أثارت جرائم الاعتداءات الجنسية من قِبَل ضباط الشرطة موجة عارمة من السخط والغضب في مختلف أنحاء بريطانيا وتشكيكا في قدرة أقسام الشرطة على التحقيق أو تأديب الشرطيين الذين يسيئون إلى النساء.
وفي تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) الأميركية، تقول الكاتبة ميغان سبيشيا إن ضابط الشرطة جيمس ماسون كان في الخدمة بمركز شرطة شمال لندن عندما جاءت شابة للإبلاغ عن تعرضها للسرقة في أحد شوارع المدينة.
ولكنها عند الحديث معه شعرت بالارتباك بسبب الأسئلة التي وجهها ماسون إليها بشأن ملابسها، كما أراد أن يعرف ما إذا كان لديها صديق وهل تود الذهاب لتناول العشاء بصحبته. وعندما اتصلت به لمعرفة مستجدات بلاغها، استمر في مضايقتها. وحين أخبرته أنه يتجاوز حدوده، حذرها في رسالة بريد إلكتروني من استيائه من الرفض.
تدرّج ماسون في المناصب ضمن دائرة شرطة العاصمة بلندن ليتولى في النهاية منصب رئيس مفتشي المباحث، وفي الأثناء تكتمت الشابة عما حدث لها في عام 2011 حيث صرحت في مقابلة بأنها لم تشعر بالتمكين للإبلاغ عن ذلك حتى العام الماضي. وفي جلسة استماع تأديبية الشهر الماضي، أدلت الشابة بشهادتها دون الكشف عن هويتها، وأدين ماسون بإساءة استغلال سلطته كضابط شرطة لغرض جنسي.
لم يُعزل ماسون عن منصبه وإنما تلقى تحذيرا كتابيا نهائيا هذا الشهر، وهو حكم صدم الضحية. وفي الواقع، يعكس هذا الأمر ما وصفه خبراء العدالة الجنائية بالفشل المنهجي داخل قوات الشرطة البريطانية، في الوقت الذي يكافحون فيه لتأديب الضباط الذين يسيئون معاملة النساء.
في شهر أغسطس/آب الماضي، حُكم على ضابط شرطة سابق في نورثمبريا بتهم الاعتداء الفاضح وسوء السلوك بسبب علاقة جنسية استغلالية مع ضحيتين من ضحايا العنف المنزلي.
وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول، فُصل ضابط شرطة في مقاطعة نوتنغهامشير وأعفي من الخدمة بسبب رسائل جنسية أرسلها إلى امرأة كان قد أوقفها أثناء القيادة. وفي الشهر نفسه، وجدت لجنة تأديبية أن العلاقة الجنسية بين أحد ضباط شرطة لندن وامرأة كان يحقق معها بتهمة ارتكاب جريمة تعتبر سوء سلوك فاضح.
أثار سوء سلوك ضباط الشرطة غضبا عارما في صفوف النساء وجماعات حقوق الإنسان والسياسيين في مختلف أنحاء بريطانيا، ووصلت موجة الاستياء إلى ذروتها في شهر سبتمبر/أيلول بعد الحكم بالسجن مدى الحياة على الضابط واين كوزينز من شرطة لندن الذي أدين باختطاف واغتصاب وقتل شابة تدعى سارة إيفرارد.
وقد أقرت الشرطة بارتكابها خطأ في التحري بدقة عن كوزينز، مما أدى إلى إثارة مخاوف أوسع بشأن عدم بذل قوات الشرطة في جميع أنحاء البلاد مجهودات كافية لتحديد وإيقاف المجرمين بين صفوفها.
تقول الشابة التي كان ماسون يضايقها، والتي طلبت عدم الكشف عن هويتها لأنها تعرضت سابقا للهجوم عبر الإنترنت، إنها شعرت بأن الشرطة كانت مهتمة بالحفاظ على منصب ماسون أكثر من اهتمامها بسلامتها.
وقالت الشابة في المقابلة "لا ينبغي حمايتهم". وبالفعل احتفظ ماسون، الذي اعتذر في جلسة الاستماع التأديبية، بمنصبه كرئيس للمفتشين. كما باءت الجهود المبذولة للتواصل معه من خلال شرطة العاصمة بالفشل.
وفقا للإحصاءات التي كُشف عنها في تحقيق للقناة الرابعة البريطانية، فإن حوالي ألفين من عناصر الشرطة متهمون على الصعيد الوطني بارتكاب اعتداءات جنسية بما في ذلك الاغتصاب على امتداد الأعوام الأربعة الماضية.
وقد فُصل منهم 8% فقط بينما لم تُتخذ أي إجراءات ضد المتهمين في حوالي 60% من القضايا الأخرى. وقد خلص التحقيق إلى أن الغالبية العظمى من القضايا، حتى تلك التي أُدين فيها المتهمون بالاعتداء الجنسي، لم تسفر عن توجيه اتهامات جنائية ضدهم.
تقول زوي بيلينغهام، المفتشة السابقة لمجموعة مراقبة مستقلة تقوم بمراجعة أعمال الشرطة في بريطانيا، إنه يُنظر إلى جريمة كوزينز باعتبارها قضية مستعصية وحالة شاذة، في حين أنه ينبغي النظر إليها في سياق أوسع.
ومع أن عدد ضباط الشرطة المتهمين بسوء السلوك الجنسي قليل بشكل عام، ترى بيلينغهام أن هذه الحالات وليدة ثقافة الإفلات من العقاب التي يتبناها الضباط الذين يساندون بعضهم بمجرد ظهور الاتهامات.
يقول مسؤولو الشرطة إنهم أحرزوا بعض التقدم في محاسبة الجناة، وقد أصدر المكتب المستقل لسلوك الشرطة (وهو هيئة رقابية خارجية) بيانات جديدة الأسبوع الماضي تظهر أن عدد الضباط الذين اتخذت ضدهم إجراءات تأديبية بسبب إساءة استغلال مناصبهم لأغراض جنسية قد ارتفع بشكل حاد خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
ما بين 2018 و2021، اتُّخذت إجراءات تأديبية في حق 66 عنصرا في الشرطة نتيجة للتحقيقات -42 منهم في العام الماضي وحده- وثبتت تهم سوء السلوك في حق 63 ضابطا، وذلك وفقًا للأرقام الجديدة.
وحسب المسؤولين فإن هذه الزيادة نتيجة مباشرة للجهود المبذولة لمكافحة هذه المعضلة ومحاسبة الجناة. وقد صُنفت العديد من قضايا الاعتداءات الجنسية على أنها فساد بسبب إساءة استخدام السلطة، وهي تدفع هيئة المراقبة تلقائيا إلى فتح تحقيق. ولكن بعض قوات الشرطة لم تتعامل مع بعض هذه القضايا على أنها فساد، لذلك لم تتم إحالتها إلى الهيئة.
بالنسبة للضحايا، مثل الشابة التي تعرضت للسرقة، يمكن أن تترك التجربة التي مرت بها أثرا لا يمحى حيث أكدت أن المضايقات التي تعرضت لها من قبل ضابط الشرطة زعزعت ثقتها في النظام الأمني.
وأشارت إلى أنها عندما وجدت نفسها في علاقة مسيئة بعد أعوام، كانت مترددة في الاتصال بالشرطة. ولكن في الأعوام الأخيرة، بعد صعود حركة "أنا أيضا" (Me Too) ونضجها على الصعيد الشخصي، قالت الشابة إنها شعرت أن الوقت قد حان للإبلاغ عما حدث معها.
في خضم التدقيق العام المتزايد، اتخذت قوات الشرطة على المستوى المحلي والوطني وهيئات الرقابة بعض التدابير لمعالجة المخاوف. وأعلنت وزارة الداخلية عن فتحها تحقيقًا في القضايا التي أثارها مقتل سارة إيفرارد.
تضيف الكاتبة أن دائرة شرطة لندن -التي لم ترد على طلب للتعليق- أعلنت عن شروعها في مراجعة مستقلة للمعايير والممارسات المتبعة، وتعتزم زيادة عدد المحققين في انتهاكات الشرطة، وتخطط لإنشاء فريق مخصص للتحقيق في اتهامات سوء السلوك الجنسي والعنف المنزلي.
فضلا عن ذلك، أصدر مجلس رؤساء الشرطة الوطنية تعليمات لرؤساء أقسام الشرطة البريطانية بمراجعة جميع الادعاءات المتعلقة بسوء السلوك الجنسي والسلوك الفاضح والعنف المنزلي التي تورط فيها الضباط خلال العامين الماضيين.
وتشير الكاتبة إلى أن بعض الضباط السابقين يؤيّدون نهج عدم التسامح مطلقا مع سوء السلوك الجنسي، ويعتقدون أنه يجب فصل الضباط على الفور بعد تأكيد إدانتهم.
وقالت جانيت هيلز، وهي رقيب محقق متقاعدة خدمت في شرطة العاصمة لمدة 3 عقود وكانت أيضا رئيسة الرابطة الوطنية للشرطة السوداء، إنها أدركت خلال مسيرتها أن التحقيقات الداخلية لا تجدي نفعا لأنها تنطوي على تحقيق ضباط الشرطة مع زملائهم وهو ما يحول دون الإبلاغ عن التجاوزات.
وقد واجه أولئك الذين حاولوا فضح الانتهاكات داخل قوات الشرطة عقبات في كثير من الأحيان. فعلى سبيل المثال، حُرمت الضابطة السابقة بايج كيمبرلي من وظيفة استشارية مع الشرطة بعد أن أبلغت عن تلقيها رسائل بذيئة ومسيئة تنطوي على إيحاءات جنسية من زملائها الذكور على الواتساب. وقال محامي كيمبرلي، تيري فالكاو، وهو ضابط شرطة سابق، إن هذه القضية تعكس مدى انتشار ثقافة "نادي الذكور".
وتذكر سو فيش، الرئيسة السابقة لشرطة نوتنغهامشير، التي تحدثت عن تجربتها الخاصة مع الاعتداء الجنسي من قبل زملائها، أنها تلقت الكثير من الرسائل من ضباط حاليين وسابقين حاولوا فضح الانتهاكات وقد أيقن البعض أن التحقيقات تنقلب ضدهم.
وأضافت فيش أن "الشرطة البريطانية بارعة في العديد من المهام. ولكنها تفشل بشكل منهجي في التعامل مع قضايا الإساءة للنساء والفتيات، وقضايا المتساكنين المحلية، كما تفشل بشكل منهجي في التعامل مع قضايا المجتمعات المهمشة أو الأقليات".
ونبهت فيش إلى الحاجة الملحة لقيادة متسقة لتحديد مواطن الخلل واستئصال كراهية النساء، مضيفة أن "النظام يضم الكثير من الضباط الفاسدين" الذين يؤثرون سلبًا على الضباط الصالحين ويمكنون المعتدين من تحقيق مبتغاهم".
نيويورك تايمز : شرطة المملكة المتحدة تكافح للحد من انتهاكات ضباطها ضد النساء
" وكالة أخبار المرأة "