أخبار عاجلة

لا مثيل له فى .. «الحوض الجاف».. تميمة محمد على تواجه ثالوث «التلف والتدهور والضياع»

لا مثيل له فى مصر.. «الحوض الجاف».. تميمة محمد على تواجه ثالوث «التلف والتدهور والضياع» لا مثيل له فى .. «الحوض الجاف».. تميمة محمد على تواجه ثالوث «التلف والتدهور والضياع»

اشترك لتصلك أهم الأخبار

يواجه الحوض الجاف- الكائن على مقربة من طابية الدخيلة فى العجمى غرب الإسكندرية، والذى يعد الوحيد من نوعه فى بالكامل- خطر التلف والتردى والضياع، بسبب انعدام الترميم وعدم الاستخدام لسنوات، الأمر الذى يجعل واحدا من أهم الآثار الإسلامية بمصر فى مهب الريح ومهددًا بالاختفاء من الوجود.

«الحوض الجاف»- الذى يعد «تميمة» محمد على باشا الذى استمر فى محاولة بنائه لمدة 18 عاما خلال الفترة من 1826 حتى 1844، حيث واجه العديد من المشاكل والمعوقات والتحديات من أجل بنائه بغرض إصلاح وتصنيع السفن الصغيرة التى كانت تستخدم فى تطهير وتنظيف الترع والمصارف المتفرعة من الأنهار- أصبح حاله الآن لا يسر عدوا ولا حبيبا، وبات يواجه تهديدا حقيقيا، رغم أنه مسجل فى عداد الآثار الإسلامية بمصر فى عام 1964.

«المصرى اليوم» أجرت زيارة ميدانية للحوض الجاف، تزامنًا مع تحذيرات الأثريين والخبراء المهتمين بالشأن الأثرى لرصد الحالة المتردية التى يعانى منها الأثر المهم والمتفرد فى مصر، وما تبقى منه حتى الآن شاهد على الزمن.

وقال الدكتور حسام عبدالباسط، مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية فى الإسكندرية والساحل الشمالى، إن الحوض الجاف الموجود على ساحل خليج المكس هو موقع أثرى إسلامى مهم يرجع إلى العصر المملوكى، ويسمى أيضًا «مرسى القنايات» أو «مرسى القنايا»، وهو المكان الذى كان مخصصًا لإصلاح السفن الصغيرة التى تم استخدامها فى عهد محمد على فى تنظيف وتطهير الترع والقنوات المتفرعة من الأنهار.

وأضاف فى تصريحات لـ«المصرى اليوم» أن الحوض الجاف عُرف به نسبةً إلى الأسلوب المستخدم آنذاك فى تفريغ المياه من أسفل السفن ورفعها على ممر منزلق يسمى «القزق»، لإصلاحها خارج المياه وتنظيفها من الفطريات والكائنات البحرية التى تنمو على قاع السفن، حيث يجرى إصلاحها فى الموقع، وكان ملحقا به صهريج للمياه يستخدم فى أغراض الشرب وبعض الأغراض الأخرى، إلا أنه مع مرور الزمن اندثرت أشياء كثيرة منه، وهو مسجل كأثر إسلامى ضمن الآثار الإسلامية الموجودة فى الإسكندرية.

وعن مشروع التطوير المزمع تنفيذه للموقع، قال مدير الآثار إن إدارة تطوير المواقع الأثرية بمكتب وزير السياحة والآثار تقوم حاليا على تجهيز خطة لتطوير ورفع كفاءة الموقع ككل والنهوض به، وجعله مهيأ استعدادا لاستضافة الزوار عن طريق تجهيز الموقع بالعلامات الإرشادية ومسارات السير، وتم التواصل مع إدارة الميناء فيما يتعلق بمشروع توسعة ميناء الإسكندرية والمكس والدخيلة، وتم التأكيد على أنه سيتم مراعاة مسار المنطقة الأثرية وتفادى العمل بجوارها بحيث تكون بعيدة عن خطة التوسعة للحفاظ على الموقع الأثرى وعمل مزار سياحى له، مشيرا إلى أنه سبق وتم ترميم جزء من الموقع ضمن مشروع التطوير.

وقال الدكتور إسلام عاصم، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، ونقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية، إن هناك فرقا بين الحوض الجاف وطابية الحوض الجاف المعروفة شعبيًا بـ«طابية الدخيلة»، والتى تبعد عنه قرابة 65 مترًا تقريبًا، وكلاهما أثر مسجل بعداد الآثار الإسلامية بالمجلس الأعلى للآثار.

الحوض الجاف يواجه العديد من المشاكل والتحديات

وأوضح «عاصم»، فى تصريحات لـ«المصرى اليوم»، أن الحوض الجاف مسجل كأثر إسلامى فى عام 1964، وتم بدء التفكير فى بنائه منذ منتصف عشرينيات القرن التاسع عشر، وتم الشروع فى بنائه رسميًا فى عام 1835، ولكن كانت هناك عقبات كثيرة ومعوقات واجهت محمد على وقتها نظرًا لأنه لم يكن لدينا معماريون متخصصون فى هذا النوع من العمارة ولم يكن الأمر بالسهل، خاصة أن مبنى الحوض الجاف الذى كان يريد بناءه محمد على جديد عن العمارة آنذاك.

وأضاف: «محمد على أمر بإنشاء الحوض الجاف، وكانت له جولات وصولات فى تلك الفترة خاصة فى عشرينيات القرن التاسع عشر، فقد كان يحتاج إلى أسطول بحرى قوى ما يستلزم إنشاء حوض جاف لإصلاح وتصنيع ترسانة معاونة، وعندما قرر تنفيذ خطته بإنشاء الحوض الجاف، استقطب مهندسا فرنسيا يدعى تسيريزى، وبدأ تنفيذ خطط عمل حوضين إلا أن ظروف الحروب حالت دون استكمال العمل وعاد من جديد إلى فرنسا.. إلى أن تم تكليف موطش باشا، وكان ناظرًا للبحرية وقتها، بضم مجموعة من المهندسين المصريين للعمل فى إنشاء الحوض الجاف.

إلا أنه لم يستكمل، فعيّن شاكر باشا وفشل هو الآخر فى تنفيذ المهمة الموكلة إليه وتم فصله من الخدمة، ثم تم إسناد المهمة إلى مظهر باشا وبهجت باشا اللذين تلقيا تعليما متخصصا من خلال البعثات المصرية فى هذا الشأن فى أوروبا، وتم استقطاب مهندس فرنسى آخر يدعى لينان باشا ليتم استئناف العمل بواسطة الخبراء الثلاثة، وتم بالفعل بدء العمل فى إنشاء الأحواض الجافة فى مصر، إلا أنهم قرروا فى النهاية أنه من الصعب بناء أحواض جافة فى مصر، لكن محمد على لم ييأس وأرسل رجاله إلى الفرنسية للوصول إلى حل، فتم الاستقرار من قبل الخبراء الموجودين وقتها على خبير يدعى موجل بيه وذلك فى عام 1838، واستقر الرأى على أنه من الممكن إنشاء الأحواض الجافة وإيجاد حل للمشكلة».

الحوض الجاف يواجه العديد من المشاكل والتحديات

وقال «عاصم» إن بناء الأحواض واجه مراحل كثيرة وجميعها فشلت فى البدايات، ولك أن تتخيل أنه منذ عام 1862 ومحمد على يحاول مرات عديدة البناء، إلى أن وجد «موجل» وبدأ يشتغل ويدرس طبيعة المكان والأرض، وقال فى النهاية: إنه ليس بالأمر السهل، خاصة أن البناء يتطلب توفير نوع معين من الخرسانة التى تستخدم فى هذا البناء، ما يتطلب الحصول على خرسانة معينة من إيطاليا والطوب الأحمر، وتم استكمال البناء بنفس الفريق الذى كان موجودا وقتها فى عام 1844، حتى يتحقق حلم محمد على، الذى بدأ فى إنشائه عام 1826، واستمرت المحاولات حتى نجحت طوال 18 عاما.

وعن الوضع الحالى للموقع، قال «عاصم»: الحوض الجاف تضرر بشدة نظرا لعدم استخدامه حتى بعد فترة محمد على ومجىء الخديو إسماعيل، الذى قام بوضع مدفعين أرمسترونج من بين 400 مدفع اشتراها ووزعها على طوابى الإسكندرية لحمايتها، حيث عانت المنطقة كثيرا ولسنوات من ضرب الإنجليز للإسكندرية وكذا تضررت بسبب الضرب أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية حيث وصل التردى لأشده ونالها الإهمال.

وعن الأثر، أكد أنه أثر مهم جدا،لأنه لا يوجد له مثيل فى مصر، ويعد ما تبقى من الحوض الجاف فى الإسكندرية من أشهر الأحواض الجافة فى مصر، مشيرا إلى أنه خلال الـ١٨ عاما حاول فريق محمد على إصلاح سفينة إلا أنها كانت تجربة صعبة.. لكن بعد عام ١٨٤٤ اشتغل الحوض بكامل طاقته فى إصلاح السفن الحربية المصرية.. وتبلغ مساحته تقريبا 173 مترا مربعا.

وقال أحمد عبدالفتاح، عميد الأثريين فى الإسكندرية، إن الحوض الجاف الأثرى الواقع بمدينة الدخيلة بالإسکندرية يحظى بأهمية تاريخية كبيرة تنبع من كونه نمطا متميزا وغير تقليدى فى العمارة الإسلامية، کما أن النماذج الباقية منه نادرة، وأمر محمد على باشا بإنشاء الحوض الجاف لعمارة السفن وإصلاحها ضمن اهتمامه الاستراتيجى بتعزيز القوى البحرية وزيادة الأسطول، داعيا إلى ضرورة دراسته من الناحية الأثرية والمعمارية مع دراسة الوضع الراهن له ومظاهر التلف والتدهور التى يعانى منها.

الحوض الجاف يواجه العديد من المشاكل والتحديات

وأوضح «عبدالفتاح» أن الحوض الجاف يعانى من مظاهر تلف مواد البناء، وشدد على أهمية سرعة أخذ عينات من الأحجار والمون وطبقات البياض وذلك لدراسة ترکيبها المعدنى باستخدام الميکروسکوب المستقطب والميکروسکوب الإلکترونى الماسح وطريقة حيود الأشعة السينية، وكذا دراسة الخواص الفيزيائية والميکانيکية للأحجار الجيرية المستخدمة فى تشييده للتعرف على حالتها، خاصة أن الأحجار الجيرية المستخدمة فى البناء أحجار جيرية أوليتية تحتوى على الحفريات ذات الشکل البطروخى، وتعرضت الأحجارلتفكك مكوناتها وتعرض بعض أجزائها للإذابة ووجود أملاح متبلورة بين المکونات المعدنية ووجود فجوات وانفصالات.

ونشر بحث علمى للحوض الجاف بالدخيلة بعنوان «دراسة أثرية معمارية وتقييم للوضع الراهن ومتطلبات الترميم والصيانة»، بمجلة «الاتحاد العام للأثريين العرب»، قام به الدكتور كمال خلاف، عضو هيئة تدريس بقسم الترميم فى کلية الآثار بجامعة الفيوم، والدكتور أحمد محمد أمين، عضو هيئة تدريس بقسم الآثار الإسلامية فى کلية الآثار بجامعة الفيوم فى عام 2012، وأجرى على الأحجار المستخدمة فى الحوض الجاف.

وقد أظهرت نتائج التحليل بحيود الأشعة السينية التى أجريت له أن الأحجار الجيرية المستخدمة فى بناء الحوض تتکون أساسا من معدن الکالسيت Calcite CaCO3 ونسبة ضئيلة من معدن الکوارتز Quartz SiO2 إضافة إلى بعض أکاسيد الحديد Iron Oxides، ونسبة ضئيلة من معدنى الدولوميت Dolomite Ca،Mg (CO3)2 والهاليت Halite NaCl، کما وجد أن المونة المستخدمة بالحوض عبارة عن خليط من الجير والرمل، أما بالنسبة لطبقات البياض فقد تبين أنها تتکون من معدنى الکالسيت والکوارتز.

وقد احتوى کل من المونة وطبقات البياض على معدن الهاليت (کلوريد الصوديوم)، نتيجة تعرض الأحجار لماء البحر مما أدى إلى تلف وتدهور المونة وطبقات البياض، کما أظهرت نتائج دراسة الخواص الفيزيائية والميکانيکية للأحجار الجيرية المستخدمة فى بناء الحوض انخفاض قوة تحمل الضغط للأحجار مع زيادة نسبة امتصاصها للماء ومساميتها، وذلک بسبب ما تتعرض له من عوامل تلف داخلية وخارجية متنوعة أدت بدورها للعديد من مظاهر التلف، وقد اتضح من الدراسة مدى التأثير مياه البحر والرياح المحملة بالرمال فى تلف وتدهور مواد بناء الحوض الجاف، وأوصى البحث بترميم وعلاج وصيانة الحوض الجاف من مظاهر التلف والتدهور للحفاظ عليه وحمايته کمثال نادر فى مصر على هذا النوع من العمارة.

المصرى اليوم