لقد بادرت الثلاثاء الماضى إلى فتح قضية التعليم الطبى والعلاج المجانى فى المستشفيات الجامعية، بناء على نداء من جانب دكتورة مجد قطب، أستاذة طب الأطفال بجامعة القاهرة، انصب المقال الماضى على تحذيراتها من مشروع قانون «المجلس القومى المصرى للمؤهلات المهنية الطبية والذى يفصل المسار الأكاديمى عن المسار العلاجى، ويحول المستشفيات الجامعية إلى مستشفيات استثمارية تحرم ملايين المصريين من العلاج المجانى الحالى.
ولقد تلقيت تعليقات متخصصة، سنعود إليها فيما بعد، أما الآن فإننى أريد تسليط الضوء على مشروع قانون آخر يخص مسألة الطب والعلاج، وهو يحمل اسم «قانون نظام التأمين الصحى الاجتماعى الشامل» والذى يسمح للمستثمرين الأجانب والقطاع الخاص بالمشاركة فى إدارة المستشفيات الحكومية الجامعية، مع ضمان ربح له لا يقل عن 80٪ من الأرباح، وإرغام كل مصرى على دفع 8٪ من دخله لتمويل هذه الشركات الخاصة تحت اسم «إلزامية التأمين الصحى». إن أحد الجوانب الخطيرة فى مشروع القانون هو أنه يتضمن بنوداً للعقاب تدخل المواطن المصرى السجن إذا رفض المشاركة فى هذا التأمين الصحى أو حاول أن يخفى جزءاً من دخله حتى لا يدفع عنه 8٪ سنوياً لهذا المشروع التأمينى النهبوى.
إن أحد المكونات الرئيسية للأمن القومى لأى دولة هو صحة مواطنيها وسلامة رأسمالها البشرى ليكون قادراً على العمل والإنتاج فى حالة السلم، ومؤهلاً للقتال والذود عن الوطن فى حالة الفتن أو الحرب.
إن تدهور الخدمات الصحية المجانية فى المستشفيات الحكومية والجامعية يرجع كما ترى د. مجد إلى مخطط مقصود لإيصالها إلى الحضيض، كما سبق أن حدث مع شركات الحديد والصلب والمراجل والغزل والنسيج وغيرها تمهيداً لخصخصتها وبيعها بأبخس الأثمان، أو إشراك القطاع الخاص الأجنبى والمحلى فى إدارتها، لقد كونت رأياً من خلال قراءتى لمشروعى القانونين اللذين كانت حكومة قنديل فى عهد مرسى متعجلة فى تمريرهما.
ومن خلال فحص الواقع المتدنى للخدمات الصحية المجانية فى المستشفيات الحكومية والجامعية، فإننى أرى أن رأس مشكلة الطب فى مصر واحد سواء أخذنا بأسلوب الإدارة الحكومية الراهن للمستشفيات أو أشركنا القطاع الخاص فى الإدارة. إن رأس المشكلة فى الحالتين هو الفساد وعدم قدرة الحكومات على مواجهته، لو نظرنا فى الحالة الراهنة وهى حالة الإدارة الحكومية سنجد شكاوى من ثلاثية الفساد وهى أولاً: نهب المال العام، وثانياً تدنى مستوى الإدارة، وثالثاً انهيار مستوى الخدمات المجانية المقدمة للمواطنين، ولو تأملنا حالة إشراك القطاع الخاص «الأجنبى» فى إدارة المستشفيات، كما سبق أن أشركناه فى إدارة تنظيف القاهرة وجمع القمامة، فإننا سنجد أنفسنا أمام ثلاثية الفساد+ واحد. أى نهب المال العام وتدنى الإدارة وانهيار مستوى الخدمات بالإضافة إلى قدرة المستثمر الأجنبى البجحة على اللجوء للتحكيم الدولى لمواصلة ثلاثية الفساد، أو إرغامنا على دفع عشرات الملايين من الدولارات له كتعويض إذا حاولنا محاسبته على إهماله. تحذرنا د. مجد من أن تلقى مستشفيات الحكومة والجامعات مصير القاهرة، وشوارعها الكبرى، التى أصبحت معارض مفتوحة للزبالة ومرتعاً بالتالى للكلاب الضالة والقطط ومعملاً نشطاً فى إنتاج الميكروبات والأمراض لسكان العاصمة، تسأل الدكتورة وبحق: ماذا ستستطيع حكومتنا أن تفعل إذا قام الشريك من القطاع الخاص الأجنبى أو المحلى بنهب أموال التأمين الصحى، وأهمل فى إدارة المستشفيات الحكومية والجامعية، وتسبب فى مضاعفة آلام ملايين المرضى المصريين الذين يحصلون اليوم على خدمات مجانية متدنية نريد رفع مستواها وليس الهبوط بها أكثر؟.
إننى أطالب النائب الأول لرئيس الوزراء، قائد ثورة 30 يونيو الفريق أول السيسى بتشكيل لجنة تضم عناصر من آباء الطب المصرى أصحاب التميز والمواقف السياسية الثورية مثل د. محمد غنيم ود. محمد أبوالغار ود. مجدى يعقوب ود. عبدالجليل مصطفى، مع عناصر من جيل شباب أساتذة الطب مثل الدكتورة مجد ود. محسن إدوارد وأمثالهما بالإضافة إلى خبراء مشهود لهم بالوطنية متخصصين فى الاقتصاد والاتفاقات الدولية والقانون الدولى. مطلوب تكليف هذه اللجنة الوطنية بإعادة النظر فى مشروع قانون «المجلس القومى المصرى للمؤهلات المهنية الطبية» ومشروع قانون «نظام التأمين الصحى الاجتماعى الشامل» مطلوب يا سيادة الفريق ويا قائد الثورة تغيير المقاصد والفلسفة الاجتماعية الحاكمة لهذين المشروعين لتتحول إلى مقاصد وطنية تهدف إلى رفع مستوى الإدارة والخدمات المجانية، والحفاظ على المال العام فى المستشفيات الحكومية والجامعية، وعدم تسليم صحتنا إلى الأجانب، كما فعلنا عندما سلمنا نظافة القاهرة لهم، لا نريد أن نخسر صحتنا كما خسرنا نظافة عاصمتنا، المشكلة أن الحكومة الحالية تتبنى القانونين كما تقول الدكتورة، أرجوك تحرك يا قائد الثورة فى الموضوع.