اعتصام الإخوان فى مسجد رابعة العدوية فى القاهرة وميدان نهضة مصر فى الجيزة، والذى يستحيل اعتباره سلمياً مع ما يحدث فيه من تعذيب وقتل وتكديس للأسلحة وإنشاء للمتاريس، لم يجعل من سكان المنطقتين «رهائن» فى عملية إرهابية، وإنما يحول كل الشعب المصرى إلى «رهائن» هذه العملية.
ولا مبالغة فى تعبير «كل» الشعب المصرى، فالحكومة التى تخدم هذا الشعب لا تستطيع أن تعمل على النحو الذى تحقق فيه هذه الخدمة بكل أبعادها، مع استمرار ذلك الاعتصام، وكل مصرى ومصرية لم يعد يخرج إلى الشارع مطمئناً، ولم يعد يضمن عودته سالماً، وماذا تكون الرهينة غير ذلك؟
وهناك أبعاد رمزية لمسمى كل منطقة من منطقتى الاعتصام الإخوانى الإرهابى، فاسم رابعة العدوية هو لمتصوفة تلقب بشهيدة العشق الإلهى، والمتصوف هو من يستغنى عن الدنيا وكل ما هو دنيوى، والتناقض واضح عندما يعتصم فى المسجد الذى يحمل اسم هذه المتصوفة والميدان المحيط به من يطالبون بمطالب دنيوية بحتة، وإلا بماذا يمكن أن تسمى المطالبة بالعودة إلى السلطة السياسية، صحيح أن رئيسهم انتخب بواسطة ملايين، ولكن ملايين أكبر أسقطته بعد أن فشل فى إدارة البلاد، وبسبب الفشل وحده، وليس لأنه إخوانى.
ولكن الأبعاد الرمزية للإرهاب فى ميدان نهضة مصر لها دلالات أكثر عمقاً، فالميدان يسمى باسم التمثال الذى صممه ونفذه نحات مصر الحديث الأعظم محمود مختار بعد ثورة 1919 الشعبية الكبرى التى انتزعت استقلال مصر، وفيه تضع الفلاحة المصرية يدها على تمثال أبى الهول، تعبيراً عن عودة مصر إلى مصريتها العريقة التى تجمع كل الأديان والحضارات، ويتعرض هذا العمل الفنى الفذ الذى أقيم باكتتاب شعبى لا مثيل له فى الدنيا، إلى خطر جسيم.
ويقع ميدان نهضة مصر أمام جامعة القاهرة، وقد وضع الإرهابيون سواتر خشبية وعشوائية أمام أبواب الجامعة، لا أدرى لماذا، وهذه الجامعة ليست مجرد جامعة من الجامعات، وإنما هى أكبر رموز نهضة مصر الوطن، وليس التمثال، فإذا كان التمثال يعبر عن النهضة بعد ثورة 1919، فإن الجامعة تعبر عن البوتقة التى أدت إلى هذه الثورة، لقد كانت أول جامعة مدنية فى العالمين العربى والإسلامى، وتكاملت مع جامعة الأزهر الدينية.وليس من الغريب أن يحاصر هؤلاء جامعة القاهرة، وهم الذين أعلنوا رسمياً فى السنة التى حكموا فيها مصر، أنهم سوف يعيدون «الكتاتيب»، أى العودة إلى ما قبل على مبارك، رائد التعليم فى مصر الحديثة، وليس من الغريب أن يحاصروا تمثال مختار، وهم الذين يريدون هدم كل التماثيل فى مصر، ولكن الغريب حقاً أنهم كانوا يطلقون على مشروعهم «النهضة»، والأغرب أنهم يقصون كل المصريين ما عداهم، ويتهمون الآخرين بالعمل على إقصائهم!