يُحكى أن رجلاً من سكان إحدى القرى عاد من سفره بعد غياب طويل، وكان يعمل بالمدينة، ولا يزور أهله ويطفئ شوقه إلا بعد شهور. ووجد في تلك الليلة شباب القرية يسهرون عند ولده. ولأن البيوت الحجرية في ذلك الزمان ضيقة اضطر للجلوس معهم، لكن الشباب فيما يبدو أعجبتهم الجلسة (وبراد رايح وبراد جاي)، بينما كان الرجل يسند رأسه المنهك من عناء السفر، وينتظر بفارغ الصبر لقاء زوجته. بادره أحد الشباب بسؤال، يوحي بأن ليله طويل، ولا يزال في أوله: يا عم، هذا الفنجان مكتوب عليه (با دريق)؟! هنا انفجر الرجل غاضبًا، ونهره قائلاً: "لا، مكتوب عليه (باح الشاهي)، قم، قم أنت وياه، أنتم ما عندكم أهالي يلمونكم". "عاد يحلفون بالله بعضهم من شدة الخوف والشردة، ما لبس حذيانه إلا أسفل الدرجة"!!
كورونا هو الآخر يبدو أن الجلسة أعجبته بهذا العالم؛ فقرر البقاء على حساب راحة الإنسان ومصالحه. ومع أنه يرى مدى الإنهاك البادي على ملامحنا من طول حظر التجول إلا أنه في سبيل متعته المتوحشة يتظاهر بعدم الفهم، ويحاول إغواءنا بإحصاءاته "البايخة" وفيروساته الغثيثة!!
ما أنت ملاحظ يا كورونا أننا من شدة الملل منك بتنا ننظر لساعتنا الشهرية أمامك؛ لعلك تفهمها وتنصرف؛ لنخلد إلى فراشنا. قلنا "يمكن تستحي على وجهك"، وتمشي مع نهاية إبريل أو مايو بالكثير، والحين قربت شمس يوليو تشرق وأنت متربع وسط مجلس حياتنا. أشدنا بنصائحك الثمينة حول الحفاظ على الأجواء الأسرية الحميمة، وأعجبنا بدورك الكبير في كشف اختفاء وتخاذل مشاهير الغفلة، وأطرينا على فضلك في إعادة الناس للاهتمام بالتعقيم والنظافة.. قلنا "يمكن تحشم لحانا، وتخجل على دمك شوية وتستأذن"، لكننا اليوم مضطرون إلى أن نقولها بوجهك "تراك يالشين السبب في قطيعة الرحم، والسبب في تفاقم البطالة، والسبب في انهيار الاقتصاد، وترميل الأسر، وفرض الجمارك، وزيادة أسعار السلع، وتأجيل الأفراح، والسبب في تعكير أجوائنا، وقلب حياتنا الاجتماعية الفسيحة لزنازين فردية ممنوع عنها الزيارة"!!
"قم يا كورونا، قم يالوباء المتفشي، قم أسري، حتى براريد اللقاحات اللي اعديناها لك على أمل القضاء عليك شربتها بحثلها ولا هزيت فنجانك، كل الأوبئة الفتاكة من الكوليرا للطاعون إلى الجدري ومن سارس لإنفلونزا الطيور إلى الخنازير تجلس مع العالم مده وتروح إلا أنت ما ودك تفارقنا جالس على كبودنا، قم أسري، قم، ترى مصالحنا العملية والاجتماعية غدا كلها متوقفة على روحتك، قم، ولا تقول إنك جاي تصلح العالم، فجرائمك ضد الإنسانية لا تقل فتكًا عن الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لأكثر دكتاتوريي العالم بطشًا كأدولف هتلر أو جوزيف إستالين أو سلوبودان ميلوشيفيتش، قم، قم أسري، ورانا قومة بدري، كيف، وش جالس تقول من ورى الكمامة؟ نفسك في حليب بالزنجبيل، والله الظاهر سمعك قليل وما منك فكة، و(ليلك طويل يا كورونا)"!!