كتب : محمد حسن عامر الخميس 22-08-2013 08:09
«أوباما تعامل مع المطالب فى مصر وكأنها مطالب شوارع شيكاغو التى أتى منها.. ولم يضع فى اعتباره مصالح مصر التى إن سقطت فإن الدور سيكون قادماً بلا محالة على المملكة»، بهذه الكلمات عبر أحمد آل إبراهيم»، الخبير السعودى المختص فى العلاقات السعودية الأمريكية، عن توصيفه لموقف المملكة العربية السعودية من الأحداث فى مصر والضغوطات التى مارستها الإدارة الأمريكية عقب فض اعتصامى الإخوان فى رابعة العدوية والنهضة، والذى حاورته «الوطن» فى محاولة للتعرف على دوافع الموقف السعودى وتأثيره على العلاقات الأمريكية والمنطقة.
وقال «آل إبراهيم»، إن «المملكة والفريق أول عبدالفتاح السيسى أدركا أن استماتة الولايات المتحدة فى الدفاع عن الإخوان تؤكد أن الإخوان قدموا وعوداً خيالية للأمريكان ضد مصالح المنطقة وهنا وجب مواجهة هذه المؤامرة»، وأكد «آل إبراهيم» أن إدارة أوباما أثبتت فشلها وأنها غير جديرة بثقة المملكة بعد ظهور ملامح لتقسيم مصر، والمملكة لن تقبل بهذا وأنها ستقدم دعماً كبيراً لمصر حتى إن أرادت دعماً عسكرياً أيضاً»، واعتبر «آل إبراهيم» أن موقف المملكة مع وجود رجل حكيم مثل «السيسى» فى مصر هو بداية لتضامن سياسى عربى كبير.
موقف السعودية من أمريكا جاء متأخراً بعد أن ثبت لديها أن الأمريكان غير جديرين بالثقة ولا يضعون مصالحها فى اعتبارهم
* فى البداية.. كيف ترى الموقف السعودى والدعم الذى قدمته إلى مصر فى أزمتها الحالية؟
- أولاً إن موقف المملكة العربية السعودية ليس جديداً عليها وهو تأكيد للعلاقات الطبيعية التاريخية مع الشعب المصرى، الآن يجب أن نعلم أنه لا يوجد قوة عربية فى المنطقة بعد مصر، والمملكة السعودية لن تقبل أبداً بتقسيم مصر؛ لأنه إذا ما حدث هذا، فإن المملكة هى التى سيكون عليها الدور، من ناحية أخرى اتضح للمملكة أن إدارة «أوباما» لا تفهم جيداً منطقة الخليج وحقائقها ومصالحها عدا أمن إسرائيل وهى الآن تقف وجهاً لوجه مع إدارة أوباما والذى ظهر جلياً مدى ضعفه فى التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، وكأن المملكة تقول لهم: «أنتم لا تفهمون المنطقة ولا تعرفونها، فدعونا نحن نفعل ما هو صالح لها».
أيضا المملكة تأكد لها أن الإدارة الأمريكية لديها ازدواجية واضحة خاصة تجاه الانتخابات التى أتت بحركة حماس فى 2006 إلا أنها رفضت نتائجها وقالت إن حماس منظمة إرهابية، بينما الوضع كان مختلفاً فى الحالة المصرية. وبالتالى فإن المملكة تعتبر تقسيم مصر وإسقاطها أمراً مرفوضاً جداً وستبذل كل ما لديها لوحدة مصر.
* ألم تخشَ السعودية من موقفها هذا أن تدخل فى مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية؟
- فى الحقيقة أن المملكة العربية جاملت أكثر من مرة الولايات المتحدة خاصة فى سياسات الأخيرة تجاه المنطقة والخليج، والمملكة بعثت بأكثر من مبعوث إلى الإدارة الأمريكية أبرزهم «الأمير متعب بن عبدالله» كى يفهمهم الوضع فى المنطقة وخاصة فى الأزمة السورية وفى كل مرة الأمريكان يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر، الآن نحن عندنا تحديات كثيرة فى المنطقة وإذا جاملنا الولايات المتحدة أكثر من هذا فإن الدور القادم سيكون على المملكة والمؤامرة ستلحق بنا.
* هل كانت هناك اتصالات أخرى غير معلنة بين السعودية والولايات المتحدة حول الموقف فى مصر؟
- الحقيقة أن الملك «عبدالله» تحدث فى أكثر من مناسبة إلى الرئيس الأمريكى «أوباما» وقال له: «يا سيادة الرئيس إذا كانت المليار ونصف مليار دولار التى تقدمونها مساعدات لمصر عبئاً عليكم، وتحرجكم أمام شعبكم، فارفعوا يدكم عن مصر ونحن مستعدون لدفع أضعافها، ولكن اعملوا لصالح مصر»، أيضاً «أوباما» اتصل آخر مرة بالملك، عقب 30 يونيو، وطلب منه عدم إعطاء المساعدات لمصر أو على الأقل تأخير تسليمها الآن، إلا أن الملك «عبدالله» رد عليه وقال: «عفواً يا سعادة الرئيس، نحن التزمنا مع الإخوة فى مصر ولن نوقف المساعدات»، وهذا يعنى وجود تغيير فى السياسة وفى طريقة الكلام والوقوف وجهاً لوجه مع الأمريكان ولا بد أن يفهموا هذا والمملكة ستغير أموراً كثيرة فى الفترة المقبلة.
* فى رأيك.. ما حدود الدعم السعودى المخطط له لمصر؟
- الحقيقة أن هذا الدعم سيكون بلا حدود ومرتبطاً بكل ما من شأنه تعافى مصر سيظل مستمراً إلى أن تتعافى مصر وهو مشروط بهذا، وسيكون دعماً مادياً مالياً، وسياسياً من خلال التحركات السعودية مع أوروبا وفرنسا وأمريكا تحديداً، وأعتقد أن المملكة توجهت إلى فرنسا لأن الساسة الكبار فى المملكة وصلوا إلى طريق مسدود مع الولايات المتحدة فى هذه الناحية وشعورهم بأن إدارة أوباما فاشلة لا تدرك مصالح المنطقة، وأؤكد أن الدعم سيكون مادياً وإن لزم الأمر، ومصر غنية عن ذلك، لكننا مستعدون أن يكون هناك أيضاً دعم عسكرى بما فى ذلك تقديم دعم إلى سيناء لأن المغرضين فى مصر سيسببون مشاكل كبيرة فيها لخدمة أهدافهم وإثارة أطماع إسرائيل والمملكة بالتأكيد لا ولن تقبل هذا.
* وما مدى التشابه بين موقف المملكة من مساندة مصر الآن ومساندتها لها فى حرب أكتوبر 1973؟
- لا أستطيع أن أقول إنهما على نفس القوة، فلكل موقف حالته ولكن هذه المرة المملكة جابهت معظم القوى الغربية وجميع حلفائها لتبرز لهم أن الديمقراطية التى يصنعونها الهدف منها الهيمنة على مصر وليس الديمقراطية فى حد ذاتها ؛ ولذلك فالمملكة ترسل مبعوثيها إلى كل الدول، وسوف تقف فى وجه أى أحد يريد الهيمنة على مصر، إذا كنا فى الفترة السابقة كان يقال بوجود شرخ فى العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة؛ فإن هذا الشرخ الآن بدا واضحاً، والمملكة تريد أن تقول أيضاً للأمريكان والأوروبيين أنتم لا تفهمون حقائق المنطقة والدول العربية هى الأجدر على حل مشاكلهم الداخلية وأمورهم خاصة إذا ما كانت مصر على قائمة هذه الدول العربية.
الإخوان قدموا تعهدات خيالية للأمريكان لذلك هم يستميتون فى الدفاع عنهم.. وكان لا بد من قطع هذه المؤامرة
* هل نحن على أعتاب مرحلة تضامن عربى جديدة بعد التضامن السعودى المصرى؟
- يمكن أن تكون الإجابة نعم ولا؛ إذا نظرنا إلى موقف الملك «عبدالله»، والدور السعودى المتمسك بما هو فى صالح مصر فى مواجهة الغرب، وفى ظل وجود رجل لدينا مثل الفريق أول «عبدالفتاح السيسى»، وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة المصرية، الذى يتحدث العالم كله عنه ووصفوه بالجنرال الصامت؛ فإنه من الممكن أن نكون بصدد بداية لتضامن سياسى نحو مشروع عربى كبير، ولكن هناك دول أخرى عربية لها حساباتها، فهناك جبهة إيرانية فى العراق وجبهة أخرى فى سوريا ودول أخرى لها حساباتها وأجنداتها المختلفة ما يعنى أننا سيكون لدينا المزيد من الصعوبات لكن تعافى مصر ووجود «السيسى» يمكن أن يساعد على وجود التضامن العربى.
* هل تعتقد أن الموقف السعودى بالتوازى مع الأحداث فى مصر وضع الإدارة الأمريكية فى مأزق؟
- علينا أن نعى هنا أن الولايات المتحدة تعانى انقساماً واضحاً حول السياسات الخارجية لإدارة أوباما؛ لأنه اتضح أنه خلق أعداء كثيرين بالنسبة للولايات المتحدة أكثر من الأصدقاء، هناك سياستان فى دولة واحدة، وأوباما بالفعل دخل فى مجابهة مع الجمهوريين بسبب سياساته هذه، تزداد الأزمة هنا إذا ما تحولت السعودية على الأقل من دولة حليف إلى دولة محايدة، والأحداث فى مصر وعدم تقدير الأمريكان لمصالح دول الخليج والدول العربية والأضرار التى قد تلحق بهم وخاصة بعد أن وضع «أوباما» كل رهانه على الإخوان ومصر هى دولة عربية أكبر من الإخوان؛ فإن السعودية أصبحت الآن ليست المملكة التى عرفوها من قبل بعد أن أثبت الأمريكان انهم ليسوا محلاً للثقة وللاعتماد عليهم؛ لأنهم إذا ما كانوا يريدون مصالحهم، فإن عليهم أن يأخذوا أيضاً مصالحنا فى اعتبارهم وأن لدينا قراراتنا التى تخصنا.
* فى رأيك ما الحقائق الجديدة التى لم يدركها «أوباما» فى الشرق الأوسط؟
- من الواضح جداً أنهم يرون الربيع العربى فرصة لنشر الديمقراطية الغربية لكنها فى الحقيقة هى وسيلة لفرض الهيمنة الأمريكية على المنطقة والخليج وهى ديمقراطية لا تتماشى مع تاريخنا وعاداتنا ولا تتواءم مع طبيعتنا، ونحن لنا خصائصنا التى يجب احترامها، ثانية الحقائق هى الاتفاقات حول سوريا فى أكثر من مرة تم الاتفاق على دعم المعارضة بالسلاح إلا أن الولايات المتحدة لا تلتزم بهذا وتطالب المملكة بأن تدعم بالسلاح وهى تدعم بالمساعدات الطبية وبالتالى باتت كلمتهم بالنسبة لنا غير ثابتة، وتفاعلهم مع كل دولة على حدة مختلف، أيضاً بدا للمملكة أن «أوباما» يتعامل مع المطالب فى القاهرة كأنها مطالب شوارع شيكاغو، التى أتى منها، ولم يفهم هو حقيقة مصر وانها أكبر بكثير من هذه الطريقة القاصرة فى التفكير.
المملكة ستقدم دعماً كبيراً إلى مصر سياسياً ومالياً وعسكرياً والأخير من أجل سيناء لقطع الطريق أمام المغرضين ولحين تعافى مصر
أيضا لا بد أن يعرف الأمريكان أن ديمقراطيتهم التى يطالبون بها فشلت فى العراق وأتت بـ«نورى المالكى»، رئيس الوزراء العراقى، الذى هو لا يقل استبدادية عن صدام حسين، الرئيس العراقى الراحل، وكما قلت فإن الولايات المتحدة لديها ازدواجية واضحة، أثبتت أنها تتحرك فقط فى إطار المصالح الإسرائيلية وهنا كان على المملكة أن تقول «نحن نعمل ما فى صالحنا وفق ما نحدده نحن»، والحقيقة أن خطاب الفريق «السيسى» يأتى فى هذا السياق أيضاً كأنه يقول ما تقوله المملكة «يا أوباما ارفع يدك أنت عن مصر نحن نعرف مصلحة بلدنا ونعرف جيداً كيف نفعله».
* هل الولايات المتحدة تستهدف تغيير قيادات المنطقة العربية بما فيها السعودية من خلال تنظيم الإخوان؟
- أنا أعتقد أن الأمر أكبر وأبعد من هذا، أبعد من مجرد تغيير القيادات فى المنطقة العربية، لأن استماتة أمريكا وحلفائها للدفاع عن الإخوان يدل على أنه هناك صفقة كبيرة للغاية وخيالية ووعود وتعهدات قدمها الإخوان لأمريكا وإسرائيل، أنا أتساءل: «أوباما» بات شغله الشاغل مصر والإخوان فقط، وكأنه لا توجد إيران ولا ملف نووى ولا انتهاكات عرب الأهواز فى إيران ولا كوريا الشمالية ولا إرهاب ولا غيرها من القضايا التى كانت هى الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية، قد يكون له علاقة بتفاهمات إيرانية أمريكية يكون الإخوان ضلع فيها، حقيقة لا نعلم ما هذا الشىء الكبير الذى وعد به الإخوان، عدم قدرتنا على توقع هذا دعا المملكة لاتخاذ هذا الموقف من أمريكا ومن جبهتها «قطر وتركيا» بضرورة ترك مصر إلى حالها ونحن سنقوم بمهمتنا معها إلى أن تتعافى.
* هل من الممكن أن تكون العلاقات السعودية - الروسية محوراً لمواجهة الضغوطات الأمريكية على مصر؟
- الحقيقة أن العلاقات بين المملكة وروسيا غريبة إلى حد ما؛ فتجدهم مختلفين حول الأزمة فى سوريا، لكن بينهم التقاء حول مصر، والواضح أن المملكة تريد إعادة صياغة علاقاتها لتكون أكثر توازناً خاصة أن روسيا أثبتت أنها الأكثر تأثيراً فى الأزمة السورية من الولايات المتحدة وحين تكون العلاقة بين روسيا والمملكة هامة بالنسبة لتعافى مصر فإن المملكة ستتمسك بها، لأن مصر أكثر أهمية لديها من الأزمة السورية.