تصاعدت في الآونة الأخيرة أزمة الفنانة المصرية (حلا شيحة) حتى تم فصلها من نقابة المهن التمثيلية في مصر!!
وكانت (حلا شيحة) قد هاجمت الفنان (تامر حسني) بعد أن طرح عبر قناته على اليوتيوب (كليب) يجمعه بها بعنوان "بحبك" من فيلم "مش أنا" المعروض حاليًا في دور العرض، وكانت قد اتفقت معه وديًّا -حسب قولها- على عدم نشر الكليب؛ لأن فيه مشاهد قبلات بينهما. وقالت (شيحة) في جزء من رسالتها: "ربما نكون نجحنا بمقاييس الدنيا، لكن صدقوني بمقياس الله نحن لم ولن ننجح بهذه الطريقة. أنا أعرف أن داخل زملائي في الوسط الفني خيرًا كبيرًا، لكن -للأسف- فتنة الشهرة والنجاح لا تجعلنا نرى ونقيس الأمور بشكل صحيح".
وتابعت: "أتكلم من قلبي، وهذا (الكليب) لا يُرضي الله، وأنا بكيت كثيرًا؛ لأني شاهدت نفسي في هذه المشاهد، لعلها كانت زلة نتيجة ظروف معينة مررت بها، وكلنا بشر؛ نخطئ ونصيب، لكن المشكلة أننا نغفل وننسى".
وأضافت: "لن أحرج من أحد؛ فقد تبت عن هذه المشاهد؛ لأنها لا تصح، وأنا أخطأت، وتبت، وأحاول إصلاح خطئي؛ لأن أهم شيء أن نرضي الله، فهذا هو ما سينفعنا في الآخرة، وليس الشهرة، ولا ما نتوهم أنه هو النجاح وهو غير ذلك؛ فالنجاح الحقيقي هو في رضا الله، لكن أغلبنا ينسى ذلك إلا من رحم ربي. ولو كان الفن سيبعدنا عن منهج الله، ولا يجعلنا قدوة صالحة لأبنائنا، فلا داعي له".
وقد رفضت نقابة المهن التمثيلية في مصر تصريحات (حلا شيحة)، ودخل على خط أزمتها فنانون وإعلاميون وسياسيون، بل عُزي إلى والدها رفضه تصريحاتها، وتصاعدت أزمتها عبر وسائل التواصل في مصر وخارجها، وانقسم الناس بين من يؤيدها ويدافع عنها وعن تصريحاتها، ومَن ينتقدها وينتقد كلامها بضراوة، ويصفها بالتقلب الفكري، والتذبذب النفسي والعاطفي!!
لا شك أن الفن الراقي والإبداع الحقيقي يعد أحد المؤشرات الثقافية المهمة التي تدل على مدى التطور الفكري في المجتمعات المتحضرة، ولا أحد يقول: إن الدراما خطب ومواعظ، أو محاضرات علمية، وليس مطلوبًا من الفنان أن يكون داعية ولا واعظًا ولا محاضرًا أكاديميًّا؛ لأن الفن ببساطة عبارة عن عملية إبداعية، وينبغي توفير الدعم الكامل للإبداع والمبدعين في أنواع الفنون كافة للارتقاء بالمستوى الفني والإبداعي والثقافي بوجه عام.
لكن بعيدًا عن الأشخاص، فعندما نتأمل ما يُقدَّم في المجال الفني، وخصوصًا الدراما، نجد هبوطًا في المستوى، بل بعض المسلسلات العربية تقدِّم مختلف أنواع السلوكيات المنحرفة والتصرفات الفاسدة التي تدعو إلى العنف وانتزاع الحقوق بالقوة والبطش والإرهاب وظلم الضعفاء.
ونظرة واحدة على التجسيد الدرامي الحالي لأوضاع الناس في الحارات الشعبية المنتشرة في مجتمعاتنا العربية تؤكد أن هناك تعمدًا بل إصرارًا على إخفاء كل القيم الإيجابية في هذه الحارات، مثل: المروءة والشهامة والنجدة، وخدمة الضعفاء، وبذل المعروف، ونشر الخير والفضائل بين الناس، وإبراز كل العيوب والنفسيات، وكأن الهدف هو تشويه البناء الاجتماعي في وجدان المشاهدين، والتركيز على السلبيات، مثل: العنف، والخيانات الزوجية، والعلاقات غير الشرعية، وانتشار الإدمان والشذوذ والمجون، وسيادة نموذج الشخص الأناني الذي يستحل كل شيء ولا يخاف الله، ولا يقيم للدين ولا للمجتمع وزنًا، وكل ما يريده هو إشباع غرائزه ونزعاته ونزواته.. فأي إبداع وأي فن وأية ثقافة في ذلك؟!!
لقد غابت القيم النبيلة في الدراما العربية؛ فلم يعد هناك مَن يحث على التعاون والتكافل، والصبر والتحمل، والتسامح والتراحم بين أبناء المجتمع.. لا يوجد سوى الأزمات المركَّبة، والأزمات النفسية المعقدة، والصراعات بين الجميع: الأزواج والزوجات، والأبناء والآباء، والجيران والأهل والأقارب.. وتتفنن الدراما في إبراز أنواع القبح الاجتماعي بكل إسفاف وابتذال، مع استخدام مفردات وتعابير هابطة، ومستوى فني رديء؛ فالكل يصرخ، والكل يخون، والكل يعاني، ولا أحد يحترم أحدًا، كأن المجتمعات العربية غابة متوحشة، لا تعرف الرحمة، وحياة الناس فيها كتلة من المعاناة، وإدمان المعاصي، وانتشار كل أنواع الفجور والمعاناة، فضلاً عن العري والمشاهد الساخنة بين الرجال والنساء، فضلاً عن العلاقات غير الشرعية، وكأن الهدف هو ضرب الأخلاق وقيم الأسرة العربية في مقتل.
في الحقيقة أزمة (حلا شيحة) ليست أزمة فردية، ولا تعكس حالة شخصية لإنسانة مذبذبة فكريًّا ومشتتة عاطفيًّا ووجدانيًّا، بل هي أزمة عامة.. وأعيد وأؤكد أهمية الفن الراقي الهادف الذي يسمو بالمشاعر، ويحث على التحلي بالقيم والأخلاق، ويغذي الروح، ويفتح لها آفاقًا واسعة من الاستمتاع الفكري الراقي.. لكن أين هذا الفن الآن؟!!غسان عسيلان