أخبار عاجلة

فى ذكرى « ليست تونس»

حين كتبت عقب اندلاع الثورة التونسية مقالاً سميته « ليست تونس» تحدثت فيه عن الفروقات الاجتماعية والسياسية والثقافية بين البلدين، اعتبره ثوار ومناضلو «فيس بوك» تحريضا ضد قيام الثورة فى مصر، ولأن الثورة ليست هدفا ولا مهنة ولا وظيفة إنما هى حالة اضطرارية تتمنى المجتمعات الطبيعية ألا تقع فيها ولا تدفع ثمنها، فإن النجاح الحقيقى ليس فى إشعالها، إنما فى القدرة على بناء نظام سياسى جديد، بصرف النظر عن الوسيلة ما إذا كانت ثورة أو إصلاحا.

وبعد مرور أكثر من 3 أعوام على اندلاع الثورة فى كلا البلدين، اتضح بما لا يضع مجالا للشك أن مصر ليست تونس، وليست أيضا تركيا التى توهم البعض أن احتجاجاتها ستوصل لنفس النتائج المصرية، وأن الأسباب الاجتماعية والسياسية التى سبق أن ذكرتها، وتفرق بين مصر وتونس، كانت السبب وراء الاختلاف البين بين مسارى التجربتين.

إن وجود الاتحاد التونسى للشغل كنقابة عمالية عملاقة تختلف تماما عن الاتحاد العام لعمال مصر، جعل هناك طرفا مستقلا ومقبولا شعبيا غير الجيش قادرا على أن يلعب دور الوسيط الضامن بين فرقاء الساحة السياسية، كما أن التقاليد المدنية الأكثر عمقا فى تونس والفارق بين نظامى بن على ومبارك، (كما جاء فى المقال المذكور)، وطبيعة حركة النهضة، التى رغم انتمائها لمدرسة الإخوان المسلمين فإن وجودها على الساحة التونسية كحزب سياسى وليس كجماعة دينية مغلقة جعلها قادرة على تقديم تنازلات للقوى السياسية الأخرى لم يقم الإخوان بأى منها فى مصر.

إن تونس التى كتبت عشرات المقالات عنها قبل وأثناء وبعد ثورتها (ثورة تونس الملهمة، وتونس المهنية، ونجاح تونس) تظل مختلفة عن نظيرتها المصرية فى الفارق السكانى والوزن الاستراتيجى ونسب الفقر والأمية المختلفة بين البلدين، فهناك أمور كثيرة تتقدم فيها مصر كدولة إقليمية كبرى عن تونس، وهناك أمور أخرى ذات طابع اجتماعى تتقدم فيها تونس عن مصر، وفى كل الأحوال يجب ألا يعتبر التفاوت مصدرا لأى حكم قيمى بالأفضلية والتفوق، إنما هو سيؤثر فى النتائج، ولا يمنع الثورة التى هى فى حد ذاتها ليست الغاية. لقد أنتجت الخلفية الاجتماعية والثقافية للمجتمع التونسى حزبا إسلاميا قبِل أن يقدم تنازلات حقيقية للقوى الأخرى، وليس كما جرى الحال مع إخوان مصر، فالحكومة التى سيطر عليها حزب النهضة تغيرت مرتين نتيجة ضغوط المعارضة والشارع، (فى التغيير الأخير قبلت برئيس حكومة من خارجها)، فى حين أن مرسى وجماعته تمسكوا بالحكومة الفاشلة حتى آخر لحظة، تنفيذا لأوامر الجماعة السرية التى كانت تحكم البلاد.

إن وجود حزب سياسى إسلامى يشارك فى السلطة فى تونس أمر يختلف جذريا عن وجود جماعة عقائدية مغلقة تحكم من وراء الستار فى مصر، ففى الأولى قد يرتكبون أخطاء، وقد تتم تنحيتهم عن السلطة بالضغوط الشعبية أو الانتخابات الديمقراطية، أما فى الثانية فلن تفلح الضغوط الشعبية، ولن تكون هناك انتخابات ديمقراطية، ولم يكن هناك بديل إلا بنزول الملايين فى الشوارع وجيش وطنى ينحاز للإرادة الشعبية.

إن مقالى المذكور فى منتصف شهر يناير 2011 لم يشد مطلقا بنظام مبارك كما فعل أنصاره، إنما تحدث عن الفروقات الاجتماعية والسياسية بين البلدين، واحتاج الأمر إلى ثلاث سنوات لنكتشف جميعا بما لا يدع مجالا للشك أن مصر ليست تونس، وأن المسار الذى أخذته تونس يختلف عن المسار الذى أخذته مصر لأسباب ليست بعيدة عما جاء فى المقال.

amr.elshobaki@gmail.com

SputnikNews