كانت زهراء تتابع برنامجا تلفزيونيا عن المرشحات في الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في 10 أكتوبر المقبل من بيتها في العاصمة بغداد، حين قالت لوالدها الجالس قربها:" لدي رغبة شديدة في الترشح لنيل عضوية البرلمان في الدورات المقبلة".
لكن والدها أجاب غاضبا على الفور: "إيه حتى نطمس بالعار هو وين أكو انتخابات. بعدين ما عندنا نسوان يطلعن صوتهن ويحجن (يتكلمن) بالتلفزيون!"، لكن زهراء، ذات الـ31 عاما، حاولت مقاطعة حديثه ومناقشة أسباب اعتراضه، فإذا بوالدها يستل من طاولة أمامه منفضة ممتلئة بالسجائر، ويضربها بها.
تقول زهراء لموقع "ارفع صوتك" إنها تعتقد أن "ترشيح المرأة لنيل عضوية البرلمان في الانتخابات مسألة تعتمد على رجال العائلة أو العشيرة، هم وحدهم من لديهم القرار بحقها في التصويت والترشيح أم لا".
وتخرجت زهراء من كلية القانون، عام 2011، لكن حياتها كانت روتينية لعدم حصولها على عمل يناسب تخصصها، فتطوعت للعمل مع بعض المنظمات المدنية، وتكونت لديها رغبة أن تترشح يوما للانتخابات البرلمانية.
وخلال السنوات الماضية، حاولت عدة مرات إقناع والدها على انخراطها بهذا الشأن، لكن النقاش بينهما كان ينتهي في كل مرة بمشاجرة، آخرها كان بضربها بمنفضة السجائر.
وتشير زهراء إلى أنه كان يعترض دوماً خشية "الفضيحة" وبسبب الاتجاه نحو عدم اختلاط المرأة، لأن ترشيحها للانتخابات بنظرهم يمثل "مشكلة قد تؤثر على سمعة عشيرتها"، فضلاً عن تهم بعدم نزاهة الانتخابات.
عضوية البرلمان
ترى الناشطة الحقوقية، سلوى حازم، أن التضييق على النساء لا يعتمد على الراغبات في التصويت أو المشاركة، بل يتعداه إلى فقدان المساواة السياسية بين المرشحين من الرجال والنساء في الانتخابات العامة، وانعدام أو ضعف أي استعدادات من المواطنين للتصويت للنساء، وكأن الدستور العراقي والقيادة السياسية غير معنيين بالنساء.
وبحسب استطلاع أجراه "الباروميتر العربي" فإن 72 بالمئة من المستطلعة آرائهم يوافقون على الرأي القائل إن الرجل أفضل من المرأة في القيادة السياسية. بينما كانت نسبة من يعارضون هذا الرأي 28 بالمئة فقط.
وتقول حازم لـ "ارفع صوتك" إن "نظرة المجتمع السلبية تجاه حقوق المرأة وحريتها وراء تقلص عدد النساء المشاركات سواء في التصويت أو الترشيح للانتخابات البرلمانية".
من ناحية أخرى، فإن وجود مرشحة ينظر إليه على أنه أحد التهديدات، بوصف المرأة "غير مؤهلة" لخوض غمار العمل السياسي بالنسبة لبعض القوى السياسية المتنفذة، سواء كانت هذه النظرة مبنية على أسس ومفاهيم دينية أو عشائرية، تضيف حازم.
وخلال آخر دورة انتخابية للبرلمان العراقي فازت 86 امرأة بمقاعد من أصل 329 مقعدا، أي أن 25 في المئة من مجموع الأعضاء هم نساء وهو ما يفرضه نظام الكوتا وفق الدستور العراقي.
لكن تقييم أداء النساء وحضورهن بانتخابات 2018، بحسب التقرير الشامل للعملية الانتخابية والسياسية في العراق حسب النوع الاجتماعي لعام 2019، الصادر عن المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية، يواجه العديد من نقاط الضعف المتمثلة في أن قواعد الاستبدال تتيح فرصة للحزب لاستبدال امرأة برلمانية برجل.
وكذلك لا تتضمن لوائح تخصيص المقاعد، التي تدعم قانون الكوتا النسائية، إرشادات بشأن المرشحات اللائي فزن بشكل مستقل عن الكوتا، فضلا عن أن النساء يشكلن 14 بالمئة فقط من موظفي المفوضية.
وكذلك لا توجد نساء في مجلس المفوضين، ولا تخصص إدارات المفوضية أي أموال للتدخلات والبرامج الخاصة بمساواة بين الرجل والمرأة، هذا فضلا عن عدم وجود ميزانية مخصصة لفريق الجندر التابع لمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بل ولم يخصص له موظفون يعملون بدوم كامل.
كما أن هناك نقصا في عدد النساء بالمناصب القيادية السياسية – كما هو الحال في الحكومة- للعمل كنماذج في أدوار يُحتذى بها أو في أدوار قيادية بارزة، إضافة إلى هجمات ومضايقات منتشرة على الإنترنت ضد النساء المشاركات في العملية السياسية، سواء عند الترشيح أو التصويت أو العمل كمسؤولين في الانتخابات.
وأيضا كان يتم دعم الرجال بموارد للحملات أكثر من النساء، إضافة إلى أنه، وخلال الانتخابات الأخيرة، كان جميع قادة الأحزاب السياسية والائتلافات الحزبية من الرجال، ولا تملك الأحزاب هياكل داخلية تُسهل مشاركة المرأة في الحزب، كما أن الأحزاب تفتقر إلى الشفافية في اتخاذ القرار.
وفي الوقت الذي تسعى فيه 980 مرشحة لنيل عضوية البرلمان في الانتخابات المقرر عقدها في 10 أكتوبر، تعتقد الناشطة الحقوقية، سلوى حازم، أن المرأة لن تأخذ دورها البارز مالم يكون التغير والإصلاح في داخل القوى السياسية والأحزاب.
وتشير حازم إلى أننا بحاجة لمعرفة مصادر التمويل التي تعتمد عليها الأحزاب السياسية، خاصة عندما ندرك أن النساء اللواتي ليس لديهن أي جهات داعمة أو تقدم حوافز مالية، تصبح مسألة ترشيحهن أو فوزهن بالانتخابات ضعيفة.
النظرة الدونية
من جانبها ترى الباحثة الاجتماعية، وداد ناجي، أن تخصيص حصة تمثيل النساء بنسبة 25 بالمئة في المقاعد البرلمانية غير كافية، لأنها على أقل تقدير لا تخدم مبادرات المساواة بين المرأة والرجل.
وتقول الباحثة لـ "ارفع صوتك" إن "مسألة تمثيل النساء وفق الكوتا، واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه عملية إبراز دورهن، خاصة عندما نكتشف أن فرصة استبدال الحزب لبرلمانية يكون عادة برجل وليس من الجنس نفسه".
وتتابع: "نحن بحاجة أيضا إلى توعية وتثقيف الناخبين بشكل جاد، خاصة فيما يتعلق بنظرة المجتمع السلبية تجاه حق المرأة وحريتها، وذلك عبر معالجة الأخبار المضللة والكاذبة التي تسيئ إلى المرأة بشكل كبير|.
وتشير إلى دور هذه الأخبار المضللة "الكبير" في تنشيط النظرة الدونية للمرأة، وخاصة في المجتمعات التي يغلب عليها الطابع الديني والقبلي.
وكانت نسبة مشاركة النساء في التصويت بالمحافظات العراقية، عام 2018، قد تفاوتت، ففي محافظات ميسان وواسط وديالى تجاوزت نسب مشاركة النساء مثيلاتها بالنسبة للرجال، وسجلت في ميسان مشاركة 6 نساء لكل 10 مصوتين. وفي واسط وديالى كانت النسبة 50.4 بالمئة و50.2 بالمئة على التوالي.
بينما انخفضت نسبة النساء اللواتي شاركن في التصويت في المحافظات الشمالية المتمثلة بالسليمانية وأربيل ودهوك إلى جانب نينوى، وبلغت 47 بالمئة من مجموع المشاركين في التصويت، رغم أن هذه المحافظات تعد منفتحة اجتماعيا مقارنة بغيرها.
وفي كركوك والأنبار، وصلت نسبة النساء إلى 48 بالمئة من مجموع المصوتين، أما في بغداد والنجف وباقي المحافظات العراقية فقد وصلت هذه النسبة إلى 49 بالمئة.
"الخوف من الفضيحة".. عوائق أمام المشاركة السياسية للمرأة العراقية
دعاء يوسف - بغداد - " وكالة أخبار المرأة "