لا شك أن مبادرة د. محمد البرادعى، الذى شغل منصب نائب رئيس الجمهورية بعد ثورة 30 يونيو، التى أيدها وساعد فى إخراج مشهد نقل السلطة بعد إسقاط الشعب لمرسى، بالاستقالة من منصبه بعد عشر ساعات من بداية فض البؤر الإرهابية صباح الأربعاء 14 أغسطس 2013 - كانت مخاطرة كبيرة فى لحظة فارقة بين إعلاء مصلحة الوطن العليا وبين المصلحة الذاتية للبرادعى وقد انحاز د. البرادعى إلى تفضيل مصلحته الذاتية على مصلحة الوطن ولايزال يتصور على ما يبدو ورغم بلوغه السبعين عاماً أن مستقبلاً دوليا فى انتظاره!! وأن مرضاة أمريكا والبيت الأبيض هى خير ضمان لبلوغ هذا، ولو كان على حساب الوطن بكل أسف.
فكيف بالله أتصور أن جنديا على خط النار والمواجهة قد انسحب من مواجهة الأعداء عندما بدأوا فى الهجوم، مفضلاً أن يلوذ بحياته على الدفاع عن الوطن والاستشهاد من أجله فماذا يكون عقابه؟! هل يعرف أحد أن التقاليد العسكرية فى كل جيوش العالم هى ضربه بالرصاص فوراً من أى جندى زميله أو من قائده؟ بينما فى الحياة السياسية نجد العجب العجاب. حيث نرى من يتجاوز ويسىء للوطن، ويتلقى التمويلات الخارجية، ويحمل على عاتقه أجندات الممول الأجنبى، ويتباهى هؤلاء بهذه التمويلات، ويدافعون عن مواقفهم المشبوهة ويصرون على رفض أى قيود على التمويل الخارجى فى الجمعيات والأحزاب والانتخابات!! - إن الدول الديمقراطية تعتبر كل من يتلقى تمويلاً خارجياً فى الانتخابات والعمليات السياسية بمختلف درجاتها عميلاً أجنبياً «foreign agent» لأنه يبيع الوطن، ويسمح للخارج بالتأثير. فى مجريات شؤون الوطن، وبالمثل عندما يتوافق موقف رجل السياسة مع موقف دولة أجنبية له علاقة وثيقة بها، بل عندما يأتى موقفه بعد إعلان هذه الدولة موقفها، ألا تظل الشبهة السياسية قائمة؟!
وعندما تتكرر هذه العملية، ويتلازم وقوع ذلك ألا يؤكد ذلك وجود تنسيق وفقاً لقواعد التفكير المنطقى فما بالكم عندما يتأكد الأمر بالمعلومات؟! أقول ذلك بمناسبة استقالة البرادعى من منصبه كنائب رئيس للجمهورية، الذى اختير لهذا المنصب بعد رفض حزب النور تعيينه فى منصب رئيس الوزراء، وفضل الانسحاب كالعادة من المواجهة، وكمحاولة لترضية من اختاروه ليكون نائباً للرئيس للشؤون الخارجية ليكون دعما للثورة ومرضاة لفصيل مهم فى الثورة يعتبر أن البرادعى هو «أيقونة الثورة»، على الرغم من أن خارطة المستقبل التى تحددت يوم 3 يوليو لم تتضمن تعيين نائب للرئيس عموما أو خصوصاً فى مجال معين، وتم السكوت على ذلك بالتوافق الضمنى لجمع الشمل، تمهيداً لخوض المعركة الكبرى ضد جماعة الإخوان الإرهابية والمتأسلمين الإرهابيين.
إلا أن تصريحات البرادعى لوسائل الإعلام، خصوصاً حديثه لـ«الواشنطن بوست» وهى الجريدة الأولى فى الولايات المتحدة تليها «نيويورك تايمز»، وهما معا وثيقتا الصلة بالبيت الأبيض والمخابرات الأمريكية وأجهزة الأمن - كشفت عن انحيازه لجماعة الإخوان، وحرصه على استمرارها، وإصراره على دمجها فى الحياة السياسية، واتهم من يطالبون بإقصائها وتجريم أفعالها، بأنهم يسعون لشيطنة الإخوان!! رغم ما يعرفه د. البرادعى من أن هذه جماعة إرهابية تحمل السلاح، وتسعى لإقامة إمارة إسلامية فى سيناء، وتحرق وتدمر وتخرب وتقتل، فماذا يكون الموقف معها إذن؟!
هل نحن الذين نشيطن هذه الجماعة، أم أنها الشيطان نفسه؟! هل يوافق البرادعى على استمرار العنف على يد الجماعة ويرفض استخدام الأدوات السلمية فى فض بؤرهم الإرهابية؟! بماذا نفسر هذا الموقف «البرادعاوى»؟! أليست هذه «ليبرالية شيطانية» تعمل فى فراغ وبعيداً عن السياق المجتمعى؟! وهل نسى البرادعى ما جرى من النازية وما سببته لألمانيا والعالم فى الحرب العالمية الثانية وكذا الفاشية فى إيطاليا، وأمثالهما فى اليابان، هل تسامح المجتمع معهم، أم وضعهم فى قائمة الإرهابيين والممنوعين من ممارسة السياسة ومحظورين للأبد حتى الآن رغم مرور نحو سبعين عاما؟! لقد كنت يا دكتور برادعى مع العزل السياسى لرموز مبارك، فلماذا تتراجع مع جماعة الإخوان الإرهابية ضد الشعب والمجتمع والقوى السياسية الأخرى؟!
إن التفسير الوحيد الذى أقتنع به هو أن قرار البرادعى بالانسحاب فى لحظة يحتاج له الوطن، كان قرارا ذاتياً أنانياً يحسب لنفسه وصاحبه أكثر من الوطن، ووضعه فى «شبهة سياسية» لن يخرج منها حتى آخر العمر، وأقول له ولأمثاله الذين يدافعون عن «الإخوان الإرهابيين»، على خلفية الليبرالية الزائفة، إن الشعب اكتشف هويتكم غير المصرية وانتماءكم لطابور خامس يسعى لعدم استقرار مصر، والثورة ستنتصر دونكم بإذن الله. وللبرادعى أقول إنك بهذا القرار الانسحابى انتحرت سياسياً وشعبياً، ولم يعد لك مكان فى حضن الشعب المصرى، ولايزال الحوار متصلاً.