رأى خطيب المسجد الكبير الدكتور وليد العلي، أن عمارة بُيوت الرَّحمن، وهي أمارةٌ دالَّةٌ على حُسن الايمان، واصلاح ذات البَيْن بحُصول طُمأنينةِ القلب وانشراح الصَّدر وراحة البال وقُرَّةِ العَيْن، هما درسا شهر رمضان، وان السَّعيد بالعيد هو من وُفِّق لهما بفضل الله، مشيرا الى أن سُمُوُّ أمير البلاد «تسربل بثوب الصَّفح والعفو، فعمد والدنا الى اصلاح ذات البيْن مع من أساء فصفح وعفا عن زلَّته وحوبه، وشمل سُمُّوه المسجد الكبير بالرِّعاية والتَّشييد».
> وتوجه العلي في خطبة عيد الفطر، بحضور سمو الأمير وولي العهد ورئيسي السلطتين، وكبار مسؤولي الدولة، الى الله عز وجل أن يجعل العيدٌ مُباركٌاً على بلادِنا وأميرِنا وحُكومتِنا وشعبِنا وعلى جميعِ المُسلمين، داعيا العزيز الكريم أن يحفظْ أميرَنا ووالدَنا ويعينه على مصالحِ الدُّنيا والدِّين.
> وقال العلي في الخُطبة الأُولى:
> «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وصلَّى الله وسلَّم على من أرسله ربُّه شاهداً ومُبشِّراً ونذيراً، وامتنَّ علينا ببعثته وجعله داعياً الى الله باذنه وسراجاً مُنيراً.
> الله أكبر، ما صام مُسلمٌ نهاراً وأفطر، الله أكبر، ما تهجَّد مُؤمنٌ ليلاً وتسحَّر، الله أكبر، ما أقبل شهرُ رمضانَ وأدبر، الله أكبر، ما تنفَّس صُبحُ العيدِ وأسفر.
> الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا اله الا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أما بعد:
> فكبِّروا الله واشكروه على اكمال عدَّة رمضان أيُّها المُؤمنون، واتَّقوا الله تعالى ربَّكم (حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ اِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
> ثُمَّ اعلموا رحمني الله تعالى واياكُم معشر السَّادة الكرام: أنَّ المُسلمَ انَّما يفرحُ في يومِ العيدِ الذي هو شامةُ الأيَّام؛ لاستشعاره أنَّه سيُوفَّى في يومِ العيدِ أجرَ الصِّيامِ والقيام.
> وتأمَّلوا هذا المعنى العظيم؛ فيما أُثرَ عن رسولِنا الكريم؛ عليه أفضلُ الصَّلاةِ والتَّسليم: (للصَّائمِ فرحتانِ يَفْرَحُهُمَا: اذا أفطرَ فَرِحَ بفطره، واذا لَقِيَ ربَّه فَرِحَ بصومه).
> الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا اله الا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
> لذا سُمِّي يومُ الفطرِ بيومِ الجائزة، فالنَّفسُ الصَّائمةُ لأجرها حائزة، قال سليلُ بيتِ النُّبوَّةِ الطَّاهر؛ أبوجعفرٍ مُحمَّدُ بن عليٍّ الباقر؛ عليه وعلى آبائه الصَّلاةُ والسَّلام؛ وهُو يحكي جائزةَ الصِّيامِ والقيام: (اذا أكملَ الصَّائمونَ صيامَ رمضانَ وقيامَه: فقد وفَّوا ما عليهم من العمل، وبقي ما لهم من الأجرِ وهُو المغفرة، فاذا خرجوا يومَ عيدِ الفطرِ الى الصَّلاة: قُسِّمت عليهم أُجورهم، فرجعوا الى منازلهم وقد استوفوا الأجرَ واستكملوه).
> الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا اله الا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
> ثُمَّ اعلموا رعاكم الرَّبُّ تعالى أنَّ استيفاءَ الأجرِ انَّما هُو علامةُ القَبُول، لذا خرج النَّاسُ من بُيوتهم صبيحةَ يومِ عيد الفطر رجاءَ ادراكِ المأمول، وكان الامامُ العادل؛ وأمير المُؤمنين العامل؛ عُمَرُ بنُ عبدالعزيزِ رحمه الله تعالى يقول في خُطبته؛ ويُذكِّر النَّاس في عيد الفطر ويقول لهُم في موعظته: (أيُّها النَّاس؛ انَّكُم صُمتم لله ثلاثينَ يوماً؛ وقُمتم ثلاثينَ ليلةً، وخرجتم اليومَ تطلبون من اللهِ أن يتقبَّل منكم).
> فالصَّائمُ قد حاز في نهاره الرِّضوان، والقائمُ قد جاز في ليله الى الجِنان، والمقبولُ قد فاز بالعتق من النِّيران.
> فبُشرى لمن حاز مع من حازوا، وطُوبى لمن جاز مع من جازوا، وهنيئاً لمن فاز مع من فازوا.
> الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا اله الا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
> غمركُم الله تعالى بفضله معشرَ السَّادةِ الكرام: لقد ترحَّلت عنَّا أيَّامُ الغُرِّ من شهرِ الصِّيام؛ وقد استلهمنا منه دُروسَ الخيرِ وعِبَرَ الاكرام.
> وحسبنا أن نقف مع درسيْن اثنيْن من هذه الدُّروس؛ بهما قُرَّة العُيون وانشراح الصُّدور وطُمأنينة النُّفوس، والسَّعيد بالعيد من وُفِّق لهما بفضل المَلِك القُدُّوس.
> فأوَّل هذه الدُّروس في شهر رمضان؛ ما شهدناه من عمارة بُيوت الرَّحمن: وهي أمارةٌ دالَّةٌ على حُسن الايمان، كما قال الله تعالى في مُحكم القُرآن: (اِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ اِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ).
> وانَّ عمارة مساجد الله تعالى نوعان: عمارتها بالصَّلاة وكذا عمارتها بالبُنيان، وكلا النَّوعيْن دالٌّ على خشية الرَّحمن.
> الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا اله الا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
> وثاني دُروس وعبر شهر رمضان المُبارك أنَّ باصلاح ذات البَيْن: حُصول طُمأنينةِ القلب وانشراح الصَّدر وراحة البال وقُرَّةِ العَيْن، فعن أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (ألا أُخبركم بأفضل من درجة الصَّلاة والصِّيام والصَّدقة؟ قالوا: بلى. قال: اصلاح ذاتِ البَيْن، وفساد ذات البَيْن: هي الحالقة) أخرجه أحمد وأبوداود والتِّرمذيُّ.
> أرأيتم ما تنافس النَّاس فيه في رمضان من الصِّيام والقيام والصَّدقات: فانَّ اصلاح ذات البَيْن بين النَّاس أفضل عند ربِّكم منها بالدَّرجات.
> فطُوبى لمن تحلَّى بعد شهر رمضان بهذيْن الأمريْن، فعمر مساجد الله وأصلح مع النَّاس ذات البيْن.
> الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا اله الا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أقول ما سمعتم من الوعظِ والذِّكرِ الحكيم، وأستغفر لي ولكم اللهَ ربَّكم الغفورَ الحليم، فاستغفروه وتُوبوا اليه انَّه هو التَّوَّابُ الرَّحيم».
> وقال العلي في الخُطبة الثَّانية:
> «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
> الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
> انَّ التَّكبيرَ هو شعارُ المُؤمنينَ في ليلةِ ويومِ العيد، فتكبيرُ اللهِ تعالى مع التَّقوى هو القولُ السَّديدُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
> أما بعد:
> فهذان الدَّرسان المُستلهمان من شهر رمضان المتَّمضِّخِ بعطرِ الشَّرفِ الزَّاخر، جاءا بأفعال سُمُوِّ والدِنا حفظه الله وبأقواله التي خاطبنا بها بالعشرِ الأواخر.
> فقد تمثَّل درس عمارة مساجد الله في التَّوجيه الكريم والأمر الرَّشيد؛ حيث شمل سُمُّوه المسجد الكبير بالرِّعاية والعناية والتَّرميم والتَّشييد، لا زالت أقوال سُمُوِّه حفظه الله منعوتة بمشيئة المولى بالقول السَّديد، فهذه أوَّل سحائب الغيث لهذا الصَّرح الاسلاميِّ الشَّامخ العتيد، مُلتمسين من سُمُوِّه أن يعمَّ سائر مرافق المسجد الكبير بالتَّجديد.
> والله نسأل أن يبني لوالدنا حفظه الله سُبحانه بيتا في الجنَّة، وأن يُخلف عليه في حاله وماله بالبركة والخير والفضل والمنَّة، فعن عُثمان بن عفَّان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (من بنى مسجداً لله تعالى -يبتغي به وجه الله-: بنى الله له بيتاً في الجنَّة) أخرجه مُسلمٌ.
> وقد تمثَّل درس اصلاح ذات البيْن في خُلق الصَّفح والعفو الذي تسربل سُمُوُّه بثوبه، حيث عمد والدنا الى اصلاح ذات البيْن مع من أساء فصفح وعفا عن زلَّته وحوبه.
> فأحبُّ الأعمال الى الله عزَّ وجلَّ في العيد وفي أيِّ زمنٍ: سُرورٌ تُدخله على مُسلمٍ أو تكشف عنه الكُرب والمحن.
> فاللَّهُمَّ قابل صفحه بالصِّفح والاحسان؛ وجازه بعفوه بالعفو منك والرَّحمة والغُفران، فعن أبي هُريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (ما نقصت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ الا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله الا رفعه الله) أخرجه مُسلمٌ.
> وانَّ أولى أفراد المُجتمع في التَّحلِّي بخُلُق سُمُوِّه في اصلاح ذات البيْن: هُم رجال السُّلطتيْن الذين نُؤمِّل بتعاونهم كشف الرَّيْن ونَزْح الشَّيْن.
> وانَّ المُجتمع مُتفائلٌ في تنمية سائر مرافقه في ظلِّ تعاون الوُزراء مع النُّواب، في مجلسٍ مُباركٍ بمشيئة الله تختلط فيه حكمة الكُهول مع تطلُّعات الشَّباب.
> فواجبٌ على السُّلطتيْن ترجمة معاني الخطاب السَّامي وما جاء في مثانيه لا سيَّما الأصلَ الأصيل، وهو بيانُ أنَّ مُجتمعَنا المُتراحمَ المُتلاحمَ انَّما يتوارث الوُحدة الوطنيَّة خلفاً عن سلفٍ وجيلاً بعد جيل.
> وأعظمُ عبرةٍ يعتبر بها مُجتمعُنا على وُجوبِ التَّراحمِ وضرورةِ التَّلاحم: استشعارُ أنَّها أعظمُ نعمِ اللهِ التي تحرَّرنا بها من غزوِ المُعتدي الغاشم، فرَجَعَ المُعتدي ببصرهِ هل يرى في مُجتمعِنا منِ افتراقٍ، ثُمَّ أرْجَعَ البصرَ كرَّتيْن هل يرى بين أفرادهِ من شقاقٍ، فانقلبَ اليه البصرُ خاسئاً وهو حسير، فاندحرَ مهزوماً وولَّى الأدبارَ وهو حقيرٌ.
> فرَحِمَ اللهُ أباءً لنا وأجداداً؛ كانوا لوطنِهم عُدَّةً وعتاداً، قَطَعَهُمُ الموت وما انقطعَ منهم الجدُّ والعمل، ولم تُفرِّقهم الخُصوماتُ ولا أشغلَهم الجدل.
> فمتى يُدركُ الأبناءُ قيمةَ هذا الموروثِ الذي خلَّفه لهم الآباء؟ ويكونوا يداً واحدة تذبُّ عن حياضِ الوطن وتدحرُ الأعداء؟
> اللَّهُمَّ اجعلْ هذا البلدَ آمناً مُطمئنَّاً وأسبغْ عليه نعمَك الباطنةَ والظَّاهرة، وادفع عنه برحمتك يا أرحمَ الرَّاحمينَ كُلَّ الفتنِ المُدلهمَّةِ والمحنِ القاهرة.
> اللَّهُمَّ احفظْ أميرَنا ووالدَنا وأنت خيرُ الحافظين، وأعنه يا مُعينُ بفضلِك على مصالحِ الدُّنيا والدِّين.
> اللَّهُمَّ بارك له في وليِّ عهده الأمين؛ وأيِّده اللَّهُمَّ برئيس حُكومته المكين، وألبسهم جميعاً ثوبَ العافية وامننْ عليهم بوافرِ المنن، وهَبْهُم طُولَ عُمُرٍ يصحبُه قُوَّةُ بدنٍ ويُقارنُه عملٌ حسن.
> اللَّهُمَّ وأيِّد جميعَ الوُزراء بالأمر الرَّشيد؛ وسدِّد اخوانَهم النُّوَّاب بالقولِ السَّديد.
> اللَّهُمَّ جنِّبْ أفرادَ مُجتمعنا أسبابَ التَّفرُّقِ والشِّقاق، وحبِّبْ اليهم مكارم العاداتِ وفضائل الأخلاق.
> (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا اِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، (وَتُبْ عَلَيْنَآ اِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
> وليكنْ مسكُ الختام، معشرَ السَّادة الكرام: ترطيبَ ألسنتكم بالصَّلاة والسَّلام، على سيِّدنا مُحمَّدٍ خيرِ الأنام، امتثالاً لأمر المَلِكِ القُدُّوسِ السَّلام، حيث قال في أصدقِ قيلٍ وأحسنِ حديثٍ وخيرِ كلام: (اِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
> اللَّهُمَّ صلِّ على مُحمَّدٍ وعلى آلِ مُحمَّدٍ، كما صلَّيت على ابراهيمَ وعلى آلِ ابراهيم، وبارك على مُحمَّدٍ وعلى آلِ مُحمَّد، كما باركت على ابراهيمَ وعلى آلِ ابراهيم، في العالمين، انَّك حميدٌ مجيدٌ.
> وهذا عيدٌ مُباركٌ ان شاءَ اللهُ تعالى على بلادِنا وأميرِنا وحُكومتِنا وشعبِنا وعلى جميعِ المُسلمين،
> ولتصحبكُم السَّلامةُ مغفوراً لكُم وطبتم وطاب ممشاكم وجعلكُم الله أينما كُنتم مُباركين».
> وتوجه العلي في خطبة عيد الفطر، بحضور سمو الأمير وولي العهد ورئيسي السلطتين، وكبار مسؤولي الدولة، الى الله عز وجل أن يجعل العيدٌ مُباركٌاً على بلادِنا وأميرِنا وحُكومتِنا وشعبِنا وعلى جميعِ المُسلمين، داعيا العزيز الكريم أن يحفظْ أميرَنا ووالدَنا ويعينه على مصالحِ الدُّنيا والدِّين.
> وقال العلي في الخُطبة الأُولى:
> «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وصلَّى الله وسلَّم على من أرسله ربُّه شاهداً ومُبشِّراً ونذيراً، وامتنَّ علينا ببعثته وجعله داعياً الى الله باذنه وسراجاً مُنيراً.
> الله أكبر، ما صام مُسلمٌ نهاراً وأفطر، الله أكبر، ما تهجَّد مُؤمنٌ ليلاً وتسحَّر، الله أكبر، ما أقبل شهرُ رمضانَ وأدبر، الله أكبر، ما تنفَّس صُبحُ العيدِ وأسفر.
> الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا اله الا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أما بعد:
> فكبِّروا الله واشكروه على اكمال عدَّة رمضان أيُّها المُؤمنون، واتَّقوا الله تعالى ربَّكم (حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ اِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
> ثُمَّ اعلموا رحمني الله تعالى واياكُم معشر السَّادة الكرام: أنَّ المُسلمَ انَّما يفرحُ في يومِ العيدِ الذي هو شامةُ الأيَّام؛ لاستشعاره أنَّه سيُوفَّى في يومِ العيدِ أجرَ الصِّيامِ والقيام.
> وتأمَّلوا هذا المعنى العظيم؛ فيما أُثرَ عن رسولِنا الكريم؛ عليه أفضلُ الصَّلاةِ والتَّسليم: (للصَّائمِ فرحتانِ يَفْرَحُهُمَا: اذا أفطرَ فَرِحَ بفطره، واذا لَقِيَ ربَّه فَرِحَ بصومه).
> الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا اله الا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
> لذا سُمِّي يومُ الفطرِ بيومِ الجائزة، فالنَّفسُ الصَّائمةُ لأجرها حائزة، قال سليلُ بيتِ النُّبوَّةِ الطَّاهر؛ أبوجعفرٍ مُحمَّدُ بن عليٍّ الباقر؛ عليه وعلى آبائه الصَّلاةُ والسَّلام؛ وهُو يحكي جائزةَ الصِّيامِ والقيام: (اذا أكملَ الصَّائمونَ صيامَ رمضانَ وقيامَه: فقد وفَّوا ما عليهم من العمل، وبقي ما لهم من الأجرِ وهُو المغفرة، فاذا خرجوا يومَ عيدِ الفطرِ الى الصَّلاة: قُسِّمت عليهم أُجورهم، فرجعوا الى منازلهم وقد استوفوا الأجرَ واستكملوه).
> الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا اله الا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
> ثُمَّ اعلموا رعاكم الرَّبُّ تعالى أنَّ استيفاءَ الأجرِ انَّما هُو علامةُ القَبُول، لذا خرج النَّاسُ من بُيوتهم صبيحةَ يومِ عيد الفطر رجاءَ ادراكِ المأمول، وكان الامامُ العادل؛ وأمير المُؤمنين العامل؛ عُمَرُ بنُ عبدالعزيزِ رحمه الله تعالى يقول في خُطبته؛ ويُذكِّر النَّاس في عيد الفطر ويقول لهُم في موعظته: (أيُّها النَّاس؛ انَّكُم صُمتم لله ثلاثينَ يوماً؛ وقُمتم ثلاثينَ ليلةً، وخرجتم اليومَ تطلبون من اللهِ أن يتقبَّل منكم).
> فالصَّائمُ قد حاز في نهاره الرِّضوان، والقائمُ قد جاز في ليله الى الجِنان، والمقبولُ قد فاز بالعتق من النِّيران.
> فبُشرى لمن حاز مع من حازوا، وطُوبى لمن جاز مع من جازوا، وهنيئاً لمن فاز مع من فازوا.
> الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا اله الا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
> غمركُم الله تعالى بفضله معشرَ السَّادةِ الكرام: لقد ترحَّلت عنَّا أيَّامُ الغُرِّ من شهرِ الصِّيام؛ وقد استلهمنا منه دُروسَ الخيرِ وعِبَرَ الاكرام.
> وحسبنا أن نقف مع درسيْن اثنيْن من هذه الدُّروس؛ بهما قُرَّة العُيون وانشراح الصُّدور وطُمأنينة النُّفوس، والسَّعيد بالعيد من وُفِّق لهما بفضل المَلِك القُدُّوس.
> فأوَّل هذه الدُّروس في شهر رمضان؛ ما شهدناه من عمارة بُيوت الرَّحمن: وهي أمارةٌ دالَّةٌ على حُسن الايمان، كما قال الله تعالى في مُحكم القُرآن: (اِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ اِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ).
> وانَّ عمارة مساجد الله تعالى نوعان: عمارتها بالصَّلاة وكذا عمارتها بالبُنيان، وكلا النَّوعيْن دالٌّ على خشية الرَّحمن.
> الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا اله الا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
> وثاني دُروس وعبر شهر رمضان المُبارك أنَّ باصلاح ذات البَيْن: حُصول طُمأنينةِ القلب وانشراح الصَّدر وراحة البال وقُرَّةِ العَيْن، فعن أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (ألا أُخبركم بأفضل من درجة الصَّلاة والصِّيام والصَّدقة؟ قالوا: بلى. قال: اصلاح ذاتِ البَيْن، وفساد ذات البَيْن: هي الحالقة) أخرجه أحمد وأبوداود والتِّرمذيُّ.
> أرأيتم ما تنافس النَّاس فيه في رمضان من الصِّيام والقيام والصَّدقات: فانَّ اصلاح ذات البَيْن بين النَّاس أفضل عند ربِّكم منها بالدَّرجات.
> فطُوبى لمن تحلَّى بعد شهر رمضان بهذيْن الأمريْن، فعمر مساجد الله وأصلح مع النَّاس ذات البيْن.
> الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا اله الا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أقول ما سمعتم من الوعظِ والذِّكرِ الحكيم، وأستغفر لي ولكم اللهَ ربَّكم الغفورَ الحليم، فاستغفروه وتُوبوا اليه انَّه هو التَّوَّابُ الرَّحيم».
> وقال العلي في الخُطبة الثَّانية:
> «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
> الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
> انَّ التَّكبيرَ هو شعارُ المُؤمنينَ في ليلةِ ويومِ العيد، فتكبيرُ اللهِ تعالى مع التَّقوى هو القولُ السَّديدُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
> أما بعد:
> فهذان الدَّرسان المُستلهمان من شهر رمضان المتَّمضِّخِ بعطرِ الشَّرفِ الزَّاخر، جاءا بأفعال سُمُوِّ والدِنا حفظه الله وبأقواله التي خاطبنا بها بالعشرِ الأواخر.
> فقد تمثَّل درس عمارة مساجد الله في التَّوجيه الكريم والأمر الرَّشيد؛ حيث شمل سُمُّوه المسجد الكبير بالرِّعاية والعناية والتَّرميم والتَّشييد، لا زالت أقوال سُمُوِّه حفظه الله منعوتة بمشيئة المولى بالقول السَّديد، فهذه أوَّل سحائب الغيث لهذا الصَّرح الاسلاميِّ الشَّامخ العتيد، مُلتمسين من سُمُوِّه أن يعمَّ سائر مرافق المسجد الكبير بالتَّجديد.
> والله نسأل أن يبني لوالدنا حفظه الله سُبحانه بيتا في الجنَّة، وأن يُخلف عليه في حاله وماله بالبركة والخير والفضل والمنَّة، فعن عُثمان بن عفَّان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (من بنى مسجداً لله تعالى -يبتغي به وجه الله-: بنى الله له بيتاً في الجنَّة) أخرجه مُسلمٌ.
> وقد تمثَّل درس اصلاح ذات البيْن في خُلق الصَّفح والعفو الذي تسربل سُمُوُّه بثوبه، حيث عمد والدنا الى اصلاح ذات البيْن مع من أساء فصفح وعفا عن زلَّته وحوبه.
> فأحبُّ الأعمال الى الله عزَّ وجلَّ في العيد وفي أيِّ زمنٍ: سُرورٌ تُدخله على مُسلمٍ أو تكشف عنه الكُرب والمحن.
> فاللَّهُمَّ قابل صفحه بالصِّفح والاحسان؛ وجازه بعفوه بالعفو منك والرَّحمة والغُفران، فعن أبي هُريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (ما نقصت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ الا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله الا رفعه الله) أخرجه مُسلمٌ.
> وانَّ أولى أفراد المُجتمع في التَّحلِّي بخُلُق سُمُوِّه في اصلاح ذات البيْن: هُم رجال السُّلطتيْن الذين نُؤمِّل بتعاونهم كشف الرَّيْن ونَزْح الشَّيْن.
> وانَّ المُجتمع مُتفائلٌ في تنمية سائر مرافقه في ظلِّ تعاون الوُزراء مع النُّواب، في مجلسٍ مُباركٍ بمشيئة الله تختلط فيه حكمة الكُهول مع تطلُّعات الشَّباب.
> فواجبٌ على السُّلطتيْن ترجمة معاني الخطاب السَّامي وما جاء في مثانيه لا سيَّما الأصلَ الأصيل، وهو بيانُ أنَّ مُجتمعَنا المُتراحمَ المُتلاحمَ انَّما يتوارث الوُحدة الوطنيَّة خلفاً عن سلفٍ وجيلاً بعد جيل.
> وأعظمُ عبرةٍ يعتبر بها مُجتمعُنا على وُجوبِ التَّراحمِ وضرورةِ التَّلاحم: استشعارُ أنَّها أعظمُ نعمِ اللهِ التي تحرَّرنا بها من غزوِ المُعتدي الغاشم، فرَجَعَ المُعتدي ببصرهِ هل يرى في مُجتمعِنا منِ افتراقٍ، ثُمَّ أرْجَعَ البصرَ كرَّتيْن هل يرى بين أفرادهِ من شقاقٍ، فانقلبَ اليه البصرُ خاسئاً وهو حسير، فاندحرَ مهزوماً وولَّى الأدبارَ وهو حقيرٌ.
> فرَحِمَ اللهُ أباءً لنا وأجداداً؛ كانوا لوطنِهم عُدَّةً وعتاداً، قَطَعَهُمُ الموت وما انقطعَ منهم الجدُّ والعمل، ولم تُفرِّقهم الخُصوماتُ ولا أشغلَهم الجدل.
> فمتى يُدركُ الأبناءُ قيمةَ هذا الموروثِ الذي خلَّفه لهم الآباء؟ ويكونوا يداً واحدة تذبُّ عن حياضِ الوطن وتدحرُ الأعداء؟
> اللَّهُمَّ اجعلْ هذا البلدَ آمناً مُطمئنَّاً وأسبغْ عليه نعمَك الباطنةَ والظَّاهرة، وادفع عنه برحمتك يا أرحمَ الرَّاحمينَ كُلَّ الفتنِ المُدلهمَّةِ والمحنِ القاهرة.
> اللَّهُمَّ احفظْ أميرَنا ووالدَنا وأنت خيرُ الحافظين، وأعنه يا مُعينُ بفضلِك على مصالحِ الدُّنيا والدِّين.
> اللَّهُمَّ بارك له في وليِّ عهده الأمين؛ وأيِّده اللَّهُمَّ برئيس حُكومته المكين، وألبسهم جميعاً ثوبَ العافية وامننْ عليهم بوافرِ المنن، وهَبْهُم طُولَ عُمُرٍ يصحبُه قُوَّةُ بدنٍ ويُقارنُه عملٌ حسن.
> اللَّهُمَّ وأيِّد جميعَ الوُزراء بالأمر الرَّشيد؛ وسدِّد اخوانَهم النُّوَّاب بالقولِ السَّديد.
> اللَّهُمَّ جنِّبْ أفرادَ مُجتمعنا أسبابَ التَّفرُّقِ والشِّقاق، وحبِّبْ اليهم مكارم العاداتِ وفضائل الأخلاق.
> (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا اِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، (وَتُبْ عَلَيْنَآ اِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
> وليكنْ مسكُ الختام، معشرَ السَّادة الكرام: ترطيبَ ألسنتكم بالصَّلاة والسَّلام، على سيِّدنا مُحمَّدٍ خيرِ الأنام، امتثالاً لأمر المَلِكِ القُدُّوسِ السَّلام، حيث قال في أصدقِ قيلٍ وأحسنِ حديثٍ وخيرِ كلام: (اِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
> اللَّهُمَّ صلِّ على مُحمَّدٍ وعلى آلِ مُحمَّدٍ، كما صلَّيت على ابراهيمَ وعلى آلِ ابراهيم، وبارك على مُحمَّدٍ وعلى آلِ مُحمَّد، كما باركت على ابراهيمَ وعلى آلِ ابراهيم، في العالمين، انَّك حميدٌ مجيدٌ.
> وهذا عيدٌ مُباركٌ ان شاءَ اللهُ تعالى على بلادِنا وأميرِنا وحُكومتِنا وشعبِنا وعلى جميعِ المُسلمين،
> ولتصحبكُم السَّلامةُ مغفوراً لكُم وطبتم وطاب ممشاكم وجعلكُم الله أينما كُنتم مُباركين».