كتب : نجلاء أبوالنجا ومحمد عبدالجليل ونورهان طلعت منذ 34 دقيقة
خيبة أمل واضحة سيطرت على المشاهدين الذين انتظروا أن تقدم لهم المائدة الرمضانية وجبة دسمة من البرامج المهمة، سواء كانت برامج اعترافات أو برامج سياسية أو فنية أو حتى ترفيهية، لكن للأسف جاءت معظم هذه البرامج مثيرة للإحباط وبعيدة عن المستوى اللائق والمعتاد. وفى التحقيق التالى نرصد آراء عدد من أساتذة الإعلام والمنتجين فى برامج رمضان هذا العام.
يقول د. صفوت العالم، أستاذ الإعلام رئيس لجنة تقييم الأداء الإعلامى: انقسمت البرامج هذا العام إلى أكثر من فئة، منها الساخرة والسياسية والاجتماعية، فـ«الساخرة» بها مشكلات عديدة من ناحية الأفكار فى حد ذاتها؛ لأن الإضحاك من الممكن أن يكون بأكثر من طريقة بعيداً عن الاستهزاء بالفنان ووضعه فى مقلب ليكون فى طريق الموت ونضع أمامه ثعابين ومومياء مثلما حدث فى «رامز عنخ آمون» الذى عرّض ضيوفه لضغط نفسى كان من الممكن أن يعرضهم للموت أو السكتة القلبية إذا لم تكن هذه النوعية من البرامج تمثيلية، كما أن إضحاك الجمهور على حساب الفنان غير مقبول والتعليقات الساذجة من رامز جلال غير المناسبة للمواقف لا تليق، وهناك جانب آخر سيئ ظهر هذا العام وهو كثرة الشتائم من جانب الضيوف، أما بالنسبة إلى برنامج «من غير زعل» لريهام سعيد فاندهشت من اجتماع «ريهام» التى اعتدنا منها تقديم برامج ذات طابع إنسانى مع سعد الصغير ليقدما نموذجاً من السخرية بالفنانين، وكان من الممكن أن تحدث مواقف طريفة وتكون الفكرة وطريقة العرض مختلفة بعيداً عن الهبوط بالمستوى المهنى والاستخفاف بالفنان ومضايقته، وهذا الأمر ينطبق أيضا على بقية البرامج التى تستخف بالضيف وتستهين بعقل المشاهد مثل «فى الهوا سوا» لـ«إدوارد»، أما البرامج السياسية والاجتماعية فهى تسير على نفس الخط الذى تعوّدنا عليه منذ فترة، وتتعمد الإثارة والسخرية والانفعال والهبوط بمستوى القيم بالبحث عن الجانب الفضائحى فى الشخصيات وتعمد تشويه صورة الإسلاميين، وإذا استمر الإعلام بالسير على هذا المنهج سيشكل خطورة ويتسبب فى انقسام المجتمع؛ لأن السخرية من فصائل الإعلام السياسى سيكون تأثيرها قوياً على الأجيال المقبلة، وعلى سبيل المثال فى برنامج هالة سرحان «هالة شو» أنا مع هذا النوع من البرامج لكن بشروط؛ فلا يهمنى أن تكون الحلقات سجلت قبل 30 يونيو أو بعده؛ ففى النهاية البرنامج يتجه إلى تقسيم المصريين من خلال السخرية الزائدة من الإسلاميين، أما «نيشان» وبرنامجه «أنا والعسل» فدائماً ما يتعمد السير بأسلوب الخط اللبنانى الذى يهتم بالفضائح والتعظيم من صورة الأيقونة والآلة الشكلية المبهرة، فيقوم فى برنامجه بربط الفن بالفضائح بدليل اختياره لاعتماد خورشيد فى إحدى الحلقات التى تتعمد الإساءة لتاريخ الفن المصرى بقصصها عن الفنانات وعلاقتهن مع صلاح نصر.
ويتحدث د. سامى عبدالعزيز، عميد كلية الإعلام الأسبق، عن خريطة البرامج الرمضانية هذا العام قائلاً: للأسف وقعت كل البرامج التى قدمت هذا العام فى فخ التكرار والتقليد والتشابه، خاصة البرامج الحوارية وبرامج المقالب والكاميرا الخفية، فلم نلمح فى خريطة البرامج هذا العام أى فكرة جديدة أو مختلفة، واعتمدت البرامج الحوارية فى معظم الحلقات على نفس الأدوات النمطية والقوالب الثابتة ونفس الطريقة فى إدارة الحوار والرغبة فى الإيقاع بالضيف وانتزاع اعترافات منه، وللأسف قيم الثورة وطموحات الشعب لم تنعكس على نوعية البرامج المقدمة هذا العام، وإن كنت أرى أن أفضل هذه البرامج هو برنامج «يا ثورة ما تمت» الذى يذاع على قناة «المحور»؛ لأنه يحتوى على بعض الأفكار المميزة التى تتم مناقشتها بشكل يتجاوز فكرة المقلب، أما الأسوأ فى رأيى فهو برنامج «من غير زعل» الذى يذاع على قناة «النهار»؛ لأنه يحتوى على جرعة كبيرة من التجريح الفج والمفتعل والذى لا يمثل أى مصدر جذب للمشاهد كى يتابعه، وربما بسبب زيادة جرعة السياسة المتزايدة لأول مرة فى رمضان هذا العام لا ينبغى علينا أن نتجاهل برامج «التوك شو» التى احتلت مكانا كبيرا على خريطة الفضائيات هذا العام، وكان برنامج «القاهرة 360» لأسامة كمال هو الأبرز بينهم، وذلك بسبب اختياراته للضيوف، وهدوئه وتوازنه فى إدارة الحوار رغم وضوح توجهه السياسى.
أما د. سامى الشريف، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، فيقول: جاء عدد البرامج التى قدمت هذا العام مفاجئاً، بسبب ما أشيع عن أزمة الإنتاج والتسويق، لكن فى النهاية نستطيع أن نقول إن هذا الإنتاج رغم الزيادة الكمية لم يأتِ بأى إضافة على المستويين الفنى والتقنى؛ فكلها أفكار مكررة ولا يوجد بها شىء مميز يجعلنا نتوقف أمامه، وإن كان الاستفزاز فى برامج المقالب جعلها تخرج على القيم المهنية المعهودة، ويقدمها بعض أنصاف النجوم بثقل ظل، خاصة برنامج «رامز عنخ آمون» و«من غير زعل» و«دوس بنزين» التى تضع ضيوفها فى مواقف تتنافى مع الأخلاقيات وتنتهك كل المعايير المتعارف عليها، وكان حضور برامج «التوك شو» فى رمضان هذا العام لافتاً، خاصة فى ظل الأحداث السياسية التى سيطرت على المشهد العام الذى جعل الجمهور يبحث عن هذه البرامج أكثر من النوعيات الأخرى التى اعتادها فى رمضان، وفى رأيى أن الأكثر تميزاً فيها برنامج عمرو أديب و«القاهرة 360» لأسامة كمال على «القاهرة والناس»، وأيضاً «الشعب يريد» للإعلامى أحمد موسى على «التحرير».
أما سحر مصطفى، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، فتقول: برنامج «هالة شو» متميز ولا يوجد به خروج على الآداب العامة، و«هالة» جريئة فى الحوار وطرح الموضوعات، والسياسة لم تسيطر بشكل كبير على البرنامج، وفكرته تصل للمواطن البسيط، أما برنامج «نيشان» فلا يصلح لرمضان؛ لأن الجمهور لا تهمه قصص الفنانات وعرض تفاصيل حياتهن والبلد فى أوضاع سياسية ملتهبة، أما رامز جلال وبرنامجه «رامز عنخ آمون» فالألفاظ خارجة وطريقته وأسلوب البرنامج تعلم الأطفال السلوك السيئ، وأعتقد أن الجمهور لم يعد «يخيل عليه» مثل هذه البرامج التى أصبحت بالنسبة له مجرد هيافات، وهو نفس ما ينطبق على باقى برامج المقالب «من غير زعل» و«فى الهوا سوا».
وأخيرا يقول المنتج طارق الشورى: هناك أسباب عديدة أدت إلى تدهور مستوى البرامج هذا العام، أهمها: الأزمة الاقتصادية وما ترتب عليها من أضرار، فكل المنتجين ترددوا فى خوض التجربة هذا العام؛ لأنهم ببساطة لم يحصلوا على مستحقاتهم المادية منذ رمضان الماضى وقبل الماضى، ولهذا لم يتحمسوا للإنتاج هذا العام، فظهرت البرامج دون المستوى، ويغلب عليها الاستسهال والفبركة؛ لأن أى منتج يريد تقديم برنامج وينفق عليه ابتداء من إعداد الديكور وحتى أجور النجوم لا بد أن يضمن أن أمواله ستعود ولن يخسر، والفترة الماضية لم تكن مأمونة على كل المستويات؛ لذا فكل من أنتج برامج «استرخص» وصورها باستعجال شديد وفى آخر وقت؛ لذا خرجت مشوهة لأقصى حد، وقد طلبت منى إحدى القنوات أن أنتج معها برنامجا يوم 19 يونيو على أن أنتهى منه قبل يوم 30 من نفس الشهر فرفضت على الفور؛ لأن الأمر يحتاج لتحضيرات كثيرة ووقت ولن أقوم بسلق البرنامج. أما برامج الترفيه فكانت شديدة السوء، واعتمدت على السخافة ورعب الضيوف، والغريب أن صناعها ينظرون لها على أنها برامج تافهة لكنها شديدة الصعوبة؛ لأن الضحك من أصعب الأشياء، ولم يكن يوما مرادفا للخوف أو الرعب الذى يحدث للضيوف فى كل البرامج التى يطلقون عليها ترفيهية أو كاميرا خفية.