أخبار عاجلة

«مبارك» فى مذكراته: مطارات كانت «مكشوفة» لإسرائيل.. وضربة 67 لم تكن عبقرية أو معجزة

«مبارك» فى مذكراته: مطارات مصر كانت «مكشوفة» لإسرائيل.. وضربة 67 لم تكن عبقرية أو معجزة «مبارك» فى مذكراته: مطارات كانت «مكشوفة» لإسرائيل.. وضربة 67 لم تكن عبقرية أو معجزة
«الوطن» تواصل الانفراد بنشر مذكرات قائد القوات الجوية فى حرب أكتوبر .. «الحلقة الثالثة»

كتب : نشوى الحوفى الأحد 29-09-2013 10:13

قبل أن يذهب الفريق طيار حسنى مبارك فى مذكراته «كلمة السر» إلى الفصول التى يشرح فيها كيف تحقق نصر أكتوبر، فإنه يحلل تفاصيل العملية العسكرية الإسرائيلية ضد يوم ٥ يونيو ١٩٦٧، ويجرى مبارزة مع قائد سلاح الجو الإسرائيلى مردخاى هود، كاشفا عن أن خطته كانت من وضع خبراء العسكرية الفرنسية البريطانية.

وفى الكتاب الذى تنشره دار نهضة مصر يوم ٢ أكتوبر، وحرر نسخته الأولى فى ١٩٧٨ المرحوم الأستاذ محمد الشناوى، وحرر نسخته الأحدث فى ٢٠١٣ وكتب تقديم الكتاب الكاتب الصحفى عبدالله كمال، يكشف «مبارك» سرا تاريخيا عن أن مطارات مصر كلها كانت مكشوفة لإسرائيل معلوماتيا بسبب خدمة القائد الإسرائيلى عيزرا وايزمان فى الجيش البريطانى خلال احتلاله لمصر.

يقول «مبارك» فى هذا الجزء من مذكراته: إن إسرائيل تعرف -بلا شك- أن كاتب هذه المذكرات طيار مقاتل، درس ومارس التخطيط والقتال الجوى، بالمستوى الذى يجعله قادراً على الحديث عن أى خطة جوية، حديث من يعرف دقائق العملية وأسرارها، بكل ما فيها من نواحى الامتياز والقصور، وبكل ما حوت من تقليد أو تجديد.

وإذا كان هناك احتمال للتعصب من جانبى ضد خطة الجنرال الإسرائيلى مردخاى هود -كما رُسمت ونُفذت- بحكم العاطفة الوطنية، فإن الضمان الوحيد لكشف الحقيقة، والحقيقة وحدها -فى تلك الخطة التى تحولت بفعل الدعاية إلى أسطورة- هو الاتفاق منذ البداية على أسس موضوعية للتحليل، وقواعد ثابتة معترف بها فى جميع مدارس الفكر العسكرى ومناهجه، شرقية كانت أم غربية. ثم ننطلق من هذه الأسس والقواعد المتفق عليها علميا، إلى تطبيق صحيح لدقائق الضربة الإسرائيلية لطيران مصر.

إذا سرنا خطوة أبعد -على طريق التقييم العلمى للخطة العسكرية- لكى نسمح لأنفسنا بوصفها بأنها عبقرية أو معجزة، يجب أن يكون واضع الخطة نفسه قد أعطانا المبرر العملى لهذا الوصف، وذلك بتحقيق شرطين أساسيين:

1- الابتكار والتجديد فى وضع عناصر العملية القتالية كلها، سواء من ناحية التوقيت للضربة الأولى، أو وسائل تجميع العناصر المشتركة فى القتال.

2- وضع الحلول الممكنة -والمبتكرة فى نفس الوقت- للمشاكل القائمة على الجانبين، سواء بالنسبة لجبهة واضع الخطة نفسه، أو المشاكل الناجمة عن موقف جيد يتمتع به الخصم.

ويضاف إلى هذين الشرطين عنصر مهم لا بد من توافره -فى الخطة الممتازة، فضلاً عن العبقرية أو المعجزة- هو الإعداد المسبق للحلول العاجلة والبسيطة، لجميع المواقف المعوقة التى يمكن أن يفكر الخصم فى اللجوء إليها، عملاً بمبدأ عسكرى متعارف عليه، هو أن القائد الناجح هو الذى يؤمن بأن العدو عنده دائماً ما يخفيه.

المساحة الهائلة لأراضينا تحتاج لإمكانات ضخمة من وسائل الإنذار المبكر لقطع الطريق على أى عمليات هجومية مفاجئة

إن أصول «النقد الموضوعى» لأى خُطة قتالية تحتم علينا -تطبيقاً لمبادئ الفكر العسكرى السليم- أن نلقى بنظرة فاحصة على الظروف السياسية والنفسية والعسكرية المتوافرة على الجانبين المتحاربين.. سواء قبيل العملية القتالية، أو خلال تنفيذها، أو بعد الفراغ منها.. واضعين فى الاعتبار جميع الاحتمالات التى يُمكن أن تؤدى إليها العملية القتالية موضوع الخطة.

فى القاهرة، كانت الأحداث تتلاحق بسرعة مذهلة، ويتصاعد الموقف بشكل لا يترك فرصة لالتقاط الأنفاس:

1- رؤساء الوحدات وقادة الأسلحة المختلفة فى الجيش المصرى، يتلقون الأمر اليومى رقم «1» الذى يقول: «أعلنت حالة الاستعداد القصوى ابتداءً من يوم 15 مايو، الساعة 1430، وتغادر الفرق والوحدات التى أعدت للعمليات مراكزها الحالية، وتتحرك نحو مناطق التجمع والانتشار التى خُصصت لها، وتستعد القوات المسلحة للانتقال للقتال على الجبهة الإسرائيلية، طبقاً لسير العمليات».

2- قرار مصرى بسحب قوات الطوارئ الدولية المتمركزة على الجانب المصرى من الحدود الفاصلة بين مصر وإسرائيل.. ثم إغلاق مضيق تيران فى المدخل الجنوبى لخليج العقبة -وهو شريان الحياة الوحيد للعلاقات النامية بين إسرائيل ودول أفريقيا والشرق الأقصى ومنابع البترول مصدر الطاقة الذى لا حياة لها من دونه.

3- مؤتمر صحفى عالمى يعقده المرحوم الرئيس السابق جمال عبدالناصر، ويعلن فيه -أمام المئات من الصحفيين ومراسلى وكالات الأنباء العالمية- تهديده لإسرائيل بإلقائها فى البحر، إذا نشبت الحرب بينها وبين مصر، أو إذا جازفت بالهجوم على سوريا.

4- لقاء بين جمال عبدالناصر وبين أعضاء «اللجنة المركزية لاتحاد النقابات العربية» يعلن فيه أنه «إذا هاجمت إسرائيل سوريا أو مصر، فإننا جميعاً سندخل الحرب ضدها، وسيكون هدفنا الأساسى هو تدمير إسرائيل.. إننى لم أكن أستطيع أن أقول مثل هذا الكلام منذ ثلاث سنوات أو خمس، وليس من عادتى أن أعد بشىء لست قادرا على تحقيقه.. أما اليوم فإننى مقتنع بانتصارنا.. إن مصر تتوقع فى كل لحظة هجوم إسرائيل، الذى سيتيح لنا الفرصة لتدميرها».

إن الجانب السياسى فى خطة مردخاى هود كان بالنسبة له جانباً قهرياً، لا فضل له فى تحديد معالمه، ولم نبعد دوره فى الاستفادة من خطأ قائم بالفعل على الجانب المصرى.. ومن ثم نسأل: هل كان الجنرال الإسرائيلى يستطيع أن يحدد لتنفيذ خطته الهجومية -لضرب الطيران المصرى- موعداً يسبق 5 يونيو ببضعة أشهر، أو يتأخر بضعة أشهر وحتى بضعة أيام عن الموعد الذى نفذت فيه بالفعل؟

أنتقل الآن إلى الموقف العسكرى نفسه لكل من طرفى الصراع، لنلقى نظرة فاحصة على هذا الجانب؛ لأن التعرف على هذا الموقف، قبل العملية أو بعدها، ضرورى لإصدار حكم منصف، سواء بالنسبة لقواتنا المسلحة -خاصة قواتنا الجوية.. الهدف الأول لضربة 5 يونيو- أو بالنسبة للعدو نفسه.

ونظرا لاتساع رقعة «الموقف العسكرى» -الذى يشمل عادة القوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوى- فإننا سنتجه فى هذا التحليل إلى موقف القوات الجوية وظروفها على جانبى جهة الصراع لتحليل عناصر الضربة الإسرائيلية للطيران المصرى صباح 5 يونيو، ورد هذه الخطة إلى حجمها الصحيح، المتواضع للغاية من ناحية التخطيط العسكرى السليم.

أتوجه بسؤال أولىّ ومهم للغاية إلى واضع الخطة الإسرائيلية -الجنرال مردخاى هود- وهو السؤال الذى لا شك أن الجنرال الإسرائيلى قد ووجه به من خبراء القتال والتخطيط الجوى القائم على القواعد المتعارف عليها فى الفكر العسكرى -بعيداً عن كل ضوضاء ودعايات الحرب النفسية- التى شنتها إسرائيل ضدنا بضراوة لا تعرف الرحمة، والسؤال الذى أعنيه يقول ببساطة:

إذا كان مردخاى هود يعرف -بحكم منصبه كقائد لسلاح الطيران الإسرائيلى فى عام 1967- كل شىء عن إمكانات هذا السلاح عدداً وعتاداً وتدريباً.. فماذا كان يعرف بالضبط عن قدرات العدو الذى يخطط لضربه؟ ثم ما البدائل التى كان من المحتم عليه أن يعدها، أو -على الأقل- يُفكر فيها، لو فاجأه العدو الجوى -المصرى- بما لم يتوقعه، عملاً بالقاعدة المعروفة التى تقول «إن العدو عنده دائما ما يخفيه»؟

توضيحا لأهمية هذا السؤال، نطرح المبادئ الثلاثة الأولية فى التخطيط لأى عملية قتالية، خاصة فى القتال الجوى، وهى:

1- أن يطمئن واضع الخطة إلى أنه يملك القوات الضاربة التى تستطيع تنفيذ الخطة فى أسرع وقت، وبدقة كاملة، وبأقل قدر من الخسائر.

2- أن تكون لدى واضع الخطة صورة دقيقة -أو أقرب ما تكون للدقة- عن إمكانية العدو الجوى ودفاعاته، خاصة فى الساعة «س» التى يحددها المخطط العسكرى لتنفيذ عمليته الهجومية.

3- التفكير فى كل «البدائل» الممكنة فى مواجهة جميع «الاحتمالات» المفاجئة، التى يُمكن أن يلجأ إليها العدو، سواء لتحويل الضربة عن هدفها أو للتقليل من حجم الخسائر الناجمة عنها، أو ردها على العدو المهاجم، للإيقاع به فى شرك خداعى لم يحسب حسابه.. والمبدأ الأخير بالذات يصرخ بالتحذير فى أذن المخطط العسكرى: لا تستهِن بالخصم مهما بدا لك من ضعفه -الذى قد يكون ظاهرياً- ولا تغتر بقوتك التى قد تؤدى بك إلى الهلاك.

هذه القواعد الأساسية فى التخطيط القتالى -والتى تمثل فى نفس الوقت لب السؤال الخطير الذى وُجه ولا يزال يوجه للجنرال هود- لا بد من تطبيقها على الجانبين المصرى والإسرائيلى لتعرف حقيقة ما حدث فى الساعة 8٫45 من صباح الاثنين 5 يونيو 1967 وهل كان معجزة كبرى أم أسطورة كبرى؟

ولكى نطبق تلك القواعد على الجانب المعادى، لا بد من نظرة سريعة على تاريخ نشأة السلاح الجوى الإسرائيلى والظروف النفسية التى تأسس فى ظلها والعقيدة القتالية التى عاش أفراد هذا السلاح يستنشقونها كالهواء. إلقاء هذه النظرة التاريخية أمر حيوى فى التحليل المنصف لعملية «طوق الحمامة» التى رسمها «هود»، سواء من حيث التخطيط أو التنفيذ.

وأول ما يطالعنا فى تاريخ «الطيران الإسرائيلى» عبارة أطلقها ذات يوم أحد أدباء إسرائيل ووصف فيها طيران بلاده، بأنه «طيران يملك دولة». ورغم ما يبدو فى هذه العبارة من «تهريج» ظاهرى ودعاية لاذعة.. فإنها فى حقيقة الأمر تعبر عن واقع مؤسف يعيشه الإسرائيليون ويخضعون له طوعاً أو كرهاً؛ لأنه نابع من طبيعة الظروف المكونة لإسرائيل كدولة ومجتمع يقومان على تبنى نظرية متعصبة تؤمن -من جهة- بتفوق الجنس.. وتحلم -من جهة أخرى- بالتوسع والاستعمار الاستيطانى لأجزاء من الوطن العربى.

هذا التعصب العنصرى والإيمان بتفوق «الجنس»، إلى جانب الحلم الأسطورى بانتزاع أجزاء من أراضى الدول العربية المجاورة، جعلا وضع إسرائيل منذ قيامها -كشعب ودولة- فى حالة حصار دائم، تمارسه من حولها الدول العربية المحيطة بها.. ولما كانت إسرائيل من جانبها، وبحكم قلتها العددية، بالقياس إلى الكثرة العربية الهائلة من حولها، غير قادرة على رفع هذا الحصار عملياً فقد اتجهت إلى رفعه نفسياً.

بل إن إسرائيل تجاوزت هذا إلى التفكير فى تحويل الحصار العددى -المفروض عليها من العرب- إلى حصار نفسى، تفرضه هى على الدول العربية مجتمعة، عن طريق إنشاء قوة ضاربة ذات قدرة قتالية مرتفعة، تستطيع عن طريقها أن تغرس الرعب فى قلب الإنسان العربى، وتحقق بها فى نفس الوقت التوازن النفسى بين أحلام التوسع العدوانى التى تعشش فى عقل الإسرائيلى، كما تصور هالة أبواق العسكرية الإسرائيلية، وبين الفزع الطبيعى الذى يهاجم هذا المواطن التعس -ليل نهار- وهو يحس برياح الخطر والعداء تهب عليه وتحاصره من كل جانب.

فإذا عرفنا أن سكان إسرائيل -بملايينهم الثلاثة المحدودة- لا يمكن أن يشكلوا -عدديا على الأقل- القوة «البرية» المسلحة التى لا تغرق فى محيط الكثرة السكانية العربية الرهيبة من حولها.. يتضح لنا السر الحقيقى فى التركيز على الطيران بالنسبة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وهى بعقيدتها العدوانية تضمن العدوان على الغير كما تتوقعه من الغير بنفس الدرجة.

هكذا تحول الطيران الإسرائيلى إلى «وهم كبير» فى عقول الإسرائيليين أنفسهم، قبل أن يكون وحشاً خرافياً طائراً بالنسبة للإنسان العربى، بل إن واجب الإنصاف والأمانة العلمية -حتى بالنسبة لخصم لا يتوقف كثيراً عن الأمانة إذا لم تخدم أهدافه العدوانية- يفرض علينا أن نقول إن الشخص الإسرائيلى -سواء كان مواطناً عادياً أم واحداً من أكبر قادة المؤسسة العسكرية فى إسرائيل- هو أولاً وأخيراً ضحية لخرافة «الوحش الإسرائيلى الطائر» قبل أن يكون صانعاً لهذه الخرافة أو مروجاً لها.

فى الفترة الواقعة بين مايو عام 1948

DMC