أليس من حق كل إنسان أن يتمتع بحريته الفكرية وأن يبحث بعقله عن ما يقتنع به وليس ما يفرض عليه سواء كان تحت ستار الدفاع عن الدين أو الوطن أو غيره، هل يمكن أن يصل إنسان إلى الدرجة التى يصدق فيها كل كلمة تقال له حتى لو كانت بعيدة كل البعد عن الواقع وما يقبله العقل والمنطق وما يراه بعينه لمجرد انه يثق ثقة عمياء ليس فيها مجال للشك فى قائلها، وبالتالى يصبح ضحية لهذا الفكر دون أن يدرى.
إن الإنسان السوى هو الذى يتأرجح فكره دائماً بين الشك واليقين، وهذا التأرجح يمنحه المرونة التى تساعده على عدم التطرف إلى حد الخطأ وفى نفس الوقت تسمح له بالقدرة على التفكير السليم وبالتالى اتخاذ قرار سليم، كذلك الإنسان الذكى هو من يستطيع أن يبحث ويفكر ويحلل ويغير رأيه اذا وجد انه كان على خطأ بل ويعتذر على عكس الأنسان المغيب الذى يتمسك بالرأى الذى يعتنقه ويرفض ان يغيره حتى لو كان واضحاً وضوح الشمس بل ويرفض أن يعتذر إذا أخطأ ودائما هو على يقين أنه على حق.
من أهم سمات الشخص المغيب انعدام الثقة بالنفس، ونقص التركيز والخبرة وعدم القدرة على الإنجاز، ولديه اعتقاد راسخ غير قابل للتغير أنه على صواب بل ويحاول أن يقنع من يخالفه الرأى بأنه هو من لديه معتقدات خاطئة وأنه سينقذه منها، ويفتقد اليقظة لما يراه أمامه لذلك فهو صيد سهل، وسماته الشخصية تجعله يستمر مع أشخاص يعلم فى داخله أنهم لا يقولون الحقيقة وقد يكون السبب أنه يعانى من مشاكل نفسية تجعله يرى ما أمامه هو أفضل الحلول والاختيارات حتى لو كانت سيئة.
مثل هذه الشخصيات نجدها متمركزة حول ذاتها تعطى نفسها أهمية كبيرة ومنفصلة عن المجتمع من حولها ولديها شك وعدم ثقة سوى فى الأشخاص الذين يثقون بهم ثقة عمياء وهم من يستقون منهم المعلومات وينفذون ما يطلب منهم حتى لو كان عنف او انتهاكات او كراهية أو إذلال أو تعذيب، فهذه الشخصية لديها يقين أن ما تقوم به هو دفاع عن الحق، فهو لا يكلف نفسه بالبحث او التفكير بل يتبنى الفكر الذى يملى عليه، إلى جانب أنه قد يستخدم بعض الحيل الدفاعية كالإسقاط فهو حسب فكره وقناعته لا يعترف بما يقوم به من أخطاء بل ينسبه للطرف الآخر، وأنه من يريد أن يلحق به الأذى فكل ما يقوم به يبرره أنه يدافع عن نفسه فى محاولة لعدم الاعتراف بخطئه، حين يتحدث يكون لديه ثقة فيما يقتنع به فقط ولا يترك الفرصة لأى شخص آخر أن يراجعه أو ينتقده فهو يتمسك برأيه ولا يسمح لطرف آخر أن يصحح له فكره أو وجهة نظره بل يعاند ويتشبث برأيه بصورة عنيفة.
حين نتعامل مع مثل هذه الشخصية علينا أن نعلم أنه ليس من السهل أن نقنعه أنه مخدوع ومغيب ومنساق لتحقيق مصالح خاصة بغيره، وأن نبتعد عن أى محاولة لاستفزازه لأن الهدف ليس الدخول معه فى صراع لكن محاولة إفادته وتوضيح النقاط الخاطئة التى يؤمن بها والتى ليس لها أساس من الصحة من خلال إعطاءه معلومات مبسطة بعيداً عن النقاش والجدال، ونسمعه بهدوء وصبر ونتجنب أن ندخل معه فى أى حديث خارج الموضوع والهدف الأساسى الذى نسعى إليه وأن نطلب منه أن يفكر ويحلل ما يقتنع به بصورة موضوعية دون تأثير خارجى يؤثر على رأيه وقناعته الشخصية.