فى مصر فقط.. ممكن تكون لائقا طبيا وسليما 100 %ـ بالرغم من أنك عندك سكر وضغط وفيروس C، الشهادة الطبية بتقول كده.. والورق مبيكدبش، بكام جنيه تقدر تاخد أى شهادة طبية تؤكد أنك سليم ولائق طبيا .. أوكازيون الشهادات الطبية انتشر فى مصر منذ فترة طويلة، فأى شخص من الممكن أن يستخرج أى شهادة طبية فى خمس دقائق لنيل وظيفة ما أو استخراج رخصة سيارة وغيرها.
فشراء شهادة طبية مضروبة أصبح شيئا عاديا وأسلوب حياة، يتم عند استخراج رخصة قيادة، أو عند التقدم لإحدى الوظائف أو عند السفر إلى إحدى دول العربية التى تشترط خلو قاطنيها من مرض فيروس C الكبدى، وفى بعض القضايا التى تغير الشهادة الطبية للمتهم فيها مسار القضية بالكامل، أو فى الشهادات المرضية التى تبرر الغياب عن العمل وغيرها.
يقول م.خ 30 عاما، استخرجت مرتين شهادة طبية تثبت لياقتى طبيا حتى يمكننى الالتحاق بالوظيفة، ومن سنة واحدة فقط اشتريت آخر شهادة بـ 20 جنيها من مستشفى مصطفى محمود الخيرى، وحصلت عليها فى خمس دقائق، ودون أن أرى الطبيب الذى وقع عليها من الأساس، والذى أقر بأننى سليم طبيا.
محمد عبد العزيز 44 عاما، يؤكد أن استخراج الشهادات المرضية المضروبة التى تفيد بأنه مريض ويعانى من مشكلة صحية لكى يبرر تغيبه أو تقصيره فى العمل، هى أسهل ما يكون قائلا "فى مستوصف جنبنا الشهادة إللى تثبت أنى مريض واستحق الإجازة فيه بـ5 جنيهات، لكن الشهادة إللى تثبت أنى لائق طبيا، وإللى بتطلب لما بقدم فى شغل جديد بـ 15 جنيها ده غير حلاوة "بقشيش" الممرضة.
النتائج الصحية خطيرة ونسب العدوى تتخطى كل الحدود
> الدكتور محمد المنيسى يؤكد أن الإحصائيات أثبتت أن النسبة الأكبر من حوادث الطرق فى مصر تحدث بسبب ما يعرف بالغيبوبة الكبدية التى تصيب السائق أثناء القيادة، والذى يكون مصابا بفيروس B الكبدى والمعروف بانتشاره بنسبة كبيرة جدا بين المصريين.
وهذه الحوادث هى الناتج الطبيعى لعدم إجراء كشف طبى حقيقى على كل من يستخرج رخصة قيادة فى مصر وسهولة استخراجها بالتزوير والضرب، فهى لا تكلف أكثر من 100 جنيه، فى أغلب المستشفيات التى تصدرها فى الحال لمن يريد.
وحذر المنيسى بشدة من هذا الأسلوب المنتشر فى استخراج شهادات طبية مزورة لأن هذا التلاعب هو تلاعب فى صحة الإنسان ويضر به من حوله.
ومن ناحية أخرى يؤكد الدكتور عمرو حسن حسين مدرس أمراض النساء والتوليد بقصر العينى جامعة القاهرة أن المشكلة الأساسية تكمن فى ثقافة المواطن لمصرى الذى اعتاد على فكرة "الاستسهال" والإهمال فى كل النواحى حتى صحته، ولكن يجب الإشارة أيضا إلى أنه بالرغم من أنه يضر نفسه كثيرا بشرائه هذه الشهادات والتقارير المضروبة دون إجراء كشف طبى حقيقى وبالتالى من السهل جدا تفاقم حالته المرضية إذا ما كان مصابا بأحد الأمراض التى يمكن علاجها من خلال اكتشافها باكرا مثل السرطانات والأورام وغيرها، إلا أن بعض العوائق التى تواجه المرضى هنا تجعلهم لا يرون حلا للأمر إلا بضرب الشهادات خاصة أن الأمر غير مقنن من وزارة الصحة ولا يتم الرقابة عليه كما يجب.
فعلى سبيل المثال فى أكثر التقارير الطبية التى يتم تزويرها فى الفترة الأخيرة هى فحوصات ما قبل الزواج، والتى أصبحت إلزامية حتى يمكن للرجل والمرأة إتمام عقد الزواج، ولكن التكلفة المادية للفحوصات الحقيقية المطلوبة التى يجب إخضاع الزوجين لها عالية جدا وبالطبع يتعذر على الكثيرين الالتزام بها وفى حال إلزام الحكومات بجعل الفحوص شرطاً للزواج تزداد المشاكل حدة، وإخراج شهادات صحية من المستشفيات الحكومية وغيرها أمر غاية فى السهولة، وبأرخص الأسعار فالتقرير المضروب فى أى مستشفى لا يتعدى الـ 80 جنيها، فأصبح مجرد روتين يعطى مقابل مبلغ من المال.
أما من الناحية الصحية فهذا الأمر فى غاية الخطورة نظرا لأن المقبلين على الزواج يكونون على علم بالأمراض الوراثية المحتملة للذرية إن وجدت فتتسع الخيارات فى عدم الإنجاب أو عدم إتمام الزواج. كذلك لا يمكن فى هذه الحالات اتخاذ ما يعرف بإجراءات الوقاية من مرض (التلاسيميا) وهو من أكثر أمراض الدم انتشارا فى حوض البحر المتوسط حيث توجد وسائل للوقاية من حدوثه قبل الزواج.
ولكن عدم إجراء الفحوصات وبالتالى عدم اكتشافه له نتائج خطيرة على أجيال متعاقبة وهو ما أكدته آخر الإحصائيات فى مصر.
وينصح الدكتور عمرو أى شخص بضرورة أن يستغل فرصة طلب العمل أو جهة تقرير طبى أو شهادة طبية له بأن يقوم بالكشف الطبى الكامل على صحته وعدم اللجوء لشرائها مقابل المال أى "ضربها " لأن هذا الأمر يعود فى النهاية بالفائدة عليه، حيث يحميه ويقيه هو وأسرته من انتشار الأمراض المعدية والتقليل من نسب ولادة أطفال مشوهين أو معاقين والذين يسببون متاعب لأسرهم ومجتمعاتهم.
الطبيب.. الممرض.. الطباخ.. الكشف الطبى عليهم حتمى
> ويؤكد الدكتور المنيسى أن هناك فئات يجب أن يتم إجراء الكشف الطبى عليها بشكل دقيق جدا، والتلاعب الذى يحدث فيها هو سبب زيادة نسب العدوى العامة فى مصر وهو كل من له احتكاك مباشر مع المرضى لأنه يكون أقرب للمرض وطرف فاعل فى نقله إذا لم يوضع فى الاعتبار إجراءات الوقاية والسلامة، وهم الممرضون والأطباء بشكل خاص وكل العاملين فى مجالات تصنيع كل ما يتناوله الإنسان سواء الغذاء أو الأدوية بشكل عام.
تشديد الرقابة وتغيير الثقافة.. حلول للأزمة
> الدكتور محمد المنيسى يؤكد أن الشهادات الطبية المضروبة أو المزورة بختم المستشفى أو الطبيب المختص، هى أمانة فى عنق كل طبيب ويجب عليه أن يراعى فيها الأخلاق والدين، لأنه يترتب عليها ضرر يطال من حوله أيضا.
والحل الأمثل للقضاء على هذه المشكلة الخطيرة هو الحل الذى اتبعته أغلب دول الخليج العربى، والمتمثل فى تكوين لجنة متكاملة تحت إشراف جهة طبية حكومية وبإشراف مباشر من وزارة الصحة، وتكون مخولة وحدها بإجراء وإصدار التقارير الصحية والشهادات الطبية والمرضية ولا تقدم الشهادة الطبية إلا من خلالها وإلى الجهة التى تطلبها مباشرة دون إعطائها للمريض.