اشترك لتصلك أهم الأخبار
الكتاب الذى معنا اليوم هو مما يعتبر مذكرات للدكتور محمد حسين هيكل التى لم يقدم فيها مجد سيرته الذاتية وإنما ربطها مع مسيرة الوطن السياسية، لتكون شهادة توثق ما عرفه عن قرب أو شارك فيه من الوقائع والأحداث خلال العقود الأربعة من 1912-1952.
إن أثر الدكتور هيكل فى الحياة السياسية المصرية له أبعاد أعمق بكثير من مجرد توليه مناصب سياسية رفيعة قبل الثورة، فهو مفكر ليبرالى يؤمن بالحرية والديمقراطية ويحاول أن يرسخ هذه القيم فى المجالات المختلفة التى شارك فيها. وقد أودع الدكتور هيكل خلاصة تجربته السياسية فى الأجزاء الثلاثة من مذكراته التى تضمنت مشاركته فى صنع السياسة المصرية ومعالجة قضاياها، وأهمها قضيتا الاستقلال والدستور والمحافظة عليهما.
يقول الدكتور هيكل فى مقدمته الوافية للكتاب كأنما يبرر لنا لماذا أقدم على هذا الفعل وهو كتابة سيرته الذاتية أو كما يسميها مذكرات، ويبدأ فى هذه المقدمة فى تعديد فوائدها، حيث يراها مناسبة لرسم صورة الماضى لتراه أجيال الغد بصورة لا يشوبها أدنى ريب أو شك بعيداً عن التعتيم والتضليل فتكون نبراسا لشباب الغد فى بناء مستقبل وطنهم بصورة تجلى الفخر والعزاز لهم. فيقول: «لا يفيد أبناء الجيل الناشئ من هذه التجارب إلا إذا رسمت أمامهم الحوادث التى لم يشهدوها على نحو يسمح لهم بالإفادة من الخطأ لاتقائه ومن الصواب للاستزادة منه وليطوع لهم مجموع ما يطلعون عليه أن يتخذوا منه مادة يصورون على هداها سياسة للمستقبل تلائم طبيعة وطنهم وطبائع أهله، فأما إذا انقضت الحوادث وتعاقب الجيل بعد الجيل ولم يتناول التدوين ما حدث من شؤون الوطن فى جوانب حياته المختلفة تدوينه ينظمه ويبوبه بل بقى ذلك مبعثرا فى بطون الصحف التى عرضت هذه الحوادث إبان وقوعها، فقد يتعذر على شباب اليوم وأبناء الغد تصوير سياسة ثابتة وقد يبقى التقليد ويبقى الارتجال يطبعان اتجاهات الأجيال التى تأتى من بعدنا ولا شىء أضر من التقليد ومن الارتجال حين تبلغ الأمة مرحلة يجب معها وضع السياسة المستقرة الطويلة الأجل الملائمة لطبيعة الوطن وطبائع أهله».
والدكتور حسين هيكل يدرك جيدا أن مصر مرتبطة بمحيطها العربى والإسلامى وأنه لا انفصال لما يحدث فى مصر ومدى تأثيره على بقية دول المنطقة العربية والإسلامية، لذا فهو حين يعدد مناقب وفوائد هذه المذكرات يؤكد مجدداً على هذا الدور. ويقول: «مثل هذه المذكرات تتعدى فائدتها حدود مصر، وقامت فى البلاد العربية المختلفة منذ بضع عشرات من السنين نهضة تشابه نهضة مصر وهى لهذا تستفيد من تطور الأحوال عندنا ومن وقوفها على الصورة الدقيقة لهذا التطور وهى بعد ترقب ما يجرى فى مصر وتحتذى فى كثير من الأحيان مثاله، فمن الخير كذلك أن تكون أمامها صورة ما حدث فى مصر لهذا القرن العشرين لعلها تفيد من الوقوف عليها ما ينفعها وينفع مصر فى وقت واحد، بل إن الأمر ليتخطى حدود البلاد العربية إلى ما وراءها من البلاد الإسلامية ومن البلاد الشرقية فهذه كتلة ضخمة تتفاعل الحوادث التى تقع فى كل واحدة منها مع ما يقع فى سائرها وتؤثر فى سياسة العالم كله».
الكتاب يتألف من عشرة فصول تتضافر فيما بينها فى رسم صورة رائعة لمصر ما قبل يوليو بعيدا عن الضبابية والتعتيم التى غلبت على سير أخرى كثيرة تناولت هذه الفترة، فهو فى هذه المذكرات لا يروى سيرته كشخصية فذة فحسب، بل يروى كذلك مسيرة وطن.
والدكتور هيكل شاعرٌ وأديبٌ وسياسى مصرى كبير، ولد فى 20 أغسطس 1888م الموافق 12 ذو الحجة 1305 هـ فى قرية كفر غنام فى مدينة المنصورة، محافظة الدقهلية.
درس القانون فى مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة وتخرج فيها عام 1909. حصل على درجة الدكتوراه فى الحقوق من جامعة السوربون فى فرنسا سنة 1912، ولدى رجوعه إلى مصر عمل فى المحاماة 10 سنوات، كما عمل بالصحافة. اتصل بأحمد لطفى السيد وتأثر بأفكاره، والتزم بتوجيهاته، كما تأثر بالشيخ محمد عبده وقاسم أمين وغيرهم. كان عضوا فى لجنة الثلاثين التى وضعت دستور 1923، أول دستور صدر فى مصر المستقلة وفقا لتصريح 28 فبراير 1922. لما أنشأ حزب الأحرار الدستوريين جريدة أسبوعية باسم السياسة الأسبوعية عين هيكل فى رئاسة تحريرها سنة 1926. اختير وزيرا للمعارف فى الوزارة التى شكلها محمد محمود عام 1938م، ولكن تلك الحكومة استقالت بعد مدة، إلا أنه عاد وزيرا للمعارف للمرة الثانية سنة 1940م فى وزارة حسين سرى، وظل بها حتى عام 1942م، ثم عاد وتولى هذا المنصب مرة أخرى فى عام 1944م، وأضيفت إليه وزارة الشؤون الاجتماعية سنة 1945م.
اختير سنة 1941م نائبا لرئيس حزب الأحرار الدستوريين، ثم تولى رئاسة الحزب سنة 1943م، وظلَّ رئيسًا له حتى ألغيت الأحزاب بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952. تولى رئاسة مجلس الشيوخ سنة 1945م وظل يمارس رئاسة هذا المجلس التشريعى حتى يونيو 1950م، حيث أصدرت حكومة الوفد المراسيم الشهيرة التى أدت إلى إخراج هيكل وكثير من أعضاء المعارضة من المجلس نتيجة الاستجوابات التى قدمت فى المجلس وناقشت اتهامات وجهت لكريم ثابت، أحد مستشارى الملك فاروق.
تولى أيضاً تمثيل السعودية فى التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية عام 1945م، كما رأس وفد مصر فى الأمم المتحدة أكثر من مرة.
توفى هيكل يوم السبت 5 جمادى الأولى 1376 هـ الموافق 8 ديسمبر 1956م عن عمر يناهز 68 عامًا.