أخبار عاجلة

ترجمات.. تفاصيل يوميات «خدم دار الحقيقة» بـ«اللاهون»

ترجمات.. تفاصيل يوميات «خدم دار الحقيقة» بـ«اللاهون» ترجمات.. تفاصيل يوميات «خدم دار الحقيقة» بـ«اللاهون»

اشترك لتصلك أهم الأخبار

يغوص هذا الكتاب عميقًا فى الحياة اليومية فى القديمة عند نقطة زمنية محددة عبر تاريخها الطويل. فيعيد بناء الحياة اليومية فى مصر كما عايشتها فتاة صغيرة من الطبقة الوسطى، وقد انطوت مهمة المؤلفة على صعوبة مضاعفة بسبب التركيز على فتاة صغيرة، وليس ذكرا، وعلى شخص من الطبقة الوسطى الدنيا، وليس من النخبة، ذلك لأن الأدلة النصية كتبها فى الأسس كتبة ذكور، وجاءت بالتالى تعكس الحياة من منظورهم. فلم تُدون أصوات النساء والأطفال وغالبية السكان الأميين. ومع ذلك فقد بقيت أدلة مادية يمكن جمعها مع قراءة حكيمة للنصوص لرسم صورة وصفية للحياة اليومية.

الكتاب صادر عن المركز القومى للترجمة، تأليف كاشا شباكوفسكا، وترجمة وتقديم مصطفى قاسم، ومراجعة علاء الدين شاهين.

ويُعيد من خلال التركيز على خبرة فتاة صغيرة وأسرتها، بناء الحياة اليومية لسكان الطبقة الوسطى ببلدة اللاهون القديمة أثناء عصر الدولة الوسطى المصرية، أو العصر الكلاسيكى لمصر. وبعد وضع البلدة فى سياقها التاريخى والجغرافى الدقيق، تؤرخ المؤلفة للحياة اليومية لسكانها فى جميع المناحى.

وقد أُعيد بناء هذه اللقطة التمثيلية بالرجوع إلى أحدث البيانات النصية المنشورة، والاكتشافات الأثرية من بلدة اللاهون والمستوطنات والمواقع الجنائزية المعاصرة. كما يعد الكتاب تصويراً علميًا لعصر مصر الكلاسيكى، وعالمًا مصغراً للحياة اليومية فى بلدة مصرية قديمة.

يركز هذا الكتاب على الحياة فى مصر من منتصف الأسرة الثانية عشرة إلى الأسرة الثالثة عشرة. تبدأ الأحداث عندما اختار الملك الحاكم سنوسرت الثانى، فى أوج الدولة الوسطى، أن يشيد مجموعته الهرمية عند مدخل منخفض الفيوم الخصب الكبير. وقد اشتملت المجموعة الهرمية على هرم أصغر لمليكته، ومقابر بئرية للأسرة المالكة، ومصاطب لخدمه. وعلى الجانب الشرقى للهرم بُنى معبد جنائزى، وعلى استقامته على بعد حوالى 1.2 كيلو متر إلى الشرق بُنى معبد الوادى الذى تمارس فيه عبادة الملك. لم يكن ذلك أمرا هينا لأن الملك كان التجسيد الحى لحورس، الإله لصقر الذى كان يمثل الملك على الأرض.

لقد وقع الاختيار على بلدة اللاهون الأثرية «بالقرب من قرية اللاهون الحديثة بمنطقة الفيوم، وقد أنشأها سنوسرت الثانى من الأسرة الثانية عشرة بالدولة الوسطى المتأخرة لتكون سكنا للعمال الذين كانوا يعملون فى مجمع الأهرام الذى بناه هناك»، وليس بلدة دير المدينة وهى قرية مصرية قديمة كانت مقراً للعمال الذين كانوا يعملون فى مقابر وادى الملوك خلال الأسر من الثامنة عشرة إلى العشرين من الدولة الحديثة، كان اسمها «سيت ماعت أى دار الحقيقة»، وكان العمال الذين يعملون فيها يسمون «خدم دار الحقيقة» الأوسع شهرة، وذلك جزئيا للاستفادة من البيانات النصية التى نشرت حديثا من بلد اللاهون، ولإعادة فحص الاكتشافات الأثرية. كما اختيرت اللاهون أيضًا كممثلة للدولة الوسطى، وهى فترة يمكن عدها من نواح كثيرة العصر الكلاسيكى لمصر القديمة.

- فهاجر بطلة الأحداث هى الفتاة الصغيرة والشخصية الرئيسية واسمها باللغة المصرية القديمة هو «هجرت»، وسنبوبو أخوها الأكبر، وجدت أمها، وسا- سوبد أبوها، وكيمى شيرى كلبتها.

إن هاجر وأسرتها ليسوا من أصول ملكية أو نخبوية، لكنها تمثل قطاعا كبيرا من سكان مصر فى الدولة الوسطى المتأخرة. وقد شارك كل أفرد أسرتها فى الحفاظ على «ماعت»، النظام الأساسى لمصر، عبر تفاعلاتهم الاجتماعية وإسهاماتهم فى الاقتصاد والولاء للفرعون. ومع أن الملك كان يمدهم بالحماية والموارد، فقد كان مفهوما أنه رغم طبيعته الإلهية كان يعتمد على مواطنى مصر: «إن الناس هم الذين يأتون بكل ذلك إلى الوجود. ونحن نعيش كرجال نملك بفضل عملهم. وإذا نقص عملهم أطاح الفقر بالسلطة. ومع أننا لا نعرف كل التفاصيل، فإن المصنوعات اليدوية التى بقيت يمكن أن تقدم لمحات حول الحياة اليومية لهؤلاء الناس من مصر القديمة».

يقدم هذا الكتاب إعادة بناء للحياة اليومية بناء على بلدة اللاهون بالدولة الوسطى. وبدلا من معالجة أسئلة تاريخية أو أنثروبولوجية كبيرة، يحاول الكتاب تتبع حياة شخص وعائلته للمساعدة فى فهم مصر القديمة. وكما أدرك المصريون أنفسهم، فإن الأحداث الكبيرة لم تكن هى التى تحفظ «ماعت» وإنما الأعمال اليومية للآلهة والفرعون وكل الناس. يبدأ الأطفال فى تشرب القيم الثقافية والتقاليد والمعايير والمعتقدات والممارسات من لحظة ولادتهم، ويتم تنقيحها ونقلها سنة بعد أخرى. واستمرار الحياة وانتقال المعتقدات والممارسات والعادات والمعرفة من جيل لآخر هو العامل الأهم فى الحفاظ على الحضارة. يعبر عازف قيثارة مصرى قديم فى أغنية عن مفهوم دورة الاستمرارية على النحو التالى: يذهب جيل ويأتى آخر، منذ زمن الأسلاف، أولئك الآلهة الذين يوجدون من قبل الزمن، الذين ينامون فى أهرامهم، وكذلك الموتى النبلاء المباركون، المدفونون فى أهرامهم».

وقد اختتمت المؤلفة الكتاب بالعبارة التالية «وهكذا فإن هاجر وهى تنتظر صرخة طفلها معلنة دخوله الناجح إلى العالم، كانت فى الواقع تؤمن خلود الطبيعة الأساسية للثقافة المصرية القديمة».

ترى هل كانت المؤلفة لكونها غير مصرية تعى ذلك؟

الكتاب من تأليف دكتورة كاشا شباكوفسكا: أستاذة المصريات بقسم الكلاسيكيات والتاريخ القديم والمصريات، وعضو مركز المصريات وآثار البحر الأبيض المتوسط CEMA بجامعة ويلز. من مؤلفاتها غير هذا الكتاب خلف الأعين المغلقة: الأحلام والكوابيس فى مصر القديمة.

تتمحور بحوثها الحالية حول النوع والحياة اليومية فى أواخر عصر الدولة الوسطى والممارسات الدينية الخاصة فى مصر حتى عصر الدولة الحديثة.

ومن ترجمة وتقديم دكتور مصطفى قاسم وهو باحث السياسات التربوية بالمركز القومى للبحوث التربوية والتنمية، القاهرة. نشر له عدد من الدراسات والمقالات فى السياسات التربوية والتربية والثقافة. من مؤلفاته «أزمة الثقافة العربية: محاولة تفسيرية»، «التعليم والتحديث الثقافى: نقض الأسطورة»، «التعليم والمواطنة: واقع التربية المدنية فى المدرسة المصرية».

ومن كتبه المترجمة «التقنية والثقافة فى اليونان وروما القديمتين»، «الاقتصاد السياسى لمصر: دور علاقات القوة فى التنمية»، «الفرض فى التربية الليبرالية الجديدة»، «الأطفال واللعب»، «العلاقات الحضارية المسيحية الإسلامية بين احتمالات التعاون والصراع»، «صعود الصين»، «الإعاقة العقلية: الماضى والحاضر والمستقبل»، «مقدمة إلى التطور اللغوى»، «التاريخ الاجتماعى للوسائط من غتنبرغ إلى الإنترنت».

ومراجعة علاء الدين شاهين، عميد كلية الآثار وأستاذ تاريخ وحضارة مصر والشرق الأدنى القديم.

المصرى اليوم