أخبار عاجلة

لماذا يصعب على النساء تولي مناصب قضائية في ؟

لماذا يصعب على النساء تولي مناصب قضائية في مصر؟ لماذا يصعب على النساء تولي مناصب قضائية في ؟
أحمد شوشة - بي بي سي - القاهرة - " وكالة أخبار المرأة "

أحيت الأنباء حول فتح مجلس الدولة في الباب لتعيين النساء في مناصبه القضائية المرموقة، حلماً قديماً عند مها.
أمسكت على الفور بهاتفها وراحت تبشّر زميلاتها من خريجات كلية الحقوق.
تقول لبي بي سي: "اتفقت مع عشرة من صديقاتي على أن نسافر على الفور من المنصورة في دلتا النيل إلى القاهرة للقيام بالإجراءات اللازمة".
كانت تشعر في ذلك الوقت من عام 2015، أنها قريبة للغاية من أن تعتلي منصة القضاء، فهي حاصلة على تقدير ممتاز من جامعتها وترى أنها تستوفي كافة الشروط.
تحكي مها عن عشرات الشابات اللواتي أتين من شتى أنحاء البلاد إلى القاهرة، وكيف عكست أشعة الشمس بريقًا في أعينهن، عندما كن يتقدمن إلى بوابة مجلس الدولة الشهيرة، والتي تظهر غالباً في المسلسلات المصرية ونشرات الأخبار.
أخذ الموظفون المعنيون صوراً من الشهادات الجامعية وبطاقات الهوية وأخبروا المتقدمات أن استكمال الإجراءات للنساء سيتمّ في يوم لاحق، مع تأكيدهم أن "المرأة ستدخل مجلس الدولة هذا العام (2015)".
فوجئت المتقدمات لاحقاً أن اليوم المقرر كان خارج الفترة التي حددتها الجهات المعنية في مجلس الدولة للتقدم بطلبات التوظيف رسمياً.
كان ذلك قبل أكثر من خمس سنوات. قررت مها أن ترفع دعوى قضائية، لاعتقادها أن هناك من تعمّد إعلان توظيف النساء للتخفيف من الضغط والمطالب الجماهيرية حول تمكين المرأة، من دون أن يكون جاداً في التنفيذ.
رُفضت الدعوى القضائية التي قدمتها مها. عملت لفترة بعد ذلك محامية قبل أن تتوقف عن مزاولة المهنة تماماً.
مها واحدة من آلاف النساء في مصر، اللواتي حلمن، بدون جدوى، أن يعتلين يوماً ما منصة القضاء.
"الرقم القومي غير صالح للتسجيل"
استجابت أحزاب وشخصيات عامة لدعوة منظمة حقوقية مصرية للتوقيع على وثيقة إلكترونية أطلقت قبل أكثر من شهر، تطالب بـ"تفعيل الدستور بشكل كامل لتولي النساء المناصب القضائية من دون تمييز ضدهن".
يقول شريف جمال، مدير البرامج السياسية في مؤسسة قضايا المرأة المصرية، التي دعت للتوقيع على الوثيقة، إن التسجيل الإلكتروني للتقدم إلى الوظائف القضائية في مجلس الدولة لا يقبل استكمال الإجراءات عندما يتبين من رقم الهوية الوطنية أن المتقدمة للوظيفة امرأة، على حد قوله.
ويتساءل جمال في حديثه: "كيف يمكن لخريجات في كليات الحقوق أصبحن متميزات في عملهن وبعضهن بات يُدرِّس القانون في الجامعات ألا يتمكن من التقدم إلى الوظائف القضائية من الأساس؟".
في اليوم العالمي للمرأة في 8 مارس/ آذار الماضي، طلب الرئيس المصري، عبد الفتاح ، من وزير العدل عمر مروان، بالتنسيق مع المجلس الأعلى للقضاء ومجلس الدولة، الاستعانة بالمرأة فيهما "تفعيلًا كاملًا للاستحقاق الدستوري بالمساواة وعدم التمييز".
بعدها بأيام أعلن مجلس الدولة عن تعيين أعضاء من السيدات، لكن نقلًا من هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، من دون فتح الباب لمزيد من النساء للتقدّم.
ومجلس الدولة هو جهة قضائية مصرية تختص بالفصل في المنازعات الإدارية التي تحدث بين الأفراد والجهات الحكومية في الدولة، والإفتاء في المسائل القانونية التي يحددها القانون، وصياغة مشاريع القوانين، ومراجعة العقود التي تكون الدولة أو إحدى هيئاتها العامة طرفًا فيها.
بينما هيئة قضايا الدولة تختص بتمثيل النيابة المدنية القانونية عن الدولة بسلطاتها قاطبة أمام القضاء، في الداخل والخارج.
يقول شريف جمال أن المؤسسة تطمح لجمع أكبر عدد ممكن من التواقيع وثيقة أحقية المرأة في المناصب القضائية لإرسالها إلى رئيس الجمهورية، للمطالبة باستجابة غير منقوصة وفتح الباب لتوظيف نساء جديدات.
وستقاضي أمنية جادالله، مؤسسة مبادرة "المنصة حقها" مجلس الدولة لأنه لم يفتح الباب للمزيد من النساء، ولأن شروط التعيين "أكثر تشدداً من تلك التي تطلب في العادة لتعيين الذكور".
الشروط التي أعلنها مجلس الدولة قبل نحو شهرين تضمنت حصول المتقدمات في الشهادة الجامعية على درجة جيد جدًا على الأقل، وحصولهن على دبلومين في الدراسات العليا، وأن تكون المتقدمة تشغل منصب وكيل النيابة الإدارية من الفئة الممتازة أو نائب بهيئة قضايا الدولة.
وكانت أمنية قد تقدمت بطلب عام 2014 للالتحاق بالسلك القضائي، ورُفض طلبها، كما رفضت الدعوى القضائية التي رفعتها في الشأن نفسه.
جاء في قرار المحكمة بالرفض، والذي حصلت بي بي سي على صورة منه: "إن لعوامل البيئة وأحكام التقاليد وطبيعة الوظيفة ومسؤولياتها شأن كبير في توجيه السلطة الإدارية الوجهة التي تراها محققة للمصلحة العامة، ومتفقة مع حسن انتظام المرفق العام، وليس في ضوء هذه الاعتبارات إخلالاً بمبدأ المساواة المقرر دستورياً".
توضح أمنية أن الحديث في الأمر صعب لأنها تحاول الجمع بين نشر قضية تولي المرأة المناصب القضائية وفي الوقت نفسه تحاول الحفاظ على مبادئ القانون المصري في "عدم التعقيب على أحكام القضاء والتدخل في شؤون الهيئات المستقلة".
تعمل أمنية حالياً كمدرسة مساعدة في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، وحصلت على العديد من الجوائز عن عملها في مجال القانون.
"الأعراف تغيرت"
فور الإعلان عن فتح المجال لترشيح النساء للمرة الأولى، لوظائف في مجلس الدولة، أعرب المجلس القومي للمرأة، وهو جهة حكومية تعنى بشؤون النساء في مصر، عن "فخره بهذا القرار المهم في يوم المرأة المصرية".
يقول المستشار إبراهيم الهنيدي، رئيس اللجنة التشريعية والدستورية في مجلس النواب المصري، إن تنامي المجتمع ووجود ثقافات مختلفة جديدة تؤثر على تكوين الرأي العام أدى إلى تغير المفاهيم، ما جعل الأعراف والتقاليد تتطور أيضاً، بعدما كان الكثير من الناس لا يستسيغون اعتلاء المرأة منصة القضاء، على حد وصفه.
ويضيف الهنيدي الذي عمل سابقاً وزيراً للعدالة الانتقالية، في حديث مع بي بي سي أن الأحكام القضائية برفض دعاوى قضائية تولي المرأة مناصب قضائية، قد لا تتكرر، لأن الأعراف والتقديرات التي بنيت عليها هذه الأحكام تغيرت مع تطور المجتمع، مشدداً على أن ما حدث كان نتيجة لأفكار المجتمع وليس بسبب الجهات القضائية.
وعن قصر التعيين في مجلس الدولة على السيدات من جهات قضائية أخرى، يوضح القاضي المصري السابق أن ذلك حدث الآن بهدف الإسراع في تعيين السيدات المؤهلات لدعم التجربة الجديدة، ويشبهه الهنيدي بالفرق بين "زراعة شجرة صغيرة تُعرف بالشتلة وانتظار نمو بذرة جديدة تماماً"، متوقعاً فتح الباب للسيدات من خارج الجهات القضائية في الفترة المقبلة.
ويؤكد الهنيدي أن الشروط المطلوبة لتعيين السيدات في مجلس الدولة، وإن رآها البعض صعبة، هي شروط موضوعية تتحدد على أساس متطلبات الوظيفة وغير مقصود بها التمييز ضد المرأة.
66 قاضية في مصر
في الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة التي أعدها المجلس القومي للمرأة قبل أربع سنوات، كانت نسبة تمثيل المرأة في الهيئات القضائية نصف في المئة.
لكن تبقى هناك جهتان قضائيتان في مصر هما مجلس الدولة والنيابة العامة من دون تمثيل نسائي.
وتستهدف الاستراتيجية أن تزيد نسبة تمثيل المرأة في القضاء لتصبح 25 بالمئة بحلول عام 2030.
لكن النسبة تناقصت في أربع سنوات لتصبح 0.03 بالمئة من بين 22 ألف قاضٍ، نتيجة لتعيين المزيد من القضاة الذكور دون الإناث.
بدأت قضية المرأة في القضاء المصري عام 1949، حين تقدمت عائشة راتب، سفيرة ووزيرة وأستاذة قانون دولي بجامعة القاهرة فيما بعد، بطلب للعمل في مجلس الدولة، ورفض طلبها لكونها أنثى.
خسرت راتب أيضاً الدعوى القضائية للطعن على قرار رفضها بسبب "تعارض وجود السيدات في مجلس الدولة مع تقاليد المجتمع".
وعينت أول قاضية مصرية عام 2003، حين أصبحت تهاني الجبالي نائبة رئيس المحكمة الدستورية، وهي أعلى جهة قضائية في مصر.
أثار ذلك التعيين حينها جدلًا في الأوساط الدينية والقضائية ذاتها، بشأن دخول المرأة مناصب القضاء.
ثم عينت نحو 30 امرأة في مناصب قضائية بعدها بأربع سنوات، وتلاها عدد آخر ليتوقف الرقم عند 66 قاضية مصرية منذ سنوات.
وسبق أن أفتت مؤسسة الأزهر عام 2002 بأنه "لا يوجد نص صريح قاطع من القرآن أو الأحاديث النبوية يمنع المرأة من تولي وظيفة القضاء".
كما جدد شيخ الأزهر أحمد الطيب أخيراً التأكيد على أحقية المرأة في المناصب القضائية وغيرها قبل أيام، ليفتح النقاش مرةً أخرى.
لكن تظل هناك فتاوى أخرى غير رسمية تحرم "ولاية المرأة للقضاء"، كما أن العادات الاجتماعية في مصر لا تزال في مجملها متأثرة بها.

وكالة أخبار المرأة