللاجئات. العديد منهن يصمتن عن العنف الممارس عليهن سنوات عديدة، في المقابل تنجح أخريات في الخروج من دائرته. فأين يكمن الخلل؟
تزوجت الشابة المغربية كوثر وعمرها لا يتجاوز 18عاماً برجل يكبرها بحوالي 12 عاماً. بعد الزواج هاجرت مع زوجها من المغرب إلى إسبانيا، وهي لا تعرف عن زوجها سوى القليل: "الأهل يعتبرون أن إيجاد عريس لابنتهم مقيم في أوروبا هو فرصة لا تعوض". بعد الوصول إلى إسبانيا تفاجأت بأشياء كثيرة عنه، منها أن زوجها يعمل في تجارة المخدرات.
"جرح لا يندمل"
تعرضت كوثر لجميع أشكال العنف على يد زوجها، كما تقول: "كنت أشعر أنني بداخل سجن وأني ملك له. لا أرى الشارع ولا أستطيع التحدث إلى أي أحد. لم أستطع إخبار عائلتي بما يحدث معي، لأني لا أملك جهاز هاتف خاص بي، وإذا أردت التواصل معهم، يحدث ذلك من هاتفه وبحضوره وهو يلقنني ماذا أقول لهم". تعرضت الشابة المغربية للضرب المبرح على يد زوجها بشكل متكرر، ناهيك عن العنف المعنوي والجنسي، كما روت في حديثها لـ "مهاجر نيوز" وقالت: "كنت أخاف من الإدلاء برأيي أمامه وكان يعنفني كثيراً بالضرب والشتائم".
تابعت كوثر حديثها بصوت متعب: "كان يتعمد احتقاري وإفقادي الثقة بنفسي، من خلال محاولته عزلي عن العالم الخارجي. هذا دمرني نفسياً، ما دفعني لتلقي العلاج إلى يومنا هذا".
فقدت كوثر جنينها بعد أن تعرضت للضرب المبرح على يد زوجها، الذي كان يهددها بالقتل لو لجأت إلى الشرطة، كما صرحت. بعد سنوات من المعاناة أنجبت ابنها الأول والثاني، ولم تستطع تحمل المزيد من المعاناة، بالأخص بعد أن نضجت ووصلت إلى سن الخامسة والعشرين. "أخبرته برغبتي في الطلاق. وهددني بتشويه وجهي بماء النار، حينها أدركت أنه لا يمكن أن يكون إنساناً سوياً". في يوم من الأيام، تعرضت كوثر للضرب المبرح إلى درجة فقدانها حاسة السمع وطلب الجيران الشرطة وألقت القبض عليه لكنها شعرت وقتها بخوف شديد منه وتنازلت عن القضية، حسب قولها.
بعدها أخذ يعاملها بشكل جيد ووثقت به وسافرت معه للمغرب. تركها والأولاد هناك بدون معيل بعد أن أخذ جميع الوثائق الرسمية.
بعد معاناة استطاعت كوثر العودة إلى اسبانيا، لكن من دون أبنائها. لم تستسلم الأم وانتقلت للعيش في ألمانيا وبدأت حياة مستقلة، كما تقول: "درست اللغة ووجدت عملا وأحضرت أبنائي للعيش معي". واستدركت قائلة: "هذه القصة في كل مرة أرويها، أشعر بالتأثر. رغم أنها تجربة مرت، لكن بقي لها أثر كبير على نفسيتي. إنه جرح غائر لا يندمل".
أرقام صادمة
العنف ضد النساء ظاهرة تعاني منها مختلف المجتمعات، ومنها المجتمعات الغربية. وقد تزايدت وتيرته خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، كما توضح الأرقام. في ألمانيا ارتفعت جرائم العنف بين الأزواج والأزواج السابقين المبلغ عنها لدى الدوائر الأمنية في العام الماضي مقارنة بالأعوام الماضية، وفقاً لإحصائية رسمية تقول إن العنف بين شركاء الحياة الحاليين أو السابقين أودى بحياة 139 امرأة و30 رجلاً في 2020. وأوضحت البيانات التي نشرها المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة BKA أن الرجال مسؤولون عن غالبية جرائم العنف مع حدوث ارتفاع طفيف في نسبة هذه الجرائم التي ارتكبتها النساء حيث وصلت إلى 20.9 المائة.
حسب البيانات، فإن نحو 34 المائة من مرتكبي هذه الجرائم من الأجانب، وأظهرت الإحصائية ارتفاعاً كبيراً في نسبة الجرائم التي ارتكبها الرجال في جرائم الأزواج التي ارتكبها الأجانب حيث وصلت هذه النسبة إلى 91.5 بالمائة بين الجرائم المنسوبة
لسوريين وإلى 88.3 بالمائة بين الجرائم المنسوبة لأتراك بارتفاع عن المتوسط وفي المقابل تدنت هذه النسبة إلى أقل من المتوسط في الجرائم المنسوبة لبولنديين حيث وصلت إلى 74.2 بالمائة.
كشفت البيانات أيضاً عن أن النساء مثلن 80.5 بالمائة من ضحايا جرائم العنف الزوجي في العام الماضي بمعدل أربع من كل خمس ضحايا لهذه الجرائم، وأغلب الضحايا (واحد من كل ثلاثة) في العقد الرابع من أعمارهن (بين 30 و39 عاماً). ووقعت 38 بالمائة من الجرائم في إطار علاقة زوجية سابقة و32.3 بالمائة في إطار علاقة زوجية قائمة و29.4 بالمائة في إطار علاقة شراكة حياتية بين شخصين غير متزوجين.
تعددت الأسباب والنتيجة واحدة!
رونق عزيز سيدة عراقية كردية، هاجرت إلى ألمانيا منذ عام 1997 واستقرت في مدينة دورين الألمانية. تكرس حياتها اليوم من أجل الدفاع عن حقوق النساء، وبالأخص ضحايا العنف. تم منحها مؤخراً وسام الاستحقاق الفدرالي تكريماً لها على جهودها في محاربة العنف ضد النساء وبالأخص المهاجرات واللاجئات في ألمانيا. عن شعورها بعد هذا التكريم، قالت لـ "مهاجر نيوز": "تقدير بلد مثل ألمانيا العمل التطوعي يعني الكثير لي. إنه يظهر أن العمل يحصل على التقدير والاحترام، ليس فقط من قبل أولئك الذين تلقوا المساعدة وهذا يمنح المرء القوة والتحفيز للاستمرار بكل ما أوتي من قوة".
منذ لحظة وصول رونق، الأم لخمسة أبناء، ألمانيا، انخرطت عزيز في الاتحاد الرياضي والثقافي الكردستاني، بداية في تعليم لغتها الأم، واليوم تقدم دورات تعليم اللغة الألمانية للنساء. وهي أيضاً عضو في شبكة المهاجرين ضد العنف المنزلي Goldrute e.V. Migrantinnen-Netzwerk gegen häusliche Gewalt، حيث تقدم الدعم بشكل خاص للنساء، ضحايا العنف الأسري.
ترى عزيز أن اللغة والقدرة على التواصل والتفاعل مع الآخرين هي مفتاح العديد من الأبواب للمهاجرين واللاجئين. غير أن معاناة العديد من النساء المعنفات ، لا تقتصر على الحواجز اللغوية، بل تكمن في وجود مشاكل للتواصل لديهن، حسب قولها. "يصعب عليهن اللجوء إلى شخص ما، سواء كان ألمانياً أو أجنبياً. العديد منهن لا يعرفن حقوقهن، ولا يلجأن للشرطة، خشية المواجهة مع الجاني. وهنا تكمن أهمية وجود شبكات تعمل كوسيط بينهن وبين مراكز المساعدة، والعديد من المؤسسات الأخرى".
من خلال ملاحظاتها اليومية، ترى عزيز أن تزايد وتيرة العنف ضد النساء مؤخراً يعود إلى الظرف الحالي لوباء كورونا واضطرار الناس للبقاء معظم الوقت بالمنازل. أسباب أخرى مثل الغيرة والمخدرات وشعور الرجل بامتلاك المرأة. "من خلال تجربتي مع الرجال من أصول مهاجرة، أرى أن الكثير منهم يلقون باللوم على النساء فيما يخص مشاكل أسرهم. الحالة النفسية للرجل تلعب دوراً مهماً أيضاً، إذ أن الرجال الضعفاء هم الذين يمارسون العنف ضد المرأة. يمكن أن يكون الفقر أيضاً سبباً للعنف، وكذلك النظام الرأسمالي الذي قد يؤثر على تماسك الأسرة"، على حد تعبيرها.
الحب والحماية "لا يبرران" العنف!
عزت الدكتورة والناشطة الحقوقية المتخصصة في قضايا العنف ضد المرأة، عبير موّاس، ما وصفته بـ "الارتفاع الخطير" لحالات العنف المبلغ عنها ضد المرأة في ألمانيا إلى ارتفاع نسبة الوعي بين النساء، خاصة في أوساط المهاجرات واللاجئات
منهن. وقالت لـ "مهاجر نيوز": "من خلال تجاربي وحياتي المهنية أرى أن هناك حالة من الوعي بين النساء وهذا ما يبرر رفض النساء للعنف الأسري وقد يكون الأطفال أحياناً، هم من يحث الأم على الخروج من دائرة العنف". وأضافت: "رفض المرأة للظروف النمطية القديمة قبل القدوم إلى بلد الهجرة. هناك وعي بالحريات وهو ما يرفضه الرجل غالبا ويعتبره نوع من الانحلال الاخلاقي مما يفاقم الخلاف بين الرجل والمرأة".
تشير رونق عزيز إلى أهمية التعليم للنساء، خاصة للشابات منهن، اللواتي تربين على تبرير العنف ضدهم بالحب والحماية والتربية، كما تقول: "الكثيرات لازلن يتقبلن العنف المنزلي ضدهن، لأسباب ثقافية أو لأنهن نشأن على ذلك منذ الطفولة. ولهذا من المهم أن تعرف الأمهات، كيفية تربية بناتهن والقيم التي تنقلنها إليهن".
مهاجرات معنّفات... جراح غائرة وفخ دائرة الصمت!
" وكالة أخبار المرأة "