استبشر الباحثون بظهور وسائل إعلام جديدة، يكون فيها المتلقي فاعلاً، ولا يكون متلقيًا سلبيًّا كما كان يُنظَر له مع وسائل الإعلام التقليدية؛ إذ أصبح المتلقي مستخدمًا نشطًا؛ يقوم بدور بارز في ضخ المحتوى والنشر، والمساهمة في توجيه الرأي العام، وإيصال الأخبار وتصحيحها..إلخ.
هذا المستخدم مُنح فرصة لم يكن يحلم بها في وقت سابق حينما كان هناك سيطرة كبيرة على وسائل الإعلام، سواء كانت هذه السيطرة سياسية أو فكرية، وكلتاهما -كما هو معروف- مرتبطة بالسيطرة الاقتصادية. وهذه الفرصة منحته قيمة مضافة لدى المؤسسات الإعلامية باعتباره ليس مستهلكًا يتم خداعه بمنتجات قد تلائمه، ومضطر لاستهلاكها إن لم تلائمه؛ إذ أصبح المستخدم منتجًا للمحتوى بعد أن كان مستهلكًا فقط، وبات جزءٌ كبير من المحتوى الذي يقدمه مغذيًا لوسائل إعلام تقليدية؛ وهو ما جعل تلك الوسائل تستعين بخبراء بالإعلام الرقمي، أو العمل على تطوير مهارات العاملين فيها.
هذه القفزة الهائلة في عالم الإعلام لم تتوقف كطفرة أحدثت تحولاً فقط، بل استمرت في التطور؛ لتفرز بيئات جديدة، وظواهر تتزايد كل يوم.. فبعد أن كان تأثير تلك الطفرة على المؤسسات الإعلامية فقط انتقل تأثيرها كالطوفان إلى المجتمعات وأفرادها؛ وامتد إلى سلوكيات الأفراد وطريقة تعاطيهم مع الأخبار والأحداث والاستهلاك في حياتهم العادية.. كما أنه بعد أن كان حلم كل طفل في المدرسة أن يصبح طيارًا أو طبيبًا أو مهندسًا أصبح يحلم بأن يكون مشهورًا، يعرفه الجميع، رغم أن الشهرة قد تكون مرتبطة بنجاح علمي، لكن إيثار شهرة وسائل التواصل الاجتماعي أكثر أهمية ولفتًا للانتباه من أي نجاح وتقدُّم علمي؛ إذ إن مشهورها لا يحتاج إلى الكثير من الجهد والسهر والاختبارات؛ إذ يكفي البعض أن يكون مستظرفًا، أو مخالفًا للأعراف، أو مستعرضًا بما منحه الله إياه من صحة وعافية ومال؛ ليحصد مشاهدات عالية، يستثمرها بالإعلان لمنتجات مختلفة تابعة لمؤسسات تجارية!
التغيير في أي أمر محمود إذا كانت نتائجه إيجابية. وتصيُّد فرص الرزق أيضًا محمود إذا كان في حدود الأدب والذوق العام، لكن ما يحدث من بعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي يجعل المهتمين يشعرون بالخطر؛ وينادون بوضع ضوابط تحكم ما يحدث، وتكافح ما يمكن أن يحدث خوفًا على أجيال قادمة.مها الجبر