كتب : أحمد العميد منذ 1 دقيقة
ما بين أب مكلوم وأم ثكلي تنتحب ألمًا على فقدان نجلها، يخيم الحزن على أرجاء البيت ذات الثلاثة طوابق، ليقتحم الألم بوحشته على كل ساكنيه من أسرة شهيد الواجب إسماعيل أحمد الطنطي، أحد شهداء مذبحة رفح، والذي راح في الهجوم الإرهابي الذي شنته جماعات متطرفة أمس في شمال سيناء.
قلبه المقبوض دله على الغيب وما يحمله، ففي اللقاء الأخير مع أسرته، الأحد الماضي، كان لا يرغب في الرحيل ليبلغ والدته "أنا قلبي مقبوض المرة دي"، لتجيب "ربنا يسترها عليك، خلاص دى آخر مرة هتروح فيها الجيش"، يرافقه والده إلى خارج منزله وحارته، لينقل إليه ذات الشعور المزيج بالقلق والخوف من الرحيل، وكأنه كان يدري أنه اللقاء الأخير.
شقيقه: أخي قتل برصاصة اخترقت رأسه من الخلف وخرجت من وجهه.. ووالده: الشهيد ملهوش عزاء إلا أما يجي حقه إنما ده استقبال
لم يتمالك، نفسه فبمجرد ذكر الحادث ينفجر والد الشهيد في البكاء، لتتورم عيناه وتتبل لحيته البيضاء بدموعه الحارة على نجله شهيد الواجب.. "أخفو عني الخبر لحد آذان المغرب لكن قلبي كان مقبوض"، على الرغم من وصول خبر الحادث لشقيقه الأكبر محمد إلا أنه حرص على إخفائه عن أبيه، لكن الصراخ المكتوم الذي دوي في صدره خرج أمام والده ليصارحه بمقتل نجله في حادث إرهابي بشع، ويبلغه بضرورة استلام جثمانه.
يستعيد الرجل الخمسيني قوته معلنًا رغبته في الثأر لنجله، "أنا كنت جندي قناص في عام 1981، وأنا أقدر أخد حق ابني من المجرمين"، ينسجم في ذكريات شبابه مؤكدًا قدرته على الأخذ بالثأر، مطالبًا الفريق عبدالفتاح السيسي، بالسماح له بارتداء البدلة الميري ومنحه السلاح، ليقاتل وحده، إرهابي سيناء ورفح، "أنا كنت باخد امتياز في النشان دايمًا"، يكرر تأكيه على تفوقه العسكري، كأنه يتوسل إلى الجميع بالسماح له، راغبًا في لقاء السيسي لإقناعه بالثأر.
أعلنها الحاج أحمد صراحة "لم يبق للإخوان مكانًا بيننا بعد الآن"، ليؤكد نهاية الإخوان في قريته "سبك الأحد" بمحافظة المنوفية، مؤكدًا تضامن أهل قريته معه في سحق الإخوان والقضاء عليهم، رافضًا وصف استقباله لزائره بالعزاء، قائلًا "الشهيد ملهوش عزاء إلا أما يجي حقه، إنما ده استقبال".
أما أحمد شقيق الشهيد، يستهل حديثه "أخي أصيب بطلق من خلف رأسه خرجت من وجهه، وكان مقيدًا من الخلف كالأسرى"، مطالبًا بالقصاص لشقيقه من الإخوان المسلمين وحلفائهم من الجماعات الإرهابية والجهادية في سيناء، متهمًا القيادي الإخواني محمد البلتاجي والقيادي في الجماعة الإسلامية عاصم عبد الماجد في الحادث، معتبرًا أنهم على علاقة بالجهاديين في سيناء وأنهما يقودان الهجوم على الجيش والشرطة، مطالبًا الفريق عبد الفتاح السيسي بإطلاق اسم شقيقه على الشارع الذي كان يقطن فيه.
"أنا مش هخش الجيش لما أكبر"، أثر الحادث على كل أفراد الأسر، حتى الأصغر بينهم "بلال" 15 عامًا، ليكرر "أخويا كان في آخر يوم ليه في الجيش واتقتل"، صرح الصغير أن بكاءه ليس فقط على فقدان أخيه، بل للجنازة المهيبة التي شيعت من أجله، "الناس من كترها كانت بتصلي الجنازة على صور النادي اللي جمبنا"، يتحدث بحماسة لا تناسب عمره، منتقدًا جماعة الإخوان طارحًا تساؤلات حول حكمهم للبلاد ودورهم في انقسام الشعب واقتتاله.
وفي إحدى غرف البيت الحزين، تحتشد النساء المتشحات بالسواد، ويتكدسن فيها لمواساة فتحية فاروق، والدة الشهيد إسماعيل، تمتم بكلمات لم يفهمها إلا من اقترب منها ليجدها تتوسل بالرحمة لنجلها، بينما يصرخ من حولها، وهي تنظر إليهن بعينيها الحمراوين المتورمتين دون أي قدرة على مشاركتهن الصراخ.
تتذكر الحاجة فتحية، آخر ما دار بين نجلها وشقيقته "طلب من أخته تدوره على عروسة، لأنه خلص جيش"، مشيرة إلى أنه كان يتردد في الرحيل وخائفا من الخروج خشية "اللاعودة" كما صرح لها، مطالبة القصاص لنجلها من قاتليه، داعية الله أن يتقبله مع الشهداء.