أخبار عاجلة

بعد اغتيال «الدروعي».. الصراعات القبلية ومخاوف إجهاض الثورة الليبية (تحليل إخباري)

أفادت وسائل إعلامية ليبية، الأحد، باغتيال وكيل وزارة الصناعة الليبية «حسن الدروعي» في إطلاق نار عليه قرب مدينة «سرت» إلى الشرق من العاصمة طرابلس، وذلك عشية مقتل 15 شخصًا وجرح 20 آخرين، في اشتباكات بين قبائل «التبو» و«أولاد سليمان» المتنافسة جنوبي البلاد.

تأتي عملية اغتيال «الدروعي»، العضو السابق في المجلس الوطني الانتقالي، الكيان السياسي الذي شكلته المعارضة الليبية في أعقاب اندلاع الثورة عام 2011 ضد نظام «القذافي»، بالتزامن مع قبلية عدة في أنحاء مختلفة من الدولة الليبية التي تشهد حالة من الانفلات الأمني، جراء تعثر عملية بناء جيش متماسك في البلاد، استمرار تسلح الميليشيات القبلية التي حاربت نظام القذافي وصعوبة دمجها مع القوات الأمنية في البلاد.

ويعد البعد القبلي في ليبيا، إحدى المعضلات الرئيسة التي تعيق إنجاز الفترة الانتقالية وتأسيس ديمقراطية حقيقية في البلاد التي عانت لأكثر من أربعة عقود من حكم «القذافي» الديكتاتوري الدموي، الأمر الذي يخشى معه المراقبون من انضمام ليبيا إلى قائمة الدول الفاشلة، لاسيما مع انفلات الأوضاع الأمنية، وطول أمد الفترة الانتقالية بعد الإطاحة بالقذافي قبل أكثر من سنتين.

وتعد القبيلة مكونًا رئيسًا من مكونات ما يعرف برأس المال الاجتماعي Social Capital في ليبيا، حيث تمتد تأثيراتها – كمتغير وسيط – على بنية العلاقة بين الدولة من جهة، والمواطنين من جهة أخرى، وبالتالي فهي تحدد مستوى مؤسسة الدولة وقدرتها على توجيه وصناعة القرار، ومدى إعمال سيادة القانون على كل أراضيها.

فالنسيج الاجتماعي الليبي هو خليط من القبائل العربية وقبائل المرابطين التي تمتزج فيها العناصر العربية والبربرية، والقبائل غير العربية، وتتوزع هذه القبائل على امتداد رقعة الأراضي الليبية.

وتنتشر قبيلة «أولاد سليمان» في الجنوب الليبي، وقبيلة «البراعصة» شرق البلاد، وقبيلة «القذاذفة» في طبرق وبنغازي وسرت وفزان وطرابلس وغريان والزاوية الغربية، وقبائل «البربر» أو الأمازيغ في جبال غرب البلاد، و«الطوارق» في دواخل الصحراء المتاخمة مع حدود تشاد والنيجر والجزائر ومالي، أما قبيلة «التبو» فتستوطن مناطق أوزو - غدامس - والقطرون جنوبًا والكفرة جنوب شرق البلاد.

ونظرًا لحالة التوظيف السياسي للقبائل الليبية، والذي استخدمه نظام «القذافي» ببراعة، على مدى عقود لترسيخ أركان حكمه، في إطار استراتيجية «فرق تسد» الشهيرة، فقد شهد النسيج الاجتماعي الليبي حالة من الشقاق والتربص وعدم الثقة بين القبائل المختلفة، سواء العربية منها أو غير العربية.

وقد بدأت مرحلة التوظيف والاحتواء القبلي تأخذ بُعدًا مؤسسيًا في ليبيا منذ العام 1994، حيث قام «القذافي» بإنشاء لجان شعبية للقيادات الاجتماعية، قوامها الأساسي القيادات القَبَلية، حيث عمد في تعاطيه مع الملف القَبَلي إلى سياسة العصا والجزرة، فالقبائل الوفية له كانت تحصل على امتيازات مادية ومعنوية كبيرة، فيما كان الحرمان والعقاب من نصيب القبائل المعارضة.

ومع اندلاع ثورة 17 فبراير 2011، ونظرًا لهشاشة البنية المؤسسية للدولة الليبية، فقد استند «القذافي» في مواجهته للثورة الشعبية ثم التمرد المسلح ضد نظامه، على تلغيم البنية القَبَلية وجعلها قابلة للتفتيت والانفجار الذاتي، حيث عمد إلى إذكاء النعرات القَبَلية والجهوية وتحريض وتأليب القبائل بعضها على بعض لضمان استمراره في السلطة لأطول فترة ممكنة.

ومع سقوط نظام «القذافي»، سارعت القبائل الليبية التي ساندت الثورة من أول يوم، مثل «العبيدات» و«البراعصة» و«ترهونة الشرق» و«ورفلة الشرق» و«الزنتان»، والتي طالما تعرضت للتهميش القمع إبان حكم «القذافي»، إلى العمل على جني ثمار الثورة، والتموضع في الكيانات السياسية الانتقالية لضمان دور فاعل لها في المشهد الليبي ما بعد الثورة.

ولعل فشل الانتقالية، في أن تصهر جميع مكونات المجتمع الليبي، الذي يتسم بالتعددية القبلية والعرقية، قد يزيد من حدة التوترات القبلية بما يجهض مسار التحول الديمقراطي في البلاد، لاسيما مع استشعار بعض القبائل غير العربية بأنها تهمش لصالح قبائل أخرى، مثل قبيلة «التبو»، التي لها امتداد ونفوذ في تشاد المجاورة، وتشكو من تعرض أفرادها للاضطهاد من قبائل «أولاد سليمان» العربية، مع تجاهل الحكومة المركزية لتلك الممارسات.

SputnikNews