أخبار عاجلة

يقظة القيادة

من أهم الصفات التى يجب أن يتمتع بها رئيس الدولة قدرته على الحفاظ على وحدة الوطن والشعب.. هذه الوحدة تعتبر أهم الركائز الأساسية لضمان استقرار، وأمن، وأمان، ونهضة وتقدم الدولة.. إذ من البديهى والطبيعى أنه لا يمكن حدوث نهضة أو تقدم، والشعب مشرذم وممزق وجهود أبنائه مبعثرة أو مشتتة، فضلا عن عدم قدرته على مواجهة أعدائه وصيانة أرضه وتأمين حدوده.. لعلنا نتذكر جيدا ما فعله الحبيب المصطفى- صلى الله عليه، وسلم- فى اللحظات الأولى التى وطئت قدماه المدينة، فقد آخى بين المهاجرين والأنصار، كما آخى بين فريقى الأنصار: الأوس والخزرج.. كانت هذه هى البداية الحقيقية لبناء الدولة، والتى كان من مستلزماتها: 1- المحبة والآصرة القوية التى تربط بين مكونات المجتمع.

2- شيوع التكافل والبذل والتضحية بين أفراده. 3- انتفاء أى حقد أو حسد يمكن أن ينشأ بين طرف تُجاه طرف آخر أغناه الله بعد فقر.. ويصور القرآن هذه الصورة الفريدة فى قوله: «والذين تبوءُوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون» (الحشر: 9).

نحن فى أمس الحاجة اليوم إلى قيادة حصيفة، يقظة، واعية، شجاعة، تعمل على استقلال الوطن ورفع رايته

وقد ساء بعض اليهود فى المدينة أن يروا تلك الوحدة بين الأوس والخزرج، لذا سعى أحدهم للإيقاع بينهما، وكادت محاولته تبلغ هدفها لدرجة أن الفريقين أوشكا أن يقتتلا، إلا أن الخبر وصل إلى النبى- صلى الله عليه، وسلم- فتحرك من فوره، واستطاع وأد الفتنة فى مهدها.. وفى هذا نزل قوله تعالى: «يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم» (آل عمران: 100و101).

نحن فى أمس الحاجة اليوم إلى قيادة حصيفة، يقظة، واعية، شجاعة، تعمل على استقلال الوطن ورفع رايته.. قيادة تبعث الأمل فى النفوس، وتسارع إلى وأد الفتن بكل أشكالها وألوانها، وتواجه الفوضى بحسم، وتتصدى دون تردد لأعمال العنف والإرهاب التى تستهدف العصف بمقومات الدولة، ثم هى تجمع الشتات الممزق، وتوقف النزيف، وتطبب الجراح، وتساعد القلوب الجريحة على تجاوز آلامها وأوجاعها.. إنها مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة، ولن تعقم أن تجد فى أبنائها من يقوم بهذا الدور.. غير أن الإنصاف يقتضى منا أن نقول: إن دور الشعب لا يقل أهمية عن دور القيادة، إذ مطلوب منه أن يتجاوب معها ويلتف حولها، وفى الوقت ذاته يكون مراقبا لها، قادرا على تصويبها إن أخطأت، بل الثورة عليها إن استبدت، وفسدت.. إن الذين تحدثوا عن عبقرية عمر- وهو مستحق لها بجدارة- نسوا، أو تناسوا عبقرية رعية عمر.

أعلم أنه من الصعب فى هذه الفترة الحرجة أن يوجد إجماع من الشعب حول شخصية القيادة المأمولة التى تتوافر فيها الصفات سالفة الذكر، لكن يكفى أن تحظى بأغلبية مريحة.. ترى من سيقع عليها اختيار الشعب لتتحمل تلك المسؤولية الكبرى والتاريخية؟!

SputnikNews