أخبار عاجلة

«جبل السودان» .. 50 عاماً من العزلة

«جبل السودان» .. 50 عاماً من العزلة «جبل السودان» .. 50 عاماً من العزلة
يعاني أهالي جبل السودان في مكة المكرمة من نقص الخدمات الأساسية منذ أكثر من نصف قرن نسبة لصعوبة الوصول إلى قمته، بالرغم من أنه لا يبعد عن الحرم لأكثر من ثلاثة كيلو مترات، ما يجعله موقعه مميزاً للغاية بيد أنه لا يجد الاهتمام اللازم من قبل الجهات المختصة، حسب الأهالي.«عكاظ» تجولت بين أهالي جبل السودان مستمعة إلى قصص وحكايات معاناتهم لفترة طويلة من الزمان، وكيف تحملوا كل هذه الصعاب التي مرت عليهم، وهل سبق لهم أن ناشدوا الجهات المعنية بالأمر لإيصال الخدمات إليهم أم ظلوا مكتوفي الأيدي مكممي الأفواه في انتظار الفرج ؟، كل هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها الأهالي متحدثين عن الأوضاع في الجبل ووعورة الطريق الموصل إلى قمته.أحمد الخريصي أحد سكان الجبل، يروي لـ «عكاظ» تفاصيل معاناة امتدت لأكثر من 50 عاماً، حسب قوله، حيث بدأ حديثه بتفسير التسمية نفسها وهو يقول: «اختلفت الآراء حول سبب تسميته بهذا الاسم فقيل إن السبب يعود إلى أن أول من سكنه هو رجل من السودان واستمر في ذلك الجبل فترة من الزمن ثم رحل إلى بلاده، كما يروى أنه يعود إلى قدوم مجموعة من قبيلة الرشايدة إحدى قبائل السودان قبل 150 سنة لأداء فريضة الحج واستقرت فيه وعرف من بعد ذلك وحتى الآن بهذا الاسم وربما يكون السبب الأخير هو الأرجح»، ثم عاد للحديث عن الأوضاع فيه، مبينا أنها لا تسر في هذا الجبل مطلقاً، لأنه يفتقر لأدنى المقومات، ولا يلبي حاجة ساكنيه لضعف الخدمات الأساسية به، ما يجعلهم يطلقون صوت مناشدة للمسؤولين بأن يراعوا حالتهم ويقوموا بتوفيرها لهم، خاصة أن الطريق الرئيس به وعر جداً.ويقول علي السروري إن الأهالي في جبل السودان يعانون من صعوبة الوصول إلى منازلهم في الأعلى نظراً لضيق الطرق ووعورتها التي تسبب لهم في أزمة سير لأن الطريق الرئيسي لا يتسع إلا لسيارة واحدة فقط ولو تقابلت مع أخرى لابد من توقف الحركة لفترة حتى تخرج إحداهن من الطريق، ما يشكل خطورة كبيرة على السائقين، ويزيد «اعتدنا على مثل هذه الأوضاع، فهناك الكثير من الأماكن بالطريق أصبحت ترابية وزالت منها طبقة الأسفلت التي أعيد ترميمها قبل حوالي عقدين من الزمان ولم تعاد العملية مرة أخرى، بالرغم من مطالباتنا المستمرة للجهات المسؤولة بإنارة الطريق وصيانته حتى يكون صالحاً للسير عليه دون تسببه في أضرار للسيارات». في ذات السياق قال نوار سليمان إن الجبل بحاجة ماسة إلى مركز صحي يوفر الرعاية للأهالي، على أقل تقدير لكبار السن والأطفال والنساء، ويضيف «يكفيهم عناء نزول الجبل وصعوده في ظل وعورة الطريق عندما يكونوا ذاهبين إلى داخل بعض أحياء العاصمة المقدسة، لأن هناك بينهم من لا يستطيع مراجعة المراكز الصحية البعيدة نسبة لكبر سنه أو لعدم توفر وسيلة نقل لديهم، فرأفة بهم».من جانبه يرى مسعود السلمان أن انقطاع المياه بصفة مستمرة يمثل أكبر المشاكل بالنسبة لسكان هذا الجبل، لأنهم يعانون كثيراً حال انقطاعها ويتكبدون المشاق للحصول عليها من المناطق المجاورة، وزاد «مياه الشبكة تصل إلى الجبل مرة واحدة في الشهر وأحياناً تنقطع فجأة ويضطر الأهالي لجلب صهاريج المياه الصغيرة التي تتسع لأربعة آلاف لتر لعدم قدرة الوايتات على الصعود لقمة الجبل»، مشيراً إلى أن البعض يقوم بتعبئة مجموعة من جراكل المياه لسد احتياج المنزل، ما يؤكد قمة المعاناة، خاصة أن عصب الحياة ولا يمكن للإنسان أن يبقى بدونه.وأردف بالقول: «يمكن لنا احتمال كل الصعوبات التي تواجهنا ونصبر حتى تصلنا الخدمات الأخرى، ولكن أن تنقطع المياه بهذه الصورة فإن الأمر غير مقبول مطلقا، ولا بد للجهات المسؤولة أن تقوم بمعالجة سريعة لمسألة المياه وتوفرها باستمرار في البيوت». إضافة إلى كل المشكلات التي ذكرت قال أهالي الجبل إن هناك الكثير من البيوت المهجورة التي باتت ملاذا آمنا للمتخلفين والمخالفين لأنظمة العمل والإقامة ليمارسوا فيها كما يحلو لهم من أنشطة دون أن يجدوا من يراقبهم ويحمي الأهالي من خطرهم، موضحين أن بين تلك البيوت والأحوشة أنشأ أهالي الجبل ممرات للعبور بأرجلهم فقط ليصلوا إلى منازلهم التي تقبع في قمة الجبل وتلك الممرات عبارة عن درج أو منحدرات لا يتجاوز عرضها المترين ويصل طول بعضها الى قرابة 300 متر تقريبا تنتقل عبرها أيضا النقالات أو العربات المتحركة إلى الأسفل حاملة المرضى ليتم نقلهم بعد ذلك في السيارة إلى المستشفى أو المركز الصحي، وعند حصول حريق في هذا الجبل يتكاتف الجميع هناك شيباً وشباباً لمساعدة رجال الإطفاء في مد خراطيم الماء من أسفل الجبل إلى أعلاه وإخماد النيران لأن سيارات الإطفاء لا يمكنها الصعود إلى القمة لوعورة الطريق وضيقه أمام ضخامة آليات الدفاع المدني.أما فيما يتعلق بالنواحي الأمنية قالوا إن الجبل يفتقد الرقابة الفاعلة المستمرة، ذاكرين أنهم هناك أنهم لا يشاهدون التحركات من قبل الجهات المختصة إلا نادرا أو حينما تحدث بعض المشاكل فيه، منتظرين تكثيف الدوريات والقيام بحماية لهم من خطر العمالة الوافدة المخالفة للأنظمة، خاصة أن الوضع المعزول للجبل يشجعهم للقيام بجرائم مختلفة إذا لم يتم ردعهم في أبسط الأشياء.من جهته قال المتحدث الإعلامي لأمانة العاصمة المقدسة عثمان مالي إن هناك برامج مجدولة لتقديم الخدمات لقاطني جبل السودان، مضيفاً أن طرق الجبل الضيقة تشكل عائقا أمام معدات الأمانة، لكن الفرق الميدانية تعمل وفق جدولة زمنية محددة لتقديم الخدمة الجيدة من خلال متابعة دقيقة لكل التفاصيل، كما أن هناك فرقا لرصد مدى مواءمة الطرق الأسفلتية في الجبل والتي تجدد كل فترة لتسهيل الصعود إليه، مبيناً أنه لا يمكن للأمانة حالياً أن تجد للطريق الرئيسي حلا لكون المنازل المحيطة به تعد أملاكا خاصة، بالتالي لا يمكن توسعته إلا وفق قنوات رسمية يتم من خلالها نزع الملكيات الخاصة وتعويض أصحابها.متابعة شرطيةالناطق الإعلامي في شرطة العاصمة المقدسة أوضح أن الجهات الأمنية تتابع المنازل المهجورة ويتم استدعاء أصحابها لتصحيح أوضاعها أو قطع التيار الكهربائي عنها وإشعار الجهات المعنية حتى لا تكون هذه المنازل التي هجرت على سفوح الجبال مسرحاً لارتكاب الجرائم، مؤكداً أنهم يراقبونها جيداً ولا يغفلونها حتى لا تشكل مصدر قلق وإزعاج للأهالي.

جي بي سي نيوز