لماذا لا يجب على الفيدرالي خفض الفائدة الأمريكية دون صفر؟
مباشر - سالي إسماعيل: ربما يكون من الخطأ قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض معدلات الفائدة دون الصفر، رغم الدعوات مؤخراً لإتخاذ هذا الإجراء.
وكان رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس حتى عام 2015 "نارايانا كوتشرلاكوتا" قد دعا البنك المركزي عبر مقال رأي لخفض معدل الفائدة للنطاق السالب.
ويقول الاقتصادي في أسواق الديون "بريان تشاباتا" خلال رؤية تحليلية نشرتها وكالة "بلومبرج أوبينيون" إنه في 24 فبراير/شباط الماضي، حث "كوتشرلاكوتا" الفيدرالي على خفض معدلات الفائدة على الفور بدلاً من الانتظار حتى اجتماع يوم 18 مارس/آذار.
وجاءت هذه الدعوة آنذاك رغم أن مسؤولي البنك المركزي الحاليين مثل نائب رئيس الفيدرالي "ريتشارد كلاريدا" كانوا يزعمون أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان تفشي فيروس كورونا قد يغير الآفاق الاقتصادية بشكل جذري.
وبعد 8 أيام، قدم الفيدرالي جرعة من الصدمة والرعب مع أول خفض طارئ في معدل الفائدة منذ عام 2008.
وفي يوم الأحد التالي، وقبل ميعاد اجتماعه المقرر في مارس/آذار، خفض الفيدرالي معدل الفائدة الرئيسي قرب الصفر.
وفي يوم الجمعة الماضي، أعطى "كوتشرلاكوتا" نصحية أخرى، حيث كتب أنه يجب على الفيدرالي خفض معدلات الفائدة إلى 25 نقطة أساس على الأقل دون الصفر في اجتماعه هذا الأسبوع.
وأضاف: "الفيدرالي ليس لديه أيّ حجة مقنعة فيما يتعلق بعدم التحول إلى معدلات الفائدة السالبة، والصعود في معدل البطالة بصورة مرعبة وتراجع معدل التضخم المحتمل بشكل سريع بمثابة حجج قوية تؤيد هذا الاتجاه".
أنا - الكاتب – أعترض على هذا الرأي، حيث إن هناك العديد من الأسباب التي تجعل مسؤولي الفيدرالي مترددين على نحو صحيح في اتخاذ خطوة غير مسبوقة لخفض معدلات الفائدة داخل النطاق السالب داخل الولايات المتحدة.
وبكل وضوح، فإن الفيدرالي لخص ما سيفعله عند الحد الأدنى من معدل الفائدة والبالغ "صفر" قبل التحول إلى معدلات الفائدة السالبة: التحكم في منحنى العائد على السندات.
وحدد عضو الاحتياطي الفيدرالي "ليل برينارد" بشكل دقيق في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي الوضع الذي يجد البنك المركزي نفسه فيه اليوم.
وذكر أن التجار قد يتوقعون أن البنك المركزي سيبدأ في وضع حد للعوائد على سندات الخزانة الأمريكية قصيرة إلى متوسطة الآجل عبر التدخل في شراء الأصول لتحديد مستويات الفائدة التي يعتبرها مناسبة .
وما هو أكثر من ذلك، قيام المركزي الأمريكي في ولاية نيويورك بنشر مدونة في 6 أبريل/نيسان تحت عنوان "كيف أدار الاحتياطي الفيدرالي منحنى عائد الخزانة في الأربعينيات من القرن العشرين".
ويقول محللون استراتيجيون في "بنك أوف أمريكا" خلال تقرير صادر نهاية الأسبوع الماضي: "نعتقد أن خطوات الفيدرالي التيسيرية القادمة من المرجح أن تكون التحكم في منحنى العائد والتوقعات المستقبلية المحسنة".
وكان لدى شركة "تي.دي" للأوراق المالية وجهة نظر مماثلة: "نحن نتطلع أيضاً إلى قيام المسؤولين بتبني متوسط استهداف التضخم بشكل صريح وإعلان شكل من أشكال التحكم في منحنى العائد بحلول نهاية العام".
وبالطبع، يمكن القول بإن الفيدرالي يفعل ذلك بالفعل بالتزامن مع برامج الشراء الضخمة لسندات الخزانة الأمريكية.
وتضخمت الميزانية العمومية للبنك المركزي إلى 6.57 تريليون دولار، بزيادة أكثر من تريليوني دولار في غضون 6 أسابيع فقط.
ومع هذا التواجد القوي في سوق الديون، تحرك العائد على سندات الخزانة الأمريكية التي يحل موعد استحقاقها بعد 10 سنوات في نطاق يقل عن 25 نقطة أساس طوال الشهر الماضي.
ومن أجل وضع ذلك في منظوره الصحيح، فإن العائد على الديون الأمريكية تأرجح على الأقل بهذا المقدار (25 نقطة أساس) في كل جلسة تداول في الفترة من 6 إلى 20 مارس/آذار.
مؤشر تقلبات عوائد سندات الخزانة الأمريكية لآجل 10 سنوات - (المصدر: وكالة بلومبرج)
ووصفت التحكم في منحنى العائد بأنه بمثابة "كابوس" بالنسبة لتجار السندات.
لكن فتح "صندوق باندورا" من معدلات الفائدة السالبة قد يُعد أشد ألماً نظراً لأنه قد يكون ذو عواقب واسعة النطاق على النظام المصرفي ويمكن أن يدمر معنويات الشعب الأمريكي الهشة بالفعل.
وصندوق باندورا عبارة عن صندوق يضم كل شرور العالم في سياق أسطورة إغريقية تشير إلى أنه عندما تم فتحه خرجت منه كل أنواع الشر.
وبعيداً عن كونها في مركز هذه الأزمة الاقتصادية، إلا أن البنوك الأمريكية الكبرى أوفت بالتزامها في هذا السياق، حيث تتصارع البلاد مع عمليات إغلاق غير مسبوقة.
وضخت الشركات والأسر مبالغ قياسية من الودائع في البنوك الأمريكية بقيمة تبلغ تريلون دولار خلال الربع الأول، مع اتجاه أكثر من نصفها إلى مصارف "بنك أوف أمريكا" و"سيتي جروب" و"جي.بي.مورجان تشيس" و"ويلز فارجو".
وأطلقت صحيفة "ذا وول ستريت جورنال" على هذه الكميات التي تم ضخها إلى البنوك اسم "الذعر العكسي على البنوك".
وفي نفس الوقت، تضخمت أصول صناديق أسواق المال إلى 4.65 تريليون دولار، وهو مبلغ يتجاوز بكثير الذروة السابقة المسجلة في يناير/كانون الثاني عام 2009.
ويحدث كل ذلك حتى على الرغم من أن العائد على الودائع وصناديق أسواق المال لا يمثل شيئاً يذكر.
إذن ماذا سيحدث إذا فقد الناس أموالهم بالفعل بحثاً عن مكان آمن لتخزين الكاش الذي يمتلكونه؟
أصول صناديق أسواق المال - (المصدر: وكالة بلومبرج)
نعم، من الناحية النظرية يشجع العائد القليل الأفراد على الإنفاق بدلاً من الإدخار، الأمر الذي يعزز الاقتصادي.
ومن شأن البحث عن العوائد الإيجابية أن يحفز قدراً أكبر من الإقبال على المخاطرة ويحد من تكاليف الاقتراض بالنسبة للشركات حتى يصبح بمقدورها الابتكار وتوظيف المزيد من الناس، وهو أمر يبدو منطقياً تماماً.
وفي الواقع، ذكر "كوتشرلاكوتا" أن معدلات الفائدة السالبة قد تساعد على خفض معدلات البطالة من المستويات التي من المرجح أن تكون الأعلى منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن الأدلة الفعلية من أوروبا واليابان أقل حسماً بكثير.
ومن المؤكد أن معدل البطالة قد تراجع في ألمانيا وفي إيطاليا وإسبانيا منذ أن نفذ البنك المركزي الأوروبي أول خفض في معدل الفائدة على الودائع دون الصفر خلال عام 2014.
لكن من الصعب معرفة أيّ مدى من هذا التراجع في معدل البطالة كان ناجماً عن قرار المركزي الأوروبي وليس التوسع الاقتصادي العالمي.
ومن الأمور الواضحة أن معدلات الفائدة دون الصفر لم تفعل الكثير لتعزيز نمو الأسعار بشكل مستدام، حيث لم يتجاوز معدل التضخم في منطقة اليورو 1.5 بالمائة في غضون الخمسة أعوام الماضية.
وفي اليابان، لم يرتفع معدل التضخم أبداً أعلى 1 بالمائة.
ويشير ذلك إلى أن معدلات الفائدة السالبة قد تكون دافعة لتراجع معدل التضخم.
وليس من الصعب استقراء السبب: فإذا كان الأفراد يدخرون ويوجد عائد سالب في أموالهم الموجودة بصناديق أسواق المال، سيكون هناك خياران.
ويمكن الأول في الإقبال على مزيد من المخاطرة، في حين أن الآخر يتمثل في تخزين المزيد من الأموال للمستقبل.
وبالفعل، تواجه الولايات المتحدة شيئاً أشبه بأزمة التقاعد، أما الآن في خضم الخروج من الوباء العالمي، ينبغي أن يُطلب من المستثمرين رمي النرد في خطة تقاعدهم "401 كيه" أو رؤية رصيدهم النقدي يتآكل ببطء؟، على حد تعبير الاقتصادي "مايكل ماكي" من بلومبرج نيوز.
وكالمعتاد، لن يقول صناع السياسة في بنك الفيدرالي كلمة "أبداً".
وفي مؤتمر صحفي عقد يوم 15 مارس/آذار الماضي، قال رئيس الفيدرالي "جيروم باول": "لا نرى معدلات الفائدة السالبة أمراً محتملاً ليكون استجابة سياسة مناسبة هنا في الولايات المتحدة".
ويعني ذلك أن مجموعة من الظروف يمكن أن تغير تفكيرهم.
ولا يرتقي الوضع الحالي إلى هذا المستوى.
وبالفعل ترتفع أرقام البطالة بطريقة مذهلة، لكن خفضاً آخر بمقدار 25 نقطة أساس في معدلات الفائدة لن يملاً المطاعم ودور السينما والفنادق والسفن البحرية والطائرات.
كما أن مجموعة برامج تسهيلات الائتمان الطارئة المختلفة للفيدرالي قد اقتربت من تحقيق هذا الهدف عبر المساعدة في توفير إمكانية وصول الشركات التي تحتاج إلى السيولة للأسواق مثل شركات الترفيه "إيه.إم.سي" و"كارنفيل" و"حياة للفنادق" و"ماريوت الدولية".
كما من المقرر أن تقترض شركة "دلتا إير لاينز" حوالي 3 مليارات دولار.
وينبغي على الفيدرالي التركيز بشكل مباشر على تعزيز هذه البرامج وتشغيلها بدلاً من السير في مسار يحتمل أن يكون خطيراً وغير ضروري تماماً.
ولم تعد معدلات الفائدة هي الأداة الوحيدة في أيدي البنك المركزي الأمريكي، ويجب تركها كما هي.
مباشر (اقتصاد)