سبحان الله الذى قدر أن يأتى رمضان فى هذه الفترة كعلاج سريع وشافى لمشكلة شق الصف المصرى بعد هذه الفترة الحرجة والعصيبة التى يمكن أن تقضى على كثير من الأمم والدول، وإن دل ذلك على شيئا إنما يدل على مدى رعاية الله لنا وللمصرين.
فالصوم يقدم لنا العديد من الوصفات النفسية التى إن استخدمناها فى موضعها الصحيح واستفدنا منها كان لها بالغ الأثر فى علاج مشكلة شق الصف المصرى حاليا، فأول هذه الوصفات أن الصوم ينمى الشعور بالانتماء لأمة المسلمين التى تؤدى الشعيرة ذاتها فى وقت واحد يتوقفون عن الطعام والشراب معا ويفطرون معا، وفى رمضان تزدحم المساجد بكل التيارات السياسية يصلون معا فى صف واحد ويقومون بالسلام على بعضهم البعض بعد انتهاء الصلاة دون أن تسأله عن انتمائه السياسى.
وهنا لا يجب أن نبحث مدى إيمانه أو تدينه لأن الأمر بينة وبين الله فقط يجب علينا نحن البشر أن نأخذ بالظاهر فقط وإننا كلنا شعب واحد مسلمون جميعنا نصلى معا ونصوم معا ونفطر معا وأن الخلافات بيننا هى خلافات سياسية وليست خلافات دينية وإن الإسلام واحد باقى ولا يرتبط بوجود أشخاص أو بزوالهم وسبحان الله الذى حفظ الإسلام بعد رحيل الرسول الكريم محمد ابن عبد الله فهل يمكن إن يضيع الإسلام بعد رحيل شخص ما يصيب ويخطئ.
الوصفة الثانية هى أن الصوم فرصة أن يزيد الصائم من الشعور بقوة الإرادة والعزيمة من خلال الصبر على الرغبات والامتناع إراديا عنها، وتنمية القدرة على تأجيل الإشباع للحاجات الشخصية، وصفة الصبر من أهم الصفات التى نحتاج لها حاليا حنى يكتمل بناء الدولة ونحقق النهضة الحقيقية، فالرخاء لن يتحقق بين يوم وليلة ولكنة يحتاج لوقت نتحلى فيه بالصبر أملا فى المستقبل الذى نأمله.
وما يسعدنا على الصبر هو أن يكون هناك هدف واضح وصريح وطريق من عدة خطوات عندما نتخطى خطوة نشعر بارتياح لقربنا من تحقيق الهدف والبعد عن الهاوية. والصوم بما يمنحه للصائم من أمل فى ثواب الله وممارسة العبادات مثل الانتظام فى ذكر الله وانتظار الصلاة بعد الصلاة فى هذا الشهر والتوبة والتخلص من مشاعر الإثم وتأنيب الضمير يجدد الرجاء لديه فى الخروج من دائرة اليأس والاكتئاب ويفتح الأمل من جديد وتبعد الأذهان عن التفكير فى إيذاء النفس بعد أن يشعر الشخص بقبول النفس والتفاؤل.
كما أن شعور الاطمئنان المصاحب لصيام رمضان، وذكر الله بصورة متزايدة خلال رمضان فيه راحة نفسية وطمأنينة تسهم فى التخلص من مشاعر القلق والتوتر التى نعيش فيها جميعا حاليا.
الوصفة الثالثة هى الشعور بالرضا من خلال نجاح الإنسان بضبط نفسه والتحكم فى إرادته مما يزيد من الثقة بالنفس، فالصيام يساعد على تنمية القدرة على الضبط وقوة التحمل إذا صام المسلم، كما يأمرنا بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بالامتناع عن الغضب وعن ردود الفعل، وهنا رسالة أن نتقبل الأخر دون انفعال دون استخدام للعنف أو لفرض الرأى أو لإرهاب الغير. وهذه هى بداية للمصالحة الوطنية التى نحتاجها الآن.
الوصفة الرابعة التى يقدمها لنا رمضان هى العمل الجماعى والبعد عن الفردية، فان المشاركة مع الآخرين فى الصيام والعبادات والأعمال الصالحة خلال رمضان يتضمن نهاية العزلة والتفكير الأحادى فى المصلحة الشخصية فقط دون النظر فى مصلحة الجماعة والأمة.
إن من أكثر العوامل التى تقى الإنسان وتحميه من الإصابة بالإمراض النفسية هو وجود شبكة اجتماعية من الأصدقاء والأقارب تدعمه وتساعده، وهو ما يتوافر فى هذا الشهر الكريم باجتماع الأسرة على الطعام فى وقت واحد والصلاة فى جماعة وبالزيارات الأسرية. وفى المرحلة الحالية نحتاج أن نعمل كلنا عمل جماعى تحت هدف واحد كبير لأن العمل الفردى لا ينهض بالأمم ولكن يحقق المصالح الشخصية فقط.
وأخيرا الصيام يعطى للإنسان إحساسا بالطمأنينة، لأنه يتقرب من ربه مما يحقق له الإحساس بالعدالة، ويقوى من تحمل الظروف الصعبة التى تواجهه فى الدنيا، وما قد يتعرض له من ضغوط وأحيانا إحساسه بالظلم؛ لاقتناعه بأن الله سوف يعوضه، مما يعطيه الراحة النفسية والهدوء والصبر على الابتلاء طمعا فى الأجر عند الله، لأن الإنسان يحتاج إلى الحماية من قوة كبيرة تدفع عنه الشر والضرر وتحميه من مستقبل غامض لا يعرف عنه شيئا، ولاشك أن المجهول هو أكثر ما يخيف الإنسان ويربكه ويسبب له التوتر والقلق.