أخبار عاجلة

«جدار برلين» في قصر العيني.. المجهول على ضفتين

حين تحسست بعضا من بقايا جدار برلين الثاوية في متحف (نيوزيام) بالعاصمة الأمريكية واشنطن قبل سنوات، كان قد تبلور بداخلي شعور مكتمل بأن الجدران مصيرها الهدم، وأن الفصل بين أبناء الشعب الواحد، مآله دوما إلى نهاية دراماتيكية في وجه السلطات التي أقرت هذا الفصل.

لا أكاد أبالغ إذا قلت أن كل مرة رأيت فيها الجدران الفاصلة بين شارع قصر العيني ومحيطه، تنتاب أناملي نفس الرعشة الباردة التي غلفت أطرافي حين ِملت إلى هذا الجزء المتهدم من جدار برلين، والذي كان يحمل كتابات ورسومات أقرب للجرافيتي بالمطبوع اللون الأحمر، ولمسته لأتحقق من هذا الحدث الذي كنا نتابع تصويره الوثائقي قبل أكثر من عشرين عاما في برنامج "حدث في مثل هذا اليوم".

وإذا ما بدا جدار برلين بفصله بين الألمانيتين الشرقية والغربية، حاجزا نفسيا وثقافيا واقتصاديا، بين ضفتي شعب، فإن جدار قصر العيني في طريقه إلى أن يحوز رمزية مماثلة في الأذهان.

لكن سيادة اللواء لا يفهم.

(2)

"كنت في موسكو نائما أثناء الليل. في وقت مبكر من الصباح اتصل بي السفير وأعلمني
> بما حدث. عندها قلت في قرارة نفسي : كان ينبغي توقع ذلك لأن الألمان فتحوا ثغرات في الجدار. لكن بما أن ذلك لم يكن كافيا، قام الناس بتحطيم الجدار في نهاية المطاف. ثلاثة ملايين شخص مروا إلى الجانب الآخر للحدود خلال الأيام الثلاثة الأولى في كلا الاتجاهين. يمكننا أن نفهم هذه الأمة التي تم فصلها عن بعضها البعض لأربعين سنة عندما لم يكن بإمكان الناس رؤية عائلاتهم. لقد كانت مأساة حقيقية."

هكذا وصف ميخائيل جورباتشوف الرئيس السابق للاتحاد السوفييتى والحزب الشيوعى السوفييتى سقوط حائط برلين فى توصيف ربما نقرأه على الحساب الشخصى لأحد النشطاء المصريين بعد هدم الجدار الفاصل بين قصر العينى الشرقى والغربى، مع اختلاف كلمة "موسكو" التى تتصدر العبارة.

بالطبع لا يفصل جدار قصر العيني بين العائلات بمقدار يبدو مثل "العمل الردي" الكفيل بعكننة سكان المنطقة وموظفيها والمارين في طرقاتها.

لكنه، من ناحية أخرى، أصبح رمزا للمواجهة المحتملة والوشيكة بين "غاضبين" وبين "الداخلية"..وربما رغم عدم الوجاهة العملية لاتخاذ جدران ودروع أسمنتية بين الشرطة والمواطنين إلا إذا كنا حيال دولة مرتعبة وجهاز أمني غير كفؤ..فإن وجود الجدار في حد ذاته، ينذر أن هناك مواجهة مرتقبة دوما.

وحتى لو لم تكن هناك مواجهة مرتقبة، فإن هذا التمترس يخلقها في النفوس ويمهد لها في أذهان الذين سيقومون بها أو في أدمغة الذين سيتلقون خبر المواجهة فالاقتحام والهدم باعتيادية مبالغ فيها!

(3)

قبل 7 سنوات، وفي مهاتفة تليفونية مع خبير أمني متقاعد من وزارة الداخلية، قال لي : "الذين يفكرون في إحاطة شرم الشيخ بسور أسمنتي لحمايتها، لا يفكرون بعقلية أمنية، بل أخشى القول إن هذا تفكير خريجي كلية زراعة وليسوا خريجي كلية شرطة!" ثم أردف ما يمكن اعتباره سبابا بحق الذين يفكرون في الجدران والمتاريس حلا لمواجهة الـ"شيء ما" الذي ينتظرهم في المستقبل القريب.

(4)

انتجت السينما العالمية مجموعة من أبرز أفلامها الدرامية والوثائقية عن جدار برلين منها "حياة الآخرين" و"جنازة فى برلين" و"واحد.. اثنان.. ثلاثة" و"وداعا لينين" و"الجاسوس الذى جاء من الجانب البارد" و"سقوط جدار برلين من التقسيم إلى الوحدة" وغيرها، بما يثبت بالدليل القاطع أن بناء الجُدُر والفواصل بين الشعب الواحد ينمى الطاقة الفنية للشعوب ويحثها على الإبداع.

(5)

ربما تشهد الفترة المقبلة الكثير من التظاهرات والاشتباكات بعد إعلان المشير عبد الفتاح السيسى رسميا عن ترشحه بما يتطلب جهدًا مضاعفًا من وزارة الداخلية والقوات المسلحة للفصل بين المتظاهرين وموتوري الإخوان وكل الذين يعنيهم ترشح الرجل سلبا أو إيجابا، وللتسهيل على السادة المواطنين سيتم استكمال البوابات الحديدية فى كل ميادين الجمهورية وتحديد الجانب الشرقى لأنصار السيسى والجانب الغربى لأنصار الجماعة، ليرفع كل حزب شعار "من أنصارى إلى الله؟"

(6)

حين ينهدم الجدار، سيكون هناك عشرات الجاهزين بكاميراتهم ليصوروا اللحظة، بينما يهرول جنود أمن مركزي بسطاء في كل الشوارع بلا وجهة، بعدم اقتحم عليهم القادمون من المجهول جدار حمايتهم الهش.

SputnikNews