أخبار عاجلة

فقر ينتهي إلى الموت.. قصص ضحايا «مناجم بيع الكلى» في أفغانستان

فقر ينتهي إلى الموت.. قصص ضحايا «مناجم بيع الكلى» في أفغانستان فقر ينتهي إلى الموت.. قصص ضحايا «مناجم بيع الكلى» في أفغانستان

اشترك لتصلك أهم الأخبار

على وقع الصراعات السياسية التي تشهدها أفغانستان قد يصبح شبح الفقر أكثر وحشية من غيره من المشكلات نظرًا لنهمه في القضاء على ضحاياه من الفقراء؛ فالفقر أحيانًا يُفضي إلى الموت وفي ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وغياب لقمة العيش يضطر البعض للتخلي عن أعضائهم مقابل مبلغًا زهيدًا من المال في « مناجم بيع الكلى».

جراء ضيق العيش و سوء الأحوال الاقتصادية لم يعد أمام بعض الفقراء في أفغانستان سوى القبول بمعادلة قاسية، تضطرهم للتنازل عن جزء حيوي من أجسادهم والعيش بكلية واحدة بهدف الفرار من مصير الموت جوعًا، ظاهرة رصدتها صحيفة «إكسبريسن» السويدية التي لم تكتف بتتبع الأشخاص الذين باعوا كُلاهم فحسب، بل أجرت مقابلات مع المشترين في تلك السوق السوداء التي تُعرف باسم «مناجم بيع الكلى». لترصد أوضاعهم الإنسانية.

تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها أفغانستان، انتعش سوق تجارة الأعضاء البشرية لينهل من الفقراء؛ فلدى مخيم «ساشانبه» الواقع في إقليم هرات_ حيث منازل الفقراء المنية من الطين والطوب للين_ يجد تجار الأعضاء البشرية طريقهم فهذا المكان الأكثر فقرًا أضحى معروف بكونه منجماً لبيع الكُلى البشرية.

ففي مخيم مخيم «ساشانبه» الصغير الواقع في إقليم هرات هناك أكثر من مئة شخص لديهم تلك الندبات على جانبهم والتي تمتد من معدتهم إلى ظهرورهم لتثبت أن ندبات الفقر أشد قسوة من غيرها من الاعتلالات الجسدية، من ضمن 120 عائلة هم كامل تعداد المخيم.

يعرف سكان المخيم بعضهم البعض، ويتلمسون العذر لبعضهم البعض نظرًا لإدراكهم سوء أحوالهم واضطرارهم لبيع أجزاء حيوية من أجسادهم؛ وحول هذا يقول الرواة في هذا المخيم أن أول من باع كليته كان شخصاً يدعى أحمد محمدي_ رجل أنهك الفقر جسده النحيل كان يرتدي عمامة خضراء حينما قابلته الصحيفة السويدية حسبما جاء في تقريرها. قام محمدي ببيع كليته في السوق السوداء لبيع الكُلى البشرية بمخيم «ساشانبه»، ويبدو أن ذلك أغرى غيره بسلوك نفس الطريق فقام كبار عائلته ببيع كلاهم، ثم آخرون في المخيم، حتى أصبح المخيم سوقًا سوداء لتجارة الأعضاء البشرية أما أقاربه الذين رفضوا بيع كلاهم فقد ماتوا من الجوع واحداً تلو الآخر.

وبحسب تقرير صحيفة «إكسبريسن» السويدية باع المحمدي كليته قبل حوالي خمس سنوات حينما كان يواجه وأسرته الموت جوعًا، أطفاله كانوا ينامون أرضًا جراء التعب من الالنتظار لأيام ببطون خاوية، طالما قام المحمدي باقتراض بعض المال ليشتري الدقيق والزيت والأرز، ، كثرت ديونه، ثم أتى أصحاب الدين إلى منزله وقالوا إنهم سيأخذون أحد أبنائه إن لم يسدد ما عليه.

وبينما كان يستميت في البحث عن حل، أخذ يبحث في مكبات القمامة عن أي شيء يصلح للبيع ليأخذه ويبيعه مرة أخرى، وفي أحد الأيام كان بجانب مستشفى لقمان الحكيم في إقليم «هرات»_ أول مستشفى متخصص في زراعة الكلى في أفغانستان_حينها رأى ورقة معلقة كإعلان يشير إلى احتياج أحد لأثرياء لمتبرع عن كليته مقابل مبلغًا من المال.

لم يكن محمدي يجيد القراءة، لذا سأل أحد المارة عن محتوى الإعلان، فأبلغه أحد المارة أن هذا إعلان من شخص يحتاج إلى كلية، وأنه مستعد لدفع مال مقابل ذلك؛ على الفور تواصل محمدي مع صاحب الإعلان وقال له أنه مثقل بالديون ويريد أن يبيع كليته وبالفعل تم الاتفاق.

دخل محمدي لغرفة العمليات ليتم أخذ كليته، وخرج ومعه ما يقارب من 2700 دولار، حينما وصل للمخيم استقبله أصحاب الدين، ليسدد ما عليه ويبقى معه حوالي 170 دولاراً.

كان محمدي البالغ من العمر الآن 42 عاماً، شابا بكامل صحته يبلغ 37 عامًا لكنه ورغم أنه معتل بالفقر لم يكن لديه أي اعتلالات جسدية، وحول ذلك بقول مقابلته لصحيفة «إكسبريسن» السويدية إنه كان شاباً قوياً وطموحاً، ولكن الحروب والصراعات التي كانت تموج من حوله أنهكت؛ في إحدى المرات تم أسره من قبل طالبان وقيدوه هو وشخص آخر إلى شجرة، وقاموا بضربه بالكوابل حتى كُسر أحد كتفيه، وكان على وشك الهلاك، ثم أطلق سراحه، ومع اشتداد أزمة الصراعات في المنطقة هرب هو وأسرته إلى هذا المخيم في «هرات» لكنه لم يكن يعلم أنه بصدد التنازل عن جزء حيوي في جسده لمواجهة شبح الفقر.

بعد أن باع محمدي كليته كان عليه أن يذهب كل شهر للمراجعة في المستشفى، لكنه لا يملك مالاً يكفي لذلك؛ لذا لم يذهب، وحينما ينام تقوم زوجته بوضع وسادات حوله حتى لا يتحرك وهو نائم ويزيد عليه الألم؛ فبعد أقل من شهرين إثنين ضاعت كليته وبقي الفقر بصحبته؛ إذ ليعود لنفس حالة الفقر التي كان عليها ولكن دون صحته الجسدية.

في مقابلته محمدي مع صحيفة «إكسبريسن» السويدية قال أن الفقر أعاده لنقطة الصفر، وهو ما اضطر زوجته التي تدعي "بيبي غول" لبيع كليتها منذ حوالي عامين_إي في أعقاب بيعه كليته بثلاث أعوام.

كانت بيبي غول تقوم بغسل البطانيات والسجاد مقابل المال، وكانت تتمكن من تأمين دولار أو دولارين يوميًا مقابل عملها، لكن لخوف يملأها الآن بعدما خيم شبح الإعياء والاعتلال الجسدي على الأسرة إلى جانب شبح الفقر.

استلمت بيبي غول سعراً مقارباً للسعر الذي باع به زوجها كليته، وكانت تعي أن المبلغ سيذهب أيضاً في الديون والطعام، لكن لم يعد أمامهم حلولًا أخرى، كذلك فعلت ابنتها بعد عامين آخرين لتصبح الفتاة ذات العشرين ربيعًا أصغر من باع كليته في عائلة محمدي.

في المخيم ذاته وعلى بعد أمتار من منزل عائلة محمدي التقت صحيفة «إكسبريسن» السويدية أم لفتى لديه يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً يدعى محمد شاه. هو غلام تمنعه إعاقته من الوقوف والمشي؛ غير يعاني من شلل دماغي، ولا تعرف والدته ذات الخمسة وثلاثين عاماً ماذا تفعل به في ظل تردي وضعهم المعيشي، غير أنها تقوم بربطه أحيانًا حتى لا يؤذي نفسه.

حالة محمد شاه الصحية اضطرت والدته لبيع كليتها لتتمكن من رعايته، لكن الأمر انتهى بها إلى أنها أصبحت تتمنى لو أن نجله مات بدلًا من أن تفعل ذلك.

وعلى بعد أمتارًا أخرى التقت الصحيفة ذاتها غلام جرى اختطافه والمساومة على إعادته مقابل فدية يدعى عبدالغني

يقول إن عمره كان 19 عاماً حينما تم اختطافه، بعد أن عاد للمخيم، اضطر هو أيضاً لبيع كليته، حتى يدفع تكاليف علاجه مما لاقاه في الخطف وحتى يساعد الأسرة في سداد ديونها.

في أحد الأسواق الواقعة في وسط مخيم «هرات» التقت صحيفة «إكسبريسن» السويدية صاحب أحد المحال التجارية، ويدعى عبداللطيف، يمتلك الرجل البالغ من العمر 45 عامًا لكن كليته معتلة؛ لذا سبق له شراء كلية وفشلت، قبل أن يشتري الأخرى لتريحه من الاعتلال الجسدي.

لدى عبداللطيف ندوباً جراحية على الجانبين الأيمن والأيسر بسبب عمليتي الزراعة التي مر بها؛ ويوكد في تصريحاته لصحيفة «إكسبريسن» أنه أجرى العملية الأولى بشكل غير قانوني، ودفع مقابلها حوالي 3000 دولار، ثم 2300 دولار مقابل المراجعات الطبية، ولكن تلك الكلية توقفت عن العمل بعد حوالي ثلاث سنوات، ما اضطره للبحث عن كلية أخرى كلفته 15 ألف دولار، ذهب منها 2500 للشاب المتبرع، والباقي للطبيب، مؤكدًا أن الفقر يدفع بأهالي المخيم للمصير ذاته رغم مآلات قرارهم بالتنازل عن جزء من أجسادهم؛ فالفقر أحيانًا بًفضي إلى الموت.

المصرى اليوم