أخبار عاجلة

الإرهاب والعولمة ...رفقاء وفرقاء «2- 2»

فى مقالى السابق تعرضت لكتاب "روح الإرهاب" للفيلسوف الفرنسى جان بورديار، وهو مجموعة مقالات كتبت عقب أحداث 11 سبتمبر ونقلت عنه بضع نقاط مهمة، منها كيف أعتبر بورديار الإرهاب كالفيروس ملاصق كالظل لنظامنا العالمى.

ولكى نحيط بسمات الإرهاب علينا القيام بتأصيل وجيز لهذه العولمة فى علاقتها مع العام والخاص .

يوضح بورديار أن هناك تشابها خادعا بين لفظى العالمى mondial والعام universel، العمومية هى عمومية حقوق الإنسان، والحريات، والثقافة، والديموقراطية. أما العولمة، فهى عولمة التقنيات، والسوق، والسياحة، والإعلام، تبدو العولمة ذات اتجاه لا محيد عنه، فى حين أن العام فى طريقه إلى التلاشى.

الواقع أن العام يهلك فى العولمة، عولمة التبادلات تضع نهاية لعمومية القيم، وانتصار الفكر الوحيد على الفكر العام. لا يعود ثمة اختلاف بين العالمى والعام ، فالعام نفسه تعولم، والديمقراطية وحقوق الإنسان تعبر الحدود كأى نتاج عالمى، كالنفط أو كرؤوس الأموال. يتجذر الوضع بقدر ما تفقد القيم العامة سلطتها وشرعيتها.

العولمة المنتصرة قضت على كل الاختلافات وعلى كل القيم.

امتلك العام حظه التاريخى، أما اليوم، وهو يواجه من جهة نظاما عالميا بلا بديل، ومن جهة أخرى انحراف أو تمرد الخصوصيات، فإن مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان باتت باهتة، بما أنها لم تعد إلا أشباح عام مندثر.

وفى مواجهة قوة العولمة المهيمنة والمذيبة، نشهد قيام قوى متباينة فى كل مكان، لا مختلفة فحسب بل متخاصمة، ووراء ضروب المقاومة المتنامية فى حدتها للعولمة، نرى أكثر من رفض ذهنى، فهو يتخذ مظاهر عنيفة وغير عادية ولا عقلانية، صورا جماعية إثينية ودينية ولغوية، هذه الانتفاضات التى يمكن أن تأخذ مظاهر إرهابية، تقف أمام هذه العمومية المجردة. وعداوة الإسلام للقيم الغربية جعلته العدو رقم واحد.

ليست الخصوصيات عنيفة بالضرورة ولكن منها العنيفة، والإرهاب واحد منها. إنها الخصوصية التى تنتقم لكل الثقافات الخصوصية التى دفعت تلاشيها ثمنا لإقامة هذه القوة العالمية الوحيدة .

بالنسبة للقوة العالمية وهى أصولية بقدر الأرثوذكسية الدينية، كل الصور المختلفة والخصوصية هرطقات، وبهذه الصفة فهى مكرسة إما لدخول أراضيه أو الدخول فى النظام العالمى وإما التلاشى .

الثقافة الغربية التى أضاعت قيمها لا تستطيع إلا أن تنتقم من قيم الثقافات الأخرى .

إن وضع النظام العالمى هو نتيجة غيرة ضارية: غيرة ثقافة لا مبالية وذات مستوى وضيع إزاء الثقافات ذات المستوى الرفيع، ثقافة خالية من القدسية إزاء الثقافات أو الصور القربانية.

بالنسبة لنظام كهذا، كل شكل عاص هو بالقوة إرهابى .

هذه المواجهة لا يمكن أن تفهم إلا فى ضوء الالتزام الرمزى. يجب لفهم كراهية باقى العالم نحو الغرب أن نقلب كل المنظورات. ليست كراهية أولئك الذين أخذنا منهم كل شىء ولم نرد لهم شيئا، بل كراهية الذين أعطيناهم كل شىء دون أن يتمكنوا من رده. إنها ليست كراهية انتزاع الملكية والاستغلال ، بل هى كراهية الإذلال .

أساس كل سيطرة، غياب المقابل، الهبة من طرف واحد هى فعل سلطة، وإمبراطورية الخير وعنف الخير، هو بالضبط العطاء دون مقابل ممكن- أى أن تحتل مكان الإله، او مكان السيد، الذى يترك الحياة للعبد مقابل عمله، لكن العمل ليس مقابلا رمزيا، الجواب الوحيد هو فى النهاية الثورة أو الموت. فى النظام التقليدى هناك دائما إمكان الرد للإله أو للطبيعة أو لأى هيئة ما من خلال التضحية، هذا يؤمن التوازن الرمزى للكائنات وللأشياء. اليوم ليس لدينا شخص نرد له الدين الرمزى وهذه هى لعنة ثقافتنا. نحن على هذا النحو فى وضع محتوم من التلقى، من قبل نسق تقنى للتبادل المعمم، كل شىء معطى لنا فرضيا، ولدينا الحق فى كل شىء ، بالرضا أو الاكراه، نحن فى وضع العبيد الذين تركت لهم الحياة والذين ارتبطوا بدين لايمكن التحلل منه . وفى لحظة ما ، تتغلب القاعدة الأصولية ، ويتم الرد على هذه الهبة بتصرف عنيف لهذه الحياة الأسيرة ، لهذا الوجود المحمى ، لهذا الإشباع فى الوجود، يتخذ هذا الارتداد إما صورة عنف مفتوح (الإرهاب جزء منه ) أوصورة إنكار عاجز .

إذا كان الإرهاب ينبثق على هذا النحو من هذا الإفراط فى الواقع ومن تبادله المستحيل، ومن هذه الوفرة بلا مقابل ومن هذا الحل الإجبارى للصرعات، فإن وهم استئصاله بوصفه شرا موضوعيا وهم شامل، بما أنه على هذا النحو الذى هو عليه فى عبثيته ولا معناه، هو الحكم والعقوبة التى يحكم بها هذا المجتمع على نفسه.

إن النتيجة التى وصل لها جان بودريار بعدم إمكانية القضاءعلى الإرهاب، لأنه فى الحقيقة جزء دفين من النظام، ربما يواجه معارضة لكننى وجدته حديثا يستحق أن يروى، وينشر فى هذه الفترة .

EKTEBLY@HOTMAIL.COM

SputnikNews