لست أعرف لماذا نرفض تلك التصريحات الخرقاء التى يطلقها عضو مجلس الشيوخ الأمريكى جون ماكين منذ زيارته الأخيرة لمصر، والتى كان أولها ذلك الاكتشاف الخطير، الذى يتفوق على اكتشافات داروين ونيوتن وابن النفيس، وهو أن ما حدث فى مصر من خروج عشرات الملايين من البشر المطالبين بإسقاط محمد مرسى وحكم الإخوان هو مجرد انقلاب عسكرى قام به الجيش ولا علاقة له بالشعب!!
لقد تبع ماكين هذا الاكتشاف العبقرى باكتشاف آخر لا يقل عن عبقريته بأن مصر الآن على أبواب مذبحة دامية واسعة النطاق بعد فشل جهود الحل السياسى، وهو ما لم يصل إليه لا داروين ولا نيوتن ولا ابن النفيس رغم أنه يتعارض مع أقوال سابقة لماكين نفسه الذى صرح لمجلة «دير شبيجل» الألمانية قبيل سقوط مبارك، وبالتحديد يوم 6 فبراير 2011 بأن الإخوان المسلمين يجب ألا يكون لهم أى دور فى المرحلة الانتقالية المقبلة لأنهم ـ على حد قوله للمجلة فى ذلك اليوم ـ «مجموعة متطرفة يدعمون الشريعة التى هى مناقضة للديمقراطية، على الأقل فيما يتعلق بالمرأة، وقد ارتبطوا بجماعات إرهابية أخرى، وأعتقد أنه ينبغى إقصاؤهم بشكل محدد من الحكومة الانتقالية».
وعبر ماكين عن المزيد من عبقريته المشتعلة وقدرته الفذة على رؤية ما لا يراه الآخرون حين قال إن الدكتور محمد البرادعى ما هو إلا «واجهة للإخوان»(!!) وقال للمجلة إن البرادعى «لا أتباع له ولا يتمتع بنفوذ سياسى فى مصر، لأنه عاش معظم حياته خارج البلاد».
وهنا سألته المجلة: «لكن يبدو أن البيت الأبيض يقبل بأن يكون هناك دور ما للإخوان فى المرحلة الانتقالية، فهل يقلقك هذا؟»، فرد على الفور: «يقلقنى لدرجة أننى أعارضه بشكل لا يمكن أن أعود عنه لأن إشراك الإخوان سيكون خطأ ذا أبعاد تاريخية جسيمة».
ولقد وصل الشعب المصرى بعد أكثر من سنتين على تصريحات ماكين إلى الاقتناع بصحتها، وخرجت الملايين لا تطلب أكثر مما طالب به «السنا.. طور» الأمريكى بحكمته النافذة قبل أكثر من سنتين، فلماذا لعبة الشريك المخالف هذه؟ لماذا انقلب «السنا.. طور» المخالف على أقواله السابقة التى قال إنه لا يمكن أن يعود عنها، ووصف آراءه بأنها معادية لموقف البيت الأبيض بشكل لا يمكن تغييره، مستخدماً تعبير unalterably opposed.
لقد فشل «السنا.. طور» ماكين مرتين فى أن يصل إلى البيت الأبيض لما عرف عنه من تهور ومواقف خرقاء، المرة الأولى حين رفض الحزب الجمهورى ترشيحه للرئاسة، والثانية حين رفضه الشعب الأمريكى بعد أن حصل على ترشيح الحزب، ولنا أن نتفهم عداء ماكين للبيت الأبيض الذى يحرك كل خطواته «بشكل لا يمكن تغييره»، لكن الحقيقة أننا مع تصريحات «السنا.. طور» القديمة والجديدة معاً، فقد عبر الشعب بشكل واضح «لا يمكن تغييره» عن رفضه للإخوان، وحين خرجت الملايين يوم 30 يونيو كانت تهتف «يسقط حكم المرشد» بعد أن ثبتت صحة نظرية ماكين بأنه ينبغى ألا يكون لهم دور فى المرحلة الانتقالية، الثانية مثل الأولى، فشكراً لماكين على ذلك، وشكراً له أيضاً على تحوله المفاجئ الذى أثبت أن موقفه قابل للتغيير فى سبيل إحراج البيت الأبيض، فنحن مع قول السنا.. طور بأن ما حدث فى مصر لم يكن ثورة شعبية وإنما انقلاب عسكرى، فلا الجماهير خرجت ولا طالب أحد بإسقاط مرسى، وإنما خرجت وحدات من الجيش أسقطت رئيسنا الحبيب المنتخب واغتصبت الحكم فعينت رئيس جمهورية عسكرياً ورئيس وزراء عسكرياً ووزراء عسكريين.
هذا هو الواقع، والعالم كله عمى عن هذه الحقيقة إلا السنا.. طور وبعض المعتصمين فى رابعة والذين وصفهم ماكين نفسه بالتطرف وبالانخراط مع جماعات إرهابية أخرى لأنهم معادون للديمقراطية ويسعون لتطبيق الشريعة.
وأقول صراحة مرحباً بتصريحات «السنا.. طور» الأمريكى لأن القول بأن ما حدث فى مصر هو انقلاب يستتبعه بالضرورة وقف المعونة الأمريكية لمصر، وهو ما لا تستطيعه الإدارة الأمريكية دون أن تضر بمصالح إسرائيل، و«السنا.. طور» يعلم ذلك جيداً ويسعى من خلاله لإحراج البيت الأبيض، لكننا موافقون على ما يقوله ونرجو منه أن يظل يردد هذا الهراء بعد عودته إلى واشنطن حتى تضطر الإدارة الأمريكية فى النهاية إلى وقف معونتها البائسة التى لا تقارن بما حصلنا عليه من بعض أشقائنا العرب بعد الثورة، وما سنحصل عليه بعد إلغاء المعونة الأمريكية، وبذلك يدخل «السنا.. طور» المخالف التاريخ، فإذا كان أبراهام لنكولن هو محرر الأمريكان من العبودية، فإننا سنمنح السنا.. طور المخالف لقب محرر المصريين من المعونة الأمريكية التى لم يعد يريدها أحد بعد حصول الشعب على حريته يوم 30 يونيو.