كتب : عبدالوهاب عليوة وعبدالفتاح فرج وأحمد منعم الإثنين 26-08-2013 10:34
10 دقائق فقط، هى المدة التى يقطعها زائر مدينة كرداسة من أمام جامعة القاهرة بالجيزة، حتى يصل إلى قلب المدينة حيث يوجد قسم الشرطة المحترق، الذى تعرض لعملية اقتحام انتهت بمقتل ضباطه والتمثيل بجثثهم.
محلات ومطاعم وقهاوى لا تلتزم بحظر التجول وتعمل حتى منتصف الليل
دخول المدينة نهاراً ليس صعباً، رغم إغلاق نهر الطرق بالتراب وجذوع النخيل وترك مساحة صغيرة لمرور السيارات. لا يوجد أفراد من اللجان الشعبية أو الجماعات الإسلامية فى مداخل كرداسة ناحية محور صفط اللبن، بجوار ترعة المريوطية أو عند مدخلها ناحية شارعى فيصل والمنصورية. سيارات الميكروباص تنقل الركاب من وإلى المدينة بشكل طبيعى من أماكنها المعتادة. أجرة الركوب كما هى لم ترتفع. محلات وسط المدينة تفتح أبوابها، بينما ينادى سائقو سيارات الأجرة على زبائنهم المتوجهين إلى جامعة القاهرة والهرم وناهيا.
يسخر أهالى كرداسة من الأخبار التى تتناقلها وسائل الإعلام عن انفصال المركز عن مصر وتكوين جمهورية مستقلة يسيطر عليها تنظيم الإخوان مع أعضاء الجماعة الإسلامية، رافضين اتهامهم بالإرهاب أو العنف، مطالبين الحكومة وأجهزة الإعلام بتحرى الدقة وعدم توجيه الاتهامات إلى كل السكان، لأن ذلك يعرضهم إلى المهانة والإقصاء خارج حدود مدينتهم، مؤكدين أن كرداسة يوجد بها عدد كبير من الأهالى المناهضين للإخوان، وأنهم ضد قتل مأمور القسم وأفراد القسم، وأنها بلد سياحى لها صيتها فى كل أنحاء الوطن العربى.
فى شارع سعد زغلول، أحد أكبر شوارع القرية، كان يجلس عبدالعزيز محمد عبدالعزيز (موظف) يشكو من وصف كرداسة ببلد الإرهاب ويحلم بتصحيح صورة البلد فى وسائل الإعلام ويلح فى ذلك قائلاً: «انتم شفتوا إرهابيين قدامكم دلوقتى، لفوا فى البلد، مفيش حد هيعترضكم وياريت تنقلوا الحقيقة كاملة مش تعملوا زى باقى وسائل الإعلام اللى خلت الناس تخاف تنزل كرداسة وصوروها على أنها معقل الإرهابيين». ويضيف قائلاً: «كرداسة مدينة عادية يعتمد اقتصادها على الصناعة اليدوية والتجارة وهى فى الأساس منطقة سياحية مشهورة على مستوى العالم العربى، لكنها تأثرت بالأحداث منذ ثورة يناير، حدود كرداسة تمتد لما بين ترعتى المريوطية والمنصورية، والإعلام خلّى الناس تقول على كرداسة إنها بلد الإرهابيين وأى حد من الأهالى بيطلع فى الإعلام بيقول غير كده، بيقطعوا عليه زى قناة الجزيرة لما تلاقى حد بيتكلم ضد الإخوان بتقطع عليه، أنا بنزل من بيتى فى أى وقت ولا أخاف على عيالى لأنهم فى وسط أهاليهم».
ويوضح «عبدالعزيز»: «كرداسة مدينة لا يحكمها أحد من الإرهابيين فكل الخدمات الحكومية بها تعمل بشكل طبيعى ولم يستطِع البلطجية أو الإرهابيون كما يطلق عليهم الإعلام غلق الطرق والشوارع أمام أهالى المركز أو الغرباء، إحنا أصلا أرياف وقرى وعائلات، وكل الناس عارفة بعض رغم تعداد السكان الكبير الذى يزيد على 300 ألف نسمة».
وعن انتماءات معظم أهالى كرداسة، يقول: «المدينة بها كافة الأطياف السياسية ولا توجد أغلبية إسلامية كما يتردد، لكن القرى المجاورة لها والتابعة لمركز كرداسة مثل ناهيا وأبورواش وبنى مجدول وكونبرة والبراجيل والمنصورية بها الكثير من التيارات الإسلامية التى ينظم أعضاؤها مسيراتهم فيها، ولو أى حاجة حصلت فى أى بلد من دول يقول لك كرداسة فيها كذا وكذا، رغم إن البلد ملهاش ذنب».
ويقول حسين الجابرى (مدرس) إن «الأهالى مستاءون من الصورة الذهنية التى خلفتها القنوات الفضائية، وصورت كل سكان كرداسة على أنهم مجموعة من الإرهابيين، ومبقاش فيه حاجة فى الإعلام إلا كرداسة، كل يوم لازم يتكلموا عنها ويحسسونا إننا فى أفغانستان، كرداسة بلد سياحى وعريقة لا تنتمى إلى تيار سياسى بعينه وبها كل الأطياف السياسية».
وأوضح «الجابرى» أن المدينة لا تعانى من مشكلة اقتصادية، فسعر أرض البناء يتراوح ما بين 3 آلاف إلى 4 آلاف جنيه للمتر الواحد، أما اللجان الشعبية فمعظم أعضائها من أهالى كرداسة ومهمتها حماية المدينة من البلطجية والخارجين على القانون. ونفى قيام العناصر المشبوهة بالوجود فى شوارع المدينة ليلاً أو فى أى وقت من النهار كما روجت بعض وسائل الإعلام، وقال: «مش معقول إن الأهالى هيسمحوا لتجار المخدرات والبلطجية يعملوا كده». واتهم «الجابرى» البلطجية والمنتفعين باقتحام قسم شرطة كرداسة وإضرام النار به وقتل ضباط وأفراد الشرطة.
قرب قسم شرطة كرداسة المحترق كان يجلس محمد مرسى، أمام محل ملابس يمتلكه، تحدث بهدوء قائلاً: «لما القسم ولع زعلت أوى وحسيت إن فيه كيان انهار، رغم التجاوزات، لأن القسم كان بيخلى فيه نظام فى البلد، فيه ناس كتير من مصلحتها إن الشرطة تغيب».
يعتدل فى جلسته ويضيف: «لما القسم اتحرق فى ثورة 25 يناير، نادى إمام مسجد عيسى المجاور للقسم فى الميكروفون، وقال: القسم بيتعرض للسلب والنهب عاوزين نحميه، واستجاب الأهالى وقاموا بعمل لجان شعبية حول القسم، ومنعوا البلطجية والسارقين من الاقتراب منه، ونقلوا الأحراز وبعض الأسلحة إلى المسجد قبل تسليمها للشرطة».
وبصوت حزين يتابع محمد مرسى كلامه قائلاً: «ضباط وأفراد الشرطة اللى استشهدوا كانوا أصدقاء وحبايبنا، وفيه مودة بيننا وبينهم، واللى حصل لهم ما يرضيش ربنا، العساكر والمأمور كانوا بيصلوا معانا فى جامع عيسى اللى جنب المركز، فى الأحداث الأخيرة شفنا ناس غريبة عن البلد وشفت كل الاشتباكات اللى حصلت قدام القسم بعد 30 يونيو، وكان ضباط الشرطة بيتعاملوا بضبط النفس واستخدموا فى البداية قنابل الغاز المسيلة للدموع لتفريق أعضاء الإخوان الذين جاءوا من قرى عديدة مجاورة، المحل بتاعى وبتاع جارى واخد أكتر من 5 طلقات رصاص وقت الاشتباكات».
ويستطرد «مرسى»: «العمارة اللى فيها المحل بتاعى واخدة لوحدها 5 رصاصات وقام صاحب محل أحذية مجاور لى بتغيير زجاج المحل بتكلفة 2000 جنيه». خلال جولتنا فى القرية نصحنا أحد شباب القرية بعدم السير بمفردنا أو التحدث لأحد فى منطقة الحصواية والروضة والرشاح والسوق القديم، أو «تحت البلد»، لأنه يوجد بها كثير من المتعصبين والمنتمين إلى تنظيم الإخوان والجماعات الإسلامية والجهاديين.
السير فى المنطقة الشرقية قرب القسم والشارع السياحى أكثر أمناً من أى منطقة أخرى، لأنها منفتحة على التجار والزبائن من كافة محافظات الجمهورية كما أن كرداسة خليط بين الريف والحضر، فعلى الرغم من انتشار المحال التجارية والمطاعم والكافيتريات والسيارات الفارهة بشوارع المدينة المتسعة فإنها تسير جنباً إلى جنب مع عربات الكارو ومواشى الفلاحين الذين يعيدونها إلى منازلهم ليلاً.
أخبار متعلقة :
تجار الشارع السياحى: بنينا اسم كرداسة فى سنوات.. فضيّعه الإرهابيون فى نصف ساعة
الأهالى: لسنا إرهابيين.. و«إخوان» القرى المجاورة شوهوا صورتنا
باحث إسلامى من أبناء «كرداسة»: المدينة نموذج لـ«رابعة».. والقيادات هربت وتركت الغلابة
وقت «الحظر».. هدوء وترقب عند المداخل وحركة فى قلب المدينة والمحلات تغلق قبل المغرب
الجماعات المتطرفة والبلطجية يفرضون سيطرتهم بـ«قوة السلاح»
وكر آمن للجماعات الإسلامية.. بلطجية ومسلحون بالشوارع ليلاً.. والأهالى مختبئون فى منازلهم