سياسات مودي والأزمة.. هل انتهت معجزة الهند؟

سياسات مودي والأزمة.. هل انتهت معجزة اقتصاد الهند؟ سياسات مودي والأزمة.. هل انتهت معجزة الهند؟

تحرير: سالي إسماعيل

مباشر: شهد الربع الثاني تباطؤ الهند لأدنى وتيرة منذ 2013 كما أن صندوق النقد الدولي خفض التوقعات لإجمالي عام 2019، لكن هل تملك حكومة ناريندرا مودي" القدرة على إصلاح ما أفسدته؟

ويلقي وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية "شاشي ثارور" عبر رؤية تحليلية نشرها موقع "بروجيكيت سينديكيت" باللوم على أداء السيء في تباطؤ اقتصاد الهند.

وحتى وقت قريب، اعتاد الهنود على اعتبار النمو الاقتصادي بمثابة أمر مسلم به.

وبعد عقد من النمو السنوي بمتوسط يتجاوز 9 بالمائة، تمكن اقتصاد الهند من النجاة من الركود الاقتصادي الذي أصاب كافة أنحاء العالم في أعقاب عام 2008 لينمو بمعدل لا يزال مثيراً للإعجاب بنحو 7 بالمائة حتى عام (2014-2015).

وكان يبدو وكأن لا يوجد شيء يمكنه أن يوقف القطار السريع من مواصلة طريقه.

وجاءت بعد ذلك حكومة رئيس الوزراء "ناريندرا مودي" مع ارتكابه أكبر حماقة اقتصادية عبر سحب الأوراق الكبيرة من العملة من التداول، وهو ما أدى لتخارج نحو 86 بالمائة من عملة الهند فجأة من التداولات (في محاولة، كما زعم مودي، لإنهاء الثروات غير المعلنة).

لكن الاقتصاد لم ينتعش بعد، حيث فُقدت ملايين الوظائف كما أفلست مئات الآلاف من الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر، والتي توظف ما بين 2 إلى 7 عمال وتعتمد على التدفق النقدي اليومي للحفاظ على كيانها.

وكل ما تم تحقيقه هو أن مودي والذي يفضل المظاهر عن النتائج الفعلية، نجح في أن يبدو جريئاً وحاسماً.

وإذا كان سحب العملات من فئة 500 و 1000 روبية من التداول فكرة سيئة تم تنفيذها بشكل سيء، فإن التالي عبارة عن فكرة جيدة تم تنفيذها بشكل رديء: ضريبة السلع والخدمات على الصعيد الوطني.

وبدلاً من فرض ضريبة شاملة وبسيطة وثابتة على السلع والخدمات - كما هو مطبق في كل الدول وسط نجاح الفكرة - كشفت الحكومة النقاب عن ضريبة متعددة المستويات للسلع والخدمات.

ورغم وجود خمسة مستويات مختلفة من المعدلات الضريبية بالإضافة إلى ضريبة على السلع الفاخرة، حافظت الحكومة على عدد من الاستثناءات الرئيسية (بما في ذلك الكحول والبنزين) كما تستمر في الخلط بين كل من يخضعون لها.

وتسببت هاتين المبادرتين في عرقلة النمو الاقتصادي، والذي بات من المتوقع حالياً أن يتباطأ إلى 5 بالمائة خلال العام المالي الحالي.

وأصبحت المؤشرات السلبية تتزايد في كل الاتجاهات: صعد معدل البطالة إلى أعلى مستوياته في 45 عاماً عند 8.4 بالمائة كما أنه آخذ في الزيادة.

كما أن قطاع الزراعة المتعثر يدفع عدد قياسي من المزارعين للانتحار (وهو ما يفسر سبب إخفاء الحكومة في الوقت الحالي للأرقام)، مع حقيقة انخفاض مؤشرات الصناعة والصادرات والإنتاج الصناعي.

وتراجع إنتاج 8 قطاعات صناعية أساسية في الهند - الفحم والنفط الخام والغاز الطبيعي والمنتجات البترولية المكررة والأسمدة والصلب والأسمنت والكهرباء - بنحو 0.5 بالمائة خلال شهر أغسطس/آب الماضي.

وفي غضون ذلك، تترنح البنوك الهندية تحت وطأة العبء الضخم المتعلق بالأصول المتعثرة، مع تجاوز الديون 150 مليار دولار كما تخضع المؤسسات المالية واحدة تلو الأخرى للتدقيق من قبل الجهات التنظيمية وسلطات إنفاذ القانون.

وتوقف منح القروض بسبب تخوف البنوك من تراكم المزيد من الأصول المتعثرة، ما أدى إلى تباطأ الاستثمار ليصبح نادر للغاية.

ونظراً لأن انخفاض الطلب على المنازل الجديدة أدى إلى ركود في سوق العقارات المحلي، فإن العديد من شركات البناء تكافح لسداد قروضها إلى البنوك، الأمر الذي يفاقم من الأزمة.

ومع افتقار المستهلكين للموارد وعزوف البنوك عن الإقراض وتخوف المستثمرين من الاقتراض، أصبح من غير الواضح أين يكمن الحافز المطلوب بشدة لتحفيز النمو الاقتصادي.

وانهارت مبيعات السيارات، حيث تراجعت 32 بالمائة خلال شهر أغسطس/آب الماضي، وهي أكبر وتيرة هبوط سنوية في نحو عقدين من الزمن.

واستمر الهبوط في مبيعات السيارات للشهر الـ11 على التوالي خلال سبتمبر/أيلول، حيث تراجعت المبيعات بنحو 23.7 بالمائة كما أن الانخفاض مرجح أن يستمر في أكتوبر/تشرين الأول، نظراً لتزامنه مع ثلاثة مهرجانات هندوسية متتالية والتي في العادة تسيطر على إنفاق المستهلكين.

وأعقب ذلك موجة كبيرة من عمليات تسريح العمال من قبل صانعي السيارات، حيث أعلنت شركة فورد إغلاق مصنعها وأصبح ما يُقدر بنحو مليون وظيفة عرضة للخطر.

وكما هو الحال مع النكسات الاقتصادية الأخرى، كانت قرارات السياسة التي اتخذتها الحكومة المركزية وحكومات الولايات مسؤولة في الأساس عن هذه النتيجة.

ولا تعكس السيارات المرتفعة ضريبة السلع الفاخرة على الموديلات الفاخرة وتأثير معايير السلامة والانبعاثات الأعلى فقط ولكنها توضح الزيادات في ضرائب المبيعات على السيارات في 9 ولايات.

ويعني حجم الأصول المتعثرة الضخم أن البنوك والشركات المالية التي يعتمد فيها الموزعين على توفير قروض السيارات للعديد من المشترين بدأت تنسحب.

ويعتبر قطاع السيارات بمثابة دليل على أن الاتجاه الهبوطي لاقتصاد الهند هو نتيجة لحماقة السياسات.

وتظهر علامات الاتجاه الهابط في كل مكان، ما يؤثر على الحياة اليومية العادية للهنود، حيث أن الهنود يعشقون تناول البسكويت مع أكواب الشاي إلا أن مبيعات البسكويت تراجعت بنسبة 8 بالمائة الأمر الذي دفع الشركة المصنعة للبسكويت "بارلي" لإعلان تسريح الآلاف من العمال.

ويؤكد "مؤشر الملابس الداخلية" الذي اقترحه رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السابق "آلان جرينسبان" مدى الاتجاه الهبوطي الذي تشهده الهند.

ويفترض "جرينسبان" أن انخفاض مبيعات الملابس الداخلية للرجال كانت تمثل مؤشراً دقيقاً على معاناة المستهلكين.

وطبقاً لبعض التقارير، فإن مبيعات الملابس الداخلية للرجال تراجعت بنحو 50 بالمائة في "تيروبور" وهي عاصمة صناعة الملابس الواقعة في ولاية "تاميل نادو" الهندية الواقعة في جنوب البلاد.

ولقد فاقمت الزيادة الأخيرة في أسعار النفط من مشاكل الهند في المدى القصير، كما أن التطورات في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي تمثل عائقاً أمام النمو الاقتصادي على المدى الطويل، كونها قللت من اعتماد العديد من دول الغرب على المهارات الهندية في مجالات مثل كتابة الأكواد (البرمجة) والتدوين الطبي ومراكز اتصال العمليات التجارية في الخارج.

ومع انخفاض قيمة الروبية الهندية لمستويات قياسية أمام الدولار الأمريكي، فإن الواردات الأساسية أصبحت أكثر تكلفة.

ومن الأمور المعرقلة كذلك في خضم كل هذا، استخدام الرئيس الأمريكي دونالد الهند هدفاً لنهجه اللاذع بشكل متزايد تجاه الشركاء التجاريين.

والعلاقة الطيبة بين ترامب ومودي والتي ظهرت مؤخراً في هيوستن لم تترجم إلى حل للقضايا التي كانت الولايات المتحدة تشتكي بشأنها.

ومن خلال كل ذلك ظهرت الحكومة بلا فهم للواقع، مع تسبب الموازنة المقترحة في إحباط مجتمع الأعمال، حيث دفعت زيادة الضريبة غير المتوقعة الكثير من المستثمرين الأجانب إلى بيع ممتلكاتهم في الهند والمغادرة.

وبعد ذلك أعلنت الحكومة ــ مع وضوح تأثير الضريبة السلبي على نحو متزايد - سلسلة من التحولات فيما يتعلق بالزيادات الضريبية والحوافز التجارية.

وبعد الفوز الساحق لـ"مودي" في إعادة الانتخابات في شهر مايو/آيار الماضي بالإضافة لحصول حزبه على أغلبية أكبر، توقع العديد من الاقتصاديين من رئيس الوزراء أن يتخذ خطوات جريئة لإزالة الكثير من العقبات التي أحبطت المستثمرين سواء الهنود أو الأجانب.

لكنه لم يتخذ أياً من ذلك كما أنه لم يقدم حوافز على المدى القصير كذلك، فضلاً عن أن القضايا الدائمة مثل الركود الزراعي وقوانين العمل الصارمة وتكاليف الأراضي الباهظة، تغيب بكل بساطة عن أجندة الحكومة.

وتصاعدت الضغوط على مسؤولي الضرائب في الهند لملاحقة المتهربين عن دفع الضرائب كون التباطؤ الاقتصادي تسبب في إخفاق الإيرادات عن التوقعات.

ويُبدي العديد من الأثرياء في الهند اعتراضهم، حيث هاجر منهم 5000 شخص في العام الماضي ومن المرجح أن يكون الرقم أعلى بكثير هذا العام.

والنتيجة الحتمية تكمن في أن القصة الرائعة للنمو الاقتصادي في الهند قد توقفت، ولا ينبغي أن يتوقع أحد من حكومة مودي أن تُعيد القطار السريع إلى مساره.

مباشر (اقتصاد)