كتب : أحمد الطاهرى منذ 22 دقيقة
حدّد الدكتور نبيل فهمى وزير الخارجية، عند تكليفه بحقيبة الخارجية، عدداً من العناصر والأهداف تمثل استراتيجيته فى العمل.. وفى الوقت نفسه التزاماً قطعه على نفسه يمكن الاستناد إليه عند تقييم أداء وزارة الخارجية والسياسة الخارجية المصرية فى عهده.
وارتكزت هذه الاستراتيجية التى عرضها على مجلس الوزراء فور تكليفه وكذلك أعلنها للرأى العام فى أول مؤتمراته الصحفية، على ثلاثة محاور رئيسية تمثّل أهدافاً على المدى العاجل والمتوسط والبعيد للمؤسسة الدبلوماسية.
أولها الدفاع عن الثورة المصرية وحشد الدعم السياسى والاقتصادى الدولى لها، أما المحور الثانى فهو إعادة مركزية الدور الإقليمى عربياً وأفريقياً ومتوسطياً لمصر بما ينعكس على مركز مصر على الساحة الدولية ومنطلق هذه المركزية هو الاهتمام بملفات الأمن القومى المصرى، وكذلك إعادة التوازن فى علاقات مصر الدولية، أما المحور الثالث فهو وضع رؤية مستقبلية بعيدة المدى حول الخريطة العالمية فى عام 2030، والتحديات المنتظر أن تواجهها مصر.
وفيما يخص المحور الأول تبدو وزارة الخارجية الآن فى مرحلة التقاط النفس ورضا عن اجتياز أخطر مراحل المواجهة الخارجية عقب اندلاع ثورة 30 يونيو، وهى كانت مقسّمة وفقاً لخطة العمل داخل الوزارة إلى مرحلتين: الأولى بدأت فى الثالث من يوليو الماضى عقب إعلان الفريق عبدالفتاح السيسى استجابة القوات المسلحة لمطالب الشعب المصرى وإنهاء حكم محمد مرسى، وهنا كانت المهمة الرئيسية لوزارة الخارجية بإقناع العالم أن ما تم فى مصر ثورة شعبية وليس انقلاباً عسكرياً، وفى هذا الإطار تم تشكيل لجنة خاصة لهذا الغرض مكوّنة من عدد من السفراء مهمتها متابعة كل ما يثار عن مصر خارجياً والرد عليه وإيفاد نقاط تحدث إلى كل البعثات المصرية فى الخارج، ولهذا الغرض تم إلغاء كل الإجازات السنوية لسفراء مصر فى الخارج وتكليفهم بالوجود فى العواصم المعتمدين فيها، وقامت الخارجية مباشرة بسد العجز الذى أظهرته الهيئة العامة للاستعلامات فى التفاعل مع الإعلام العالمى، إذ أجرى نبيل فهمى فى أقل من 50 يوماً ما يقرب من 40 لقاءً تليفزيونياً وصحفياً مع مختلف وسائل الإعلام العالمية، فضلاً عن تكليف السفراء بالتحدّث إلى وسائل الإعلام فى الدول المعتمدين لديها، وتمت الاستعانة بشباب حديثى التخرّج تم دفعهم فى إدارة تكنولوجيا المعلومات داخل الوزارة مهمتهم الدخول فى معارك «الإعلام الاجتماعى» أى مواقع التواصل الاجتماعى سواء «فيس بوك، تويتر، يوتيوب» لمواجهة اللجان الإلكترونية لتنظيم الإخوان حول العالم، وأيضاً تم تفعيل منهج الدبلوماسية العامة عن طريق إتاحة المجال لمنظمات المجتمع المدنى والشخصيات العامة للوجود فى المحافل الدولية وشرح ما يجرى فى مصر بعد إعدادهم للمهمة، وكذلك تم تنظيم ثلاثة اجتماعات لنحو 180 سفيراً أجنبياً معتمداً لدى مصر تم تقسيمهم حسب الهوية الجغرافية، واجتمع معهم وزير الخارجية ومساعدوه وقدّم لهم مجموعة من الملفات التى تفضح العنف الذى يمارسه الإخوان تجاه الشعب المصرى.
ويرى المعنيون داخل المؤسسة الدبلوماسية المصرية أن هذه المهمة تمت بنجاح، إذ انحسر مصطلح «الانقلاب العسكرى» دولياً ولم يُستخدم صراحة إلا من قِبل ثلاث دول وهى «تركيا، تونس، جنوب أفريقيا»، ولكى يتم تحجيم جنوب أفريقيا التى سعت لتجميد عضوية مصر فى الاتحاد الأفريقى تم تشكيل فريق عمل من كبار الدبلوماسيين المعنيين بالشأن الأفريقى وإيفادهم كمبعوثين رئاسيين إلى مختلف العواصم الأفريقية لشرح حقيقة ما جرى فى مصر. أما المرحلة الثانية فى سيناريو المواجهة الذى أعدته وزارة الخارجية مسبقاً فتمثل فى محاربة تدويل الأزمة فى مصر مع بدء عمليات فض اعتصامى رابعة العدوية وميدان النهضة، ويعتقد المعنيون أيضاً داخل وزارة الخارجية أن مصر تخطت فخاً عميقاً كان يُنصب لها، حيث تمكّنت من إجهاض مساعى «تركيا وبريطانيا وفرنسا وأستراليا» عندما سعت لوضع ملف مصر على طاولة مجلس الأمن كنقطة بداية لتحرّك دولى تجاه مصر وتمكّنت اتصالات مكثفة لوزير الخارجية مع خمسة عشر وزيراً للخارجية يمثلون الدول الأعضاء فى مجلس الأمن وتحركات مكوكية لبعثة مصر فى نيويورك من إجهاض هذا المسعى وإفراغ هذه الجلسة من قيمتها ومضمونها، إذ لم يخرج عنها بيان أو توصيات. فى هذه الأثناء وحسبما كشفت مصادرنا داخل غرفة عمليات الخارجية، تم التفكير فى إيجاد جبهة داعمة لمصر فى التحرّك الخارجى لوقف ما يمكن اعتباره حالة «سعار دولى» بعد فض اعتصامى النهضة ورابعة، وبالفعل تم التنسيق مع المملكة العربية السعودية الشقيقة وجرت ثلاثة اتصالات متعاقبة بين نبيل فهمى ونظيره السعودى الأمير سعود الفيصل، توجه بعدها إلى باريس، ومن هناك وجّه رسالة المملكة القوية إلى الغرب بصفة عامة وللاتحاد الأوروبى بصفة خاصة، بدعم مطلق لمصر وثورتها وشعبها. فى المقابل، وعلى مدار خمسين يوماً من مباشرة نبيل فهمى لمهام منصبه، وُجهت إليه وإلى أدائه وإلى أداء المؤسسة الدبلوماسية بشكل عام انتقادات واضحة، من بينها أن وزير الخارجية يتسم خطابه الدبلوماسى بالهدوء الزائد الذى لا يتناسب مع حماس شارع ثورى فى مصر، وكذلك أن الخطاب الدبلوماسى ليس بالحدة المطلوبة مع من يتطاولون على مصر أو من ينتهجون سياسات عدائية ضدها أو من يتدخّلون بشكل مباشر فى شئونها، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية.