كتب : رحاب عبدالله وأحمد ماجد الأربعاء 04-09-2013 10:17
نجا «فارت فاهرام» ذو الأصول الأرمنية من المذابح التى ارتكبها الأتراك ضد شعبه وأهله فى العام 1915، كان «فارت» طفلاً رضيعاً لم يتعدَّ عمره العامين، فى حضن والده على متن سفينة فرنسية، بينما ظل شقيقته وشقيقه اللذان لم يتجاوز أكبرهما العشر سنوات فى صراع مع الأمواج الباطشة حتى استطاعا الوصول إلى إحدى سفن الإغاثة الفرنسية مع أكثر من 300 طفل نقلتهم السفن جميعاً إلى مصر عبر ميناء بورسعيد.
«فاهرام»، الرئيس السابق للجمعية الخيرية الأرمنية بالإسكندرية، وصاحب الدعوى القضائية التى تطالب السلطات المصرية بالاعتراف بمذبحة الأرمن، يقول إن «سفن الإغاثة الفرنسية نقلت أطفال الأرمن والنازحين إلى عدد من الدول الساحلية مثل مصر ولبنان واليونان وفلسطين، وكان الأرمن يدخلون البلاد عبر ميناء بورسعيد حيث ينتظرهم هناك عدد من أثرياء الأرمن الذين كانوا يعيشون فى مصر بالقاهرة والإسكندرية فيوفرون لهم منازل ورعاية كاملة بالمدينتين بعد نقلهم إليها».
ويروى «فارت» تفاصيل هذه المذبحة قائلاً: «الحكومات التركية على مر التاريخ تتسم بالوحشية والصفات البربرية، ومسئولوها ليس لديهم فكر أو فن أو إبداع، يعيشون على الاستبداد بالآخر والاستيلاء على خيراته معتمدين فى ذلك على قوتهم العسكرية ووحشيتهم التى تمكنهم من ارتكاب أى مذابح أو جرائم لمجرد الاستيلاء على خيراته».
ويضيف: «الشعب الأرمنى عكس ذلك تماماً، هم لا يجيدون فنون الحرب ولا يحبون القتل ولا الدماء، فهم شعب مسالم لا يجيد سوى الفن والحرف والمسرح، وهو ما جعله مطمعاً لدولة مثل تركيا التى كانت قد استولت على جزء كبير من بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا وأقامت بها الدولة العثمانية، وكانت أرمينيا فى طريقها نحو الشرق وأفريقيا فأرادت الاستيلاء عليها وضم أراضيها إلى الأراضى التركية».
وتابع أن «معظم الأراضى التركية من جهة الغرب كانت فى الأصل تابعة لليونان، ومعظمها من جهة الشرق كانت أراضى أرمينية، وكما فعلت تركيا فى مصر حين جرفتها من الفنانين والحرفيين لبناء قصور الأتراك والعمل فى مصانعهم استولت على أرض الأرمن واستغلت من بها من معماريين وحرفيين وفنانين، ثم أرادت القضاء على الجنس الأرمنى تماماً وإبادته للاستيلاء على أرض أرمينيا وتطهير العرق الأصيل فيها».
ويوضح أنه «فى عام 1896 حاول الأتراك تنفيذ خطة إبادة الأرمن عبر مذبحة كبيرة راح ضحيتها أكثر من 350 ألف أرمنى، إلا أنها لم تتمكن من إحكام قبضتها على الجميع حيث تمكن عدد كبير من شباب الأرمن من الهرب إلى الجبال وتشكيل فرق فدائية للدفاع عن أسرهم وأهلهم، وفى بدايات القرن الـ19 بدأت تركيا إعادة التفكير فى إبادة الأرمن من جديد، فدشنت حزباً ليبرالياً تحت مسمى (تركيا الفتاة) على غرار حزب «العدالة والتنمية» الحالى، وأقنعت الأرمن بأنها غيّرت سياستها وصارت دولة أكثر ليبرالية وديمقراطية، وأقنعت الأرمن بالانضمام إلى الحزب والجيش التركى وتذويب الفوارق بين البلدين».
انضم 90٪ من الأرمن إلى الجيش التركى والحزب الجديد، حسب ما يقول محدثنا، و«لكن بدلاً من أن يروا الديمقراطية المنشودة فوجئوا بتركيا فى يوم 24 أبريل من عام 1915 تستغل انشغال العالم بالحرب العالمية الأولى وتنفذ مذبحة كبرى فى حق الأرمن بدأت بقتل ما يقرب من 100 شخص من الأدباء والفنانين والمثقفين الأرمن ثم أمرت الجيش بجمع الجنود الأرمن فى كل كتيبة والقضاء عليهم، حتى إن الأمر وصل إلى تفاخر الضباط والجنود الأتراك بعدد من قتلوهم من الأرمن والتنافس حول عدد القتلى، وصار أكثر الأرمن حظاً هو من يُترك فى الصحراء ليموت من الجوع والعطش، حتى بلغ عدد القتلى فى هذه المذبحة مليوناً و500 ألف أرمنى، ليصير بذلك يوم 25 أبريل تاريخاً أسود يذكره الأرمن فى كل عام».
وتمكن عدد قليل من الأرمن وخاصة بعض الأطفال تحديداً من الوصول إلى السواحل التركية حيث نقلتهم سفن الإغاثة الفرنسية إلى عدد من الدول الساحلية، مشيراً إلى أن مصر كانت من كبريات الدول التى احتضنت الأرمن، وشعروا فيها بأنها بلادهم الثانية.
ويستنكر «فارت» عدم اعتراف مصر حتى الآن بمذبحة الأرمن قائلاً: «هل تخشى مصر على علاقتها بتركيا تلك الدولة التى استعمرتها لما يقرب من 500 عام جرّفت خلالها البلاد من الفن والجمال والكفاءات، وأبدلتها جهلاً وفقراً، وها هى الآن تشن هجوماً حاداً على الجيش المصرى وتستعدى العالم ضد مصر من أجل مجموعة من الإرهابيين، فى حين ترفض نصرة جزء من شعبها جاءها خائفاً فأمّنته فنقل لها ما يملك من فن وحرف وثقافة، وصاروا جزءاً من الشعب المصرى، وصارت مصر بلادهم الجديدة؟ ولذلك فإن الفرصة سانحة الآن أمام مصر لكى تكبل أيدى تركيا وتقطع لسانها إذا اعترفت بمذبحة الأرمن، فليس من المعقول أن تعترف 9 دول بهذه المذبحة ليس من بينهم الوطن الثانى للأرمن، مصر، وأنا آمل فى الحصول على حكم قضائى فى الدعوى التى تلزم السلطات المصرية بالاعتراف بمذبحة الأرمن».
ويصف «فارت» المخطط الذى كانت ترعاه تركيا بأنه يشبه مذبحة الأرمن، ولكنه هذه المرة كان موجهاً للشعب المصرى قائلاً: «لقد دعمت تركيا بالتحالف مع الغرب وأمريكا رئيساً إرهابياً هارباً من السجن، أفرج عن كافة القتلة والإرهابيين عقب وصوله للحكم مباشرة هو المعزول محمد مرسى، وأراد تدمير مصر بالكامل والقضاء على هويتها وطمس ملامحها، ولكن الأرمن والمسيحيين بشكل عام لم يكونوا يخشون حكم الإخوان على أنفسهم فقط لأنهم كانوا يعلمون أن المشكلة ليست عقائدية وإنما كانوا يرون أن خطر هذا التنظيم الإرهابى يشمل مصر بالكامل بكافة أبنائها المسلمين والأقباط والأرمن الحاصلين على الجنسية المصرية وغيرهم».