كتب : مروة مدحت منذ 32 دقيقة
"أهلا بك في جمهورية رابعة العدوية". هكذا يشعر كل من يقرر الذهاب إلى محيط مسجد رابعة المقر السابق لاعتصام مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي. الشوارع مغلقة أمام المرور بسبب أعمال الترميم في المسجد والمنطقة المحيطة. عربات الطوب ومستلزمات البناء تنتشر بطول الشارع. جزء من لافتة ممزقة كان صاحبها يرفعها إلى السماء داعيا الله أن يعيد مرسي إلى الحكم مرة أخرى. قطعة من الحصير كانت تستخدم للصلاة أو النوم عليها. آثار الحريق التي اختفت من المباني بعد عمليات الترميم، لكن الأشجار ظلت بسواد أغصانها شاهدة على ما حدث.
وفي الشارع المواجه للمسجد، تراصت قطع من حطام السيارات المحترقة على جانب الطريق، تقود الناظر لها إلى إحدى النقاط الأساسية في الاعتصام، وهي مدرسة "عبدالعزيز جاويش".
اضطررت للهتاف تأييدا لمرسي والدعاء على السيسي خوفا من المعتصمين الذين كانوا يرسلون معارضيهم إلى المنصة
أبواب المدرسة مفتوحة على مصراعيها، ليس على سبيل الترحيب، لكن بسبب كسرها، وتجاورها لافتة وضعها أنصار المعزول على السور: "ضد التخريب.. نعم للرئيس المنتخب"، فيما كان حائط المدرسة شاهدا على حالة النزاع السياسي التي شهدتها مصر، حيث ترى عبارات مؤيدة لمرسي وأخرى ضده.
مقاعد مدرسية محترقة ومواسير مياه في كل مكان، هو كل ما تبقى من دورات المياه التي أقامها أنصار مرسي داخل المدرسة. العمال منتشرون في كل مكان لإعادة ترميم المبنى قبل أن يعود الطلاب من الإجازة الصيفية، ليروا تدمير الفصول التي تعودوا أن يروها دائما نظيفة ومرتبة.
وعند البوابة الثانية للمدرسة التي شهدت أول محاولة اقتحام من قبل مؤيدي مرسي، تجلس فاطمة زوجة حارس المبنى على "دكة" خشبية نصف محترقة أمام غرفتها التي أُحرقت كل مكونتها، لتروي شهادتها عن الاعتصام داخل المدرسة التي عملت بها لـ15 عاما، ورفضت أن تتركها وتهرب بعد أن احتلها المعتصمون، وقررت أن تعيش معهم "عشان أحافظ على لقمة عيشي".
حاولت فاطمة وزوجها الحفاظ على المدرسة منذ بداية الاعتصام، ونجحا في ذلك لمدة 15 يوما. "كان في ناس بتنط من فوق السور عشان يدخلوا الحمام"، بحسب قولها، وحاول كثيرون دخول المدرسة لكنها أصرت على الرفض.
تروي كيف تحولت المدرسة لمقر اعتصام آخر لمؤيدي المعزول: "سمحت لرجل بدخول حمام المدرسة، ورفضت أن آخذ منه فلوس عشان مايرجعش تاني، لكنه رجع ومعه 5 آخرين عاوزين يدخلوا. زعقت فيهم فمشيوا، إلا أنه رجع تاني ومعه 40 واحد وماسكين شوم وكسروا علينا بوابة المدرسة".
بدأ المعتصمون في التردد على المدرسة لقضاء جميع احتياجاتهم: "كانوا ييجوا يتوضوا ويدخلوا الحمام ويغسلوا هدومهم، وناس تنام"، أما مظاهر الحياة فقد توقفت تماما في غرفة فاطمة، التي لم تكن تستطيع أن تغادرها: "كان فيه خيمة قصاد الأوضة، أخرج إزاي وفيه رجالة نايمين؟".
المعتصمين كان معهم تليفزيونات وثلاجات وكانوا يتعاملون مع المدرسة كأنها شقتهم
تضيف: "كان فيه ستات كتير وأطفال وحوامل، وواحدة على كرسي. كانت الرجالة بتبات في الفصول اللي تحت والستات بيتجمعوا في اللي فوق، وكان معاهم تلاجات وتليفزيونات، كأنهم في شقتهم".
لم يشعر معتصمو الإخوان بالملل من طول المُكْث في المدرسة لمدة 45 يوما، فكل وسائل الترفيه كانت متاحة، حتى الطعام: "كان المطبخ كبيرا وبه أكثر من طباخ، وكل يوم عجول ولحمة ومكرونة وكل حاجة، والمعتصمون ييجوا الساعة 5 ياخدوا وجباتهم ويفطروا"، أما فاطمة فلم تكن تستطيع أن تحضر وجبة إفطار لعائلتها الصغيرة، لكن "كنت بروح لما يبدأوا يوزعوا الوجبات أقولهم عاوزة وجبتين".
الخوف مما رأته دفعها إلى أن تردد هتافات "مرسي، مرسي"، لتؤكد للمعتصمين أنها معهم. لا ضرر من أن تشاركهم الدعاء على الفريق السيسي إذا لزم الأمر، فما رأته من ضرب وتنكيل بأي مصور دفعها لذلك: "لمَّا يمسكوا واحد يعرفوا إنه مصور يتلموا عليه ويضربوه ويكسروا الكاميرا"، أما معارضيهم في الرأي فكانت معاملتهم تختلف: "كنت بسمع لما يمسكوا واحد معارض ليهم يقولوا ودُّوه عند المنصة، بس معرفش كان إيه بيحصل هناك".
يوم مؤيدي المعزول لم يكن هادئا، فهم لا ينامون سوى ساعتين بحسب الحارسة: "كل يوم يصلوا العصر ويطلعوا على المنصة لحد أذان المغرب، ويرجعوا المدرسة يفطروا، وبعدين يرجعوا عند المنصة لحد الفجر، ثم يناموا ساعتين".
عند فض الاعتصام، شعرت فاطمة من الترتيبات غير المعتادة للمعتصمين بأن شيئا سيحدث، فمنذ الثانية صباحا شرع مؤيدو مرسي في تكسير الحجارة وتجميع الزجاجات الفارغة وتحضير الشوم، ما دفع فاطمة إلى أن تطلب من زوجها مغادرة المدرسة في تمام السادسة صباحا: "حراس المعتصمين وقَّفونا عند باب المدرسة، وقالوا لنا مافيش خروج، إحنا خايفين عليكم، لكننا خرجنا".
لم تعد فاطمة إلى غرفتها الصغيرة بمدرسة "عبدالعزيز جاويش" إلا في السابعة مساء، بعد أن أنهت قوات الجيش والشرطة فض الاعتصام، لتجد غرفتها أُحرقت وغرفة المديرة فُتحت وسُرق منها المال، كما اكتشفت أن قوات الجيش أخرجت حقيبة مليئة بالأسلحة كانت مدفونة في فناء المبنى.