أخبار عاجلة

كتاب "درب زبيدة" يروي قصة أشهر طرق الحج الكوفي وأمجاد الحضارة الإسلامية

يتضمن دراسة تفصيلية موسَّعة للمعالم الأثرية ومعلومات جغرافية شاملة للطريق

كتاب

يُعد "درب زبيدة" واحدًا من أشهر طرق الحج في الجزيرة العربية والعالم الإسلامي، وهو طريق الحج من الكوفة بالعراق إلى مكة المكرمة، ويضم آثار المدن والمحطات والمنشآت المائية والعلامات الإرشادية لقوافل الحجيج والمسافرين من تجار وعابري سبيل، وغيرهم، ومرافق أخرى عديدة، وآثارًا تشكل ثراء حضاريًّا وتاريخيًّا.

وفي التفاصيل، عكف الأستاذ الدكتور سعد عبدالعزيز سعد الراشد، المتخصص في الآثار الإسلامية في الجزيرة العربية، على إجراء دراسات وبحوث مركزة على مدى سنوات عديدة عن تاريخ وحضارة وآثار درب زبيدة، طريق الحج من الكوفة إلى مكة المكرمة، التي رصدها في كتابه الموسع "درب زبيدة.. طريق الحج من الكوفة إلى مكة المكرمة: دراسة تاريخية وحضارية أثرية".

ويشتمل الكتاب في طبعته الإنجليزية الحديثة على مقدمة وستة فصول، تضمنت: طرق الحج في مرحلة ما قبل الإسلام، وطرق الحج في صدر الإسلام، وفي العصر العباسي المبكر، والأحداث التي جرت على الطريق في العصور الإسلامية المتأخرة حتى نهاية استخدام الطريق.

وحرص المؤلف على تضمين الكتاب ملحقًا تفصيليًّا، يشتمل على التعريف بمحطات ومنازل الطريق وفروعه، ومرافقه، مثل: البرك،والعيون، وأطلال المنازل والمحطات؛ إذ بقي الدرب شاهدًا على حضارة إسلامية زاهية مجيدة.

وقد اشتمل الكتاب على عدد كبير من الصور التي توضح أبرز تفاصيل الطريق، وما عُثر على امتداده من آثار وكتابات ونقوش وعملات إسلامية، وأدوات فخارية وخزفية ومعدنية، وآثار متفرقة، عدا رصد المصادر التاريخية والجغرافية والأدبية التي وردت فيها معلومات وإشارات عن تاريخ الطريق.

ويتضمن الكتاب وصفًا لطرق الحج في العصور الإسلامية المبكرة، وتاريخ درب زبيدة في عصر الدولة العباسية، وأدوار الخلفاء والأمراء والوزراء والأعيان في عمارة الطريق عبر القرون. كما احتوى أيضًا على فصل خاص عن السيدة زبيدة بنت جعفر زوجة الخليفة هارون الرشيد، ودورها في عمارة الطريق تجسيدًا لإسهام المرأة في المشاريع الخيرية في الحضارة الإسلامي.

ويشير المؤلف إلى أسماء أبرز طرق الحج الرئيسية، وهي سبعة طرق: طريق حج الكوفة – مكة، طريق حج البصرة – مكة، طريق الحج الشامي، طريق الحج المصري، طريق صنعاء – مكة الساحلي، طريق صنعاء – مكة الداخلي، طريق عمان – مكة.

كما يتناول: إصلاحات الطرق في العهد الأموي، ثم طريق الكوفة - مكة قبل الخلافة العباسية.

أمجاد حضارية

ويتحدث المؤلف عن تفاصيل معلوماتية ثرية بخصوص درب زبيدة في عصر الدولة العباسية، ومرحلة الضعف والاندثار، والطريق في العصور المتأخرة، وآثار درب زبيدة والمعالم الأثرية، والأعمال الهندسية للطريق، والمرأفق الحيوية للطريق، والمكتشفات الخطية من الكتابات والنقوش، وما عُثر عليه من فخار وخزف وزجاج ونقود.

ويتناول الكاتب جهود خلفاء بني العباس في عمارة الطريق بدءًا من أبي جعفر المنصور، وعبدالله المهدي، حتى عهد الخليفة المقتدر بالله، مرورًا بأبرز الخلفاء العباسيين، مثل: هارون الرشيد، والمأمون، والمعتصم، والمتوكل على الله، وغيرهم. وقام خلفاء بني العباس الأوائل منذ بداية عصر الدولة العباسية بعمارة طريق الحج من الكوفة إلى مكة، وذلك بتزويد الطريق بالمرافق المهمة، وبالتسهيلات اللازمة من أجل راحة الحجاج والمسافرين، والتجار والجنود والموظفين في الدولة، وكان من أهم المرافق التي أسهموا في إنجازها: بناء أحواض المياه، وحفر الآبار، وإنشاء البرك، وإقامة الأميال والمنارات، وتوسيع مسار الطريق وإخلائه من العوائق الطبيعية بحيث يكون صالحًا للاستخدام من قِبل المسافرين ودوابهم.

وأسهمت السيدة زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد إسهامًا عظيمًا تجاه طريق الحج والأراضي المقدسة في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ إذ كرست الكثير من وقتها وعنايتها لراحة الحجاج، والأكثر من ذلك رعايتها سكان مكة، وعلى الرغم من أن كثيرًا من المنازل الواقعة على الطريق قد أطلق عليها اسم (زبيدة) كتشريف لها فإنه لا يوجد تقرير شامل عن أعمالها غير بعض الإشارات في مؤلفات الأدباء والمؤرخين والجغرافيين، منها: إحدى عشرة محطة ومنزلاً على طريق الحج مزودة بوسائل حفظ المياه من آبار وأحواض وخزانات، وإقامة الاستراحات والحصون، والقصور. ومن هذه المحطات: المحدث، والعنابة، وبركة أم جعفر، وبركة القنيعة، وبئر الحسنى، ومحطة قروري، وهي محطة مزودة ببركة وقصر وبئر، والزبيدية.. وغيرها.

ويذكر المؤلف أسماء شخصيات كثيرة، أسهمت في عمارة هذا الطريق، ويتحدث عن مرحلة الضعف والاندثار وهجمات القرامطة وبعض القبائل العربية على الطريق، ثم حالة الطريق من بعد سقوط بغداد على يد التتار (656هـ / 1258م) حتى مطلع القرن العشرين. وكذلك درب زبيدة في كتب الرحالة الأوربيين. كما يتناول آثار درب زبيدة ومعالمه الأثرية التي تحدث فيها عن طريق الحج من الكوفة إلى العقبة، وأبرز محطاته، مثل: القادسية والعذيب، والمغيثة، وبركة حمد، والحمام، والمسيجيد، والطلحات وأم القرون، ثم الطريق من العقبة حتى (فيد) الأثرية، وسد العقبة وبركة الفيري، والقاع، وبركة الحمراء والعشار.. راصدًا برك الطريق، وآثار فيد، والأعلام، حتى وصول الطريق من مهد الذهب إلى مكة المكرمة، ثم يستعرض الطرق الفرعية للطريق الرئيسي ،مثل: طريق النقرة – المدينة، وطرق السوارقية وصفينة وحاذة.

جغرافيا معلوماتية

ويشتمل الكتاب على دراسة تفصيلية موسعة للمعالم الأثرية الإسلامية الباقية على الطريق وفروعه من بقايا القصور والحصون والبرك والآبار، ومدن ومحطات مطمورة تحت الرمال، والآثار الهندسية له، وبقايا الأعلام التي توضح مساره، والأميال المكتوبة التي تحدد مسافاته، ومجموعة كبيرة من النقوش الإسلامية المكتشفة على امتداد الطريق وفروعه، وعينات من النقود والعملات الإسلامية، وكسر الأواني الفخارية والخزفية والزجاجية التي عُثر عليها في عدد من المواقع الأثرية الباقية على درب زبيدة.

ويقدم الكتاب معلومات جغرافية شاملة حول هذا الطريق، ويشكل مرجعًا رئيسيًّا لجغرافية المكان، وما يشتمل عليه من أدبيات ومعارف ووقائع، وعن شخصيات أسهمت في عمارته، أو سافرت عليه، أو كُتبت عنه، ولا غنى عنه لأي باحث كي يتعرف على واحد من أبرز طرق الحج في المملكة العربية التي تشكل مهدًا للتراث والحضارة العربية والإسلامية بمختلف عناصرها ومضامينها.

وحرص الباحثون والبلدانيون والجغرافيون والمؤرخون على رصد هذه الطرق، وتوثيقها بحثيًّا ومعرفيًّا، وهي طرق كثيرة، سار على جادتها وعلى دروبها الكثير من زوار الحرمين الشريفين، ومن حجاج ومعتمرين من مختلف البلاد العربية والإسلامية قديمًا قبل أن نصل للعصر الحديث بمختلف ابتكاراته ومنجزاته.

ويأتي إصدار هذا الكتاب باللغة الإنجليزية بإخراج مميز إيمانًا برسالة المكتبة للتعريف بالحضارة الإسلامية الزاهرة التي قامت على أرض المملكة العربية السعودية، وتقديمها لشريحة واسعة من الباحثين والمهتمين بالتراث العربي والإسلامي حول العالم. وهو استكمال لجهود ومبادرات سابقة قامت بها المكتبة، منها معرض "الحج رحلة إلى قلب العالم الإسلامي" الذي أقيم في المتحف البريطاني (26 يناير-15 إبريل2012م)، ومعرض "الحج إلى مكة المكرمة" الذي أقيم بمعهد العالم العربي بباريس( 22 إبريل -10 أغسطس 2014م).

صحيفة سبق اﻹلكترونية