أخبار عاجلة

صناعة الفخار مهددة بالاندثار

تُعد صناعة الفخار من أقدم الصناعات التقليدية في الدولة، وتُشكّل رابطاً بين الإنسان الإماراتي المعاصر وتلك الحقب الطويلة الماضية، عندما كانت صناعة الفخار تُمثّل حاجة ماسة للمجتمع، وبالرغم من قدمها وأهميتها في تلك المرحلة، إل اإن جيل اليوم، ترك هذه الحرفة تختفي من حياته.

كما ان المهتمين بصناعة الفخار منهم من توفاه الله ومنهم من تركها لكبر سنه ولعدم قدرته على إحيائها من جديد، ولكي نعرف تاريخ واهمية الفخار بأشكاله وألوانه، ومن كان يمارس هذه الحرفة خلال السنوات الماضية، واشتهر بها في بعض مناطق الدولة، التقينا باثنين من المهتمين بالتراث، محمد بو سعود ومحمد سالم الزيده، اللذان وصفا صناعة الفخار بأنها من اهم الحرف التي اندثرت في السنوات الأخيرة الماضية.

قدامى الحرفيين

 

يقول محمد بو سعود في مستهل كلامه: عرفت صناعة الفخار في بعض مناطق الدولة وخاصة في إمارتي رأس الخيمة والفجيرة، وفي منطقة شمل برأس الخيمة تحديداً، توجد أطلال محاجر وبيوت الفخار الكثيرة التي ما زالت موجودة رغم مضي السنين، ويشعر المرء عند الاقتراب من تلك المحاجر بأنه يكتشف تاريخاً تراثياً عريقاً، واشتهر من الحرفيين في هذا المجال، المواطن أحمد راشد الحيمر وغيره من ابناء المنطقة الذين عرفوا بصناعة الفخار.

غير ان الحيمر عمل في صنعته منذ ان كان شاباً حتى بلغ من العمر75 عاماً وربما اكثر من ذلك، ويقال إنه عمل مع والده الذي يملك هذه المحاجر، التي أصبحت اليوم أطلالاً، ومعروف ان منطقة شمل عرفت اكثر بصناعة الفخاريات منذ القدم، وورث الأبناء مهنة الآباء وتناقلوها إلى وقت قريب، مما جعلها تعتبر مركز صناعة الفخار في الدولة، حيث كانت منتجاتها من هذه الصناعة في الماضي تسد حاجة الدولة، وتصدر الفائض إلى الدول المجاورة، بينما اليوم اصبح الإنتاج قليل، كما ان الاستيراد من إيران أصبح أكثر.

جيل الشباب

وحول مستقبل مهنة صناعة الفخار قال بو سعود: في شمل تتزايد مخاوف قدامى العاملين في المهنة من انقراضها، بسبب نفور جيل الشباب من العمل، فالبعض ذهب في البحث عن الوظيفة، والبعض يعتبر حرفة الفخار صعبة بالنسبة لهم، وهذا الأمر ادى إلى تدهور هذه الصناعة خاصة في منطقة شمل التي اشتهرت بها.

وهي تتميز بجرارها الكبيرة المستخدمة في عملية تخزين التمر، وموجود منها بأشكال مختلفة وتباع في الأسواق الشعبية، وفي مناطق عدة في الدولة كسوق الجمعة في الفجيرة وسوق مزيرع في عجمان، والمواد المستخدمة في صنع الفخاريات كما يقول الآباء والأجداد، اولها الطين الذي صنع منه الإنسان الأول حاجياته الضرورية، ويشكل المادة الأولية نظراً لقدرته على تحمل النار، ويمكن تكييف المواد الأساسية للمنتج تبعاً للغرض المصنوع من أجله، ومثال ذلك ان يضاف الرمل إلى خليط الطين لجعل جرار تحوي عدداً أكبر من المسامات.

كما ان صناعة الفخار تمر بطرق طويلة تبدأ من جلب مادتها الأولية، وهي الطين من الجبال أو الوديان ثم يتم تنعيمه مما يساعد على نخله وتنظيفه، ليخلط بعدها بالماء، حيث تستخرج الشوائب أثناء الخلط، ويترك الطين حتى يتماسك ثم يأخذ الصانع منه ما يريد، كان الآباء والأجداد في السابق يستخدمون قالب التدوير الذي يدار بالأرجل وهذا يتطلب جهداً عضلياً وبدنياً، ويكون العمل بطيئاً نوعاً ما، أما الآن يستخدمون القالب الذي يدار آلياً بالرجلين عن طريق دواسة موجودة أسفله وهذا يساعد على إنجاز العمل بصورة سريعة.

تراث ينقرض

ويقول محمد سالم الزيده من أبناء منطقة شمل: كانت المنطقة تزدهر بصناعة الفخار، غير ان اليوم اصبحنا نستورد معظمها من الخارج، وورش الفخار التي تعمل اليوم في بعض المناطق تعتمد على عمال آسيوين، كذلك الطين الذي يستخدم في هذه الصناعة أيضاً مستورد في معظمه من إيران والهند، أما تصاميم الزخرفة والتزيين فهي غالباً غير محلية، حيث ادخلت على الفخار الإماراتي الأصيل تصاميم لا تناسب البيئة والمجتمع الإماراتي، ومعروف ان معظم الفخاريات اصبحت للزينة يزين فيها الغرف ومداخل البيوت.

وهناك قلة من الناس من يقوم بشراء الفخاريات للاستعمال الخاص وخاصة في المناطق الجبلية، كما ان الفخار الإماراتي كأي منتج تراثي متميز تعرض إلى عدة تطورات وتغيرات في السنوات الأخيرة، ولا نملك اليوم الا اننا نطالب بالحفاظ على صناعة الفخار كتراث حافظ عليه الآباء والأجداد مئات السنين، ونراه اليوم يختفي من حياتنا، ما يعني ان مهنة صناعة الفخار التي تعتبر، مهنة الإنسان الأول التي استعملها في مأكله ومشربه بقيت صامدة على مدى العصور المنصرمة.

وانتصرت على عادات الزمن المتحول والمتبدل، فهي مهنة لا تشيخ رغم تراجعها، ولا يخفى على أحد أن هناك صناعات انقرضت تماماً، ودخلت المتاحف للعرض فقط، والتقدم التكنولوجي جعل الكثير من الحرف والمهن الشعبية تعاني وتواجه خطر الانقراض، ما يجعل المحافظة على التراث واجباً وطنياً.

مسميات العاملين في صناعة الفخار قديماً

 

للحرفيين أسماء عُرفوا بها بين أوساط المجتمع، ومنهم الحداد والنجار وصانع القراقير وغيرهم، إلا إن صناعة الفخار تُعتبر من الحرف التقليدية التي اهتم بها أبناء المنطقة منذ القدم، وقد ظلت متداولة منذ عشرات السنين إلى ما قبل فترة قصيرة، ومن مسميات العاملين في صناعة الفخار، ما عرف بالصانع وهو الحرفي الذي يقوم بصنع الفخار وصاحب تجربة طويلة ويكون قد توارث هذه الحرفة أباً عن جد، والمولف أو المشطب الذي يضع اللمسات الأخيرة على الفخار.

والعامل الذي يتدرب على الصناعة ويتابع كل خطوات الصانع خطوة بخطوة ولا يتقنها الا بعد فترة طويلة من المتابعة، فيقوم بعمل الأشياء البسيطة مثل التوليف والتشطيب النهائي للإناء، والمساعد الذي يقوم بتجهيز الطين وتحضيره، ويساعد في نقل الأواني وصفها داخل المحل، إلى جانب أعمال صغيرة أخرى، كما يقوم عمال آخرون بجلب الطين الذي يعمل منه الفخار، ويختلف بحسب المنطقة التي يجلب منها لاستخدامه في صناعة الفخاريات، والطين المستخدم في الدولة هو الطين الأحمر والطين الأخضر والطين الأصفر.

ويجلب من الجبال القريبة في وادي شمل، أما الطين الأبيض المستخدم حديثاً في الصناعة فيتم استيراده من إيران، وقد دلت التنقيبات الأثرية التي أجريت في المنطقة أن صناعة الفخار كانت منتشرة منذ مئات السنين، لوجود المواد الصالحة لهذه الصناعة، ونظراً لعدم وجود الأدوات المنزلية الضرورية في تلك الفترة، فقد احتاج السكان في هذه المناطق وفي غيرها من مناطق الدولة، إلى الأدوات الفخارية في حفظ وطهي الطعام وتخزين المياه وفي غيرها من الاستعمالات المنزلية، وما زالت هذه الصناعة موجودة في مناطق كثيرة من دول الخليج، ولكنها ليست بالشكل الذي كانت عليه في السابق.

مراحل تشكيل الأواني الفخارية

 

المهن والحرف في سابق الأزمان، يتناقلها الأبناء عن الآباء، ويتعلمها العمال المساعدون، وكثير من الحرف انتهت من عالم جيل اليوم، ولم تبق سوى ذكرى يحتفل بها في المناسبات الوطنية والشعبية، ويتم تعلم الحرفة عن طريق الوراثة، وبذلك تنتقل من جيل إلى جيل في الآسرة الواحدة، يأتي الصانع بأحد أبنائه أو بعضهم للعمل معه في مكان عمله، وتبدأ مرحلة التعلم عن طريق المشاهدة لمدة من أسبوع إلى شهر، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة المساعدة، غير أن حرفة صناعة (الفخار) انتهت واندثرت من كثير المناطق، ولم يبق منها إلا النذر في مناطق مثل رأس الخيمة ومزيرع في عجمان.

ولقد تعرضت الحرفة للانقراض في رأس الخيمة وفي كثير من المناطق، وكانت تمارس في الماضي بهدف توفير مستلزمات الحياة اليومية واستخدامها في تخزين الغذاء، بجانب أنها مصدر رزق لمحترفيها آنذاك، وتبدأ عملية تصنيع الفخار بجمع أنواعه من التراب النظيف من الجبال، وهو نوعان، الأول يعرف بـ (طين يهموري)، يميل لونه للاخضرار، والثاني يسمى (طين صنع) ويميل للاحمرار، ويستخدم كل منهما بمقدار محدد، 70% من الأول، و30% من الثاني، ثم يضرب بعصا تسمى (مدقة)، بهدف تنعيم التراب، الذي ينقى أكثر باستخدام (منخل).

 

 

ثم يبل التراب الصافي بالماء لتحويله إلى طين، تبدأ بعدها عملية تشكيل الجرار والأواني الفخارية في عريش يسمى (الكوشة)، ثم يترك الطين بعد تشكيله، مدة يومين صيفاً، وما بين 4 إلى 5 أيام في فصل الشتاء لكي يجف، وتستكمل صناعة الفخار في المحرقة (الفرن)، ويُشكّل (الشق)، وهو الزخرفة على الفخار، آخر مراحل صناعته، وهي مهمة تقوم بها النساء في السابق.

ومن أصناف الفخار القديمة في الإمارات، (الخرس) الذي كان يستخدم في تخزين التمر والماء والشعير والقمح، و(اليحلة) أو (الجحلة)، المستخدمة في الماضي في نقل الماء من الينابيع وسواها، و(الحب)، الخاص بشرب الماء، و(القدر) الخاص بطهي الطعام، و(الكوز) لحفظ العسل والسمن، و(المصب) ويأخذ شكلاً مخروطياً، لصب الماء من خلاله في الأوعية الكبيرة عبر فتحاتها الضيقة، و(الوعية) لوضع الخبر وسكب بعض أنواع الطعام فيها، و(معجن) لصنع العجين، بالإضافة إلى دلة القهوة.

هذه الأدوات أصبحت جزءاً من الماضي وغزت المطابخ والموائد أدوات حديثة نافست الفخار ولم يبق إلا المباخر قائمة في بعض المنازل وحتى هذه الأداة نافستها مباخر مستوردة من الخارج.

RT Arabic (روسيا اليوم)