كان الأستاذ مصطفى مشهور- رحمه الله- المرشد العام للإخوان المسلمين، كلما لقيت الجماعة عنتا أو تضييقا أو هجوما عليها من قبل نظام الحكم أو أحد من رموزه ردد قول الله تعالى: «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ» (الأنعام: ٣٢).. فسأله الأستاذ المأمون الهضيبى (رحمه الله): «مصطفى، هل تكفر النظام الحاكم؟ رد مشهور قائلا: لا.. فقال الهضيبى: إذن فلا داعى لاستخدام هذا النص فى مثل هذه المواضع». وقد كان بعض قيادات الإخوان كثيرا ما يستخدمون- لنفس السبب- قوله تعالى: «وَلاَ تَهِنُوا فِى ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا» (النساء: ١٠٤).. قلت لهؤلاء البعض: «هذه الآية تخص المواجهة بين المسلمين والكافرين، كما يقول المفسرون (القرطبى وابن كثير والصابونى وغيرهم)، ونحن لا نكفر نظام الحكم.. فكان الرد: هذا من قبيل قاعدة: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب).. قلت: هذه ليست قاعدة مطلقة، ولا بد من اعتبار السياق وأسباب النزول وما شابه، وإلا كنا كالخوارج».
وقد لاحظت أن كثيرا من الإخوان عندما يمر بهم حدث، حتى إن كان عاديًّا، غالبا ما يستحضرون مقاطع من السيرة، أو من التاريخ القديم أو الحديث، ويحاولون إسقاطها على هذا الحدث، هكذا دون رويّة أو تثبت أو مراعاة لأى قواعد أو أصول من فهم أو فقه، أو حتى رجوع لأهل العلم الثقات.
لقد رحل عن الحياة وعن الجماعة من كان يرشد مسارها ومسيرتها، ويصوب فكرها ورؤيتها.. وكانت النتيجة وقوع الجماعة فى يد ثلة لا تحسن اختيار مواطئ الأقدام، ولا تؤهلها مواهبها ولا كفاءاتها للقيادة، فضلا عن غياب نظام يتابع، ويحاسب، ويسائل، ويمنع من الزلل والانجراف بعيدا عن الصواب. تلك هى صورة القيادة الحاليّة، التى كانت سببا فى كثير من الرزايا والبلايا التى حلت بالجماعة والوطن.. لقد كان ذلك كفيلا بإقالة تلك القيادة، أو الضغط عليها من قبل أفراد الصف كى تستقيل، وتترك مكانها لمن يستطيع إدارة الأمور بالحصافة والكياسة اللازمتين. لكن، حرصا منها على مواقعها وعدم مساءلتها، مضت قدما فى توريط الشباب المسكين فى مسلسل الدم والتيه والضياع، غير أن الإنصاف يقتضى منا أن نقول إن الشباب يتحمل جزءا من المسؤولية! فما كان يجب عليه أن يسلم عقله وفكره، وينصاع، أو ينقاد لمن ثبت فشله وعدم أهليته وسوء إدارته.
لا مناص من تحويل الجماعة إلى جمعية دعوية تربوية حقيقية تعمل وفقا للقانون. وفى الجمعية يتم تغيير القيادة والمنهج التربوى بما يحقق الشخصية المتوازنة، الوسطية والمعتدلة، والتى لا تجد حرجا فى نقد ذاتها. ولا مناص أيضا من أن يكون الحزب منفصلا بشكل كامل عن الجمعية، وأن يكون مسؤولا عن إدارة شؤونه بنفسه. دون إحداث التغيير المنشود، فسوف يسير الإخوان من هاوية إلى هاوية أكبر منها. لقد تصوروا أنه ما لم يتمكنوا من استعادة السلطة الفاشلة عن طريق الاعتصامات والتظاهرات والصدامات الدموية، فليدمروا، ويحرقوا البلد بما فيه، كأنهم يقولون:
«علىّ وعلى أعدائى». هم بذلك يدمرون، ويحرقون أنفسم.. لكن عليهم أن يعلموا أن مصر «الوطن والشعب» سوف تنهض من كَبْوَتِها، وتنطلق بعد عثرتها، وساعتها لن يجدوا لأنفسهم مكانا يؤويهم، ولا صدرا يرحب بهم. أراهم يحفرون قبورهم بأيديهم. لا أدرى كيف يفكرون! لقد خسروا أنفسهم، وتاريخهم، ووطنهم، وخسروا شعب مصر، ويبدو أنهم مصممون على الالتزام الحرفى بالمثل: «ضربوا الأعور على عينه، قال: خسرانة.. خسرانة»!