أخبار عاجلة

قانون التظاهر.. فشل «رباعى» ومكسب «ربعاوى»

قبل أن أسرد رصداً تفصيلياً لجريمة «الفشل الرباعى» التى ارتُكبت فى حق شعب استكان فكان مفعولاً به، ثم استفاق فظل مفعولاً به أيضاً، أُعلن رفضى القاطع، بل وتبرُئى مما يسمى قانون التظاهر، ليس لكونه الأسوأ من حيث مواده «الكوميدية»، ولا تطبيقه الذى تم على طريقة «اضرب السلمى يخاف المسلح»، لا.. فأنا ضد هذا القانون تحت أى مسمى، وأى مواد فى هذه الآونة الخانقة والفارقة تحديداً من تاريخ ، لأنه أشبه بوجبة شديدة الدسم تقدم لمريض لم يخرج من غرفة الإنعاش بعد!! قانون التظاهر من مهده القريب إلى «شيخوخته المبكرة»، التى أراها أقرب، كشف لنا عن منظومة مجتمعية «رباعية الأطراف» سجلت فشلاً ذريعاً كنا فى غنى عنه، لكنها انساقت إليه بغباء سياسى فظ، وكان العامل المشترك فى هذا الفشل رباعى الأطراف هو «الغرور» بما يحتويه من أنانية وفوقية ودونية.

«»- وهى أول الأطراف الفاشلة- حينما فكّرت فى صناعة وصياغة وإقرار قانون لتنظيم التظاهر، لم يدرك القائمون عليها (وما أكثرهم من سياسيين وثورجية) أن ذوى الحناجر الواسعة والصوت العالى فى الشارع لن يقبلوا به، من هذا النظام، حتى ولو كان ملائكى المواد نبيل الأهداف، لا لشىء سوى لأن مثل هذا القانون الذى من شأنه السيطرة على غضب الغاضبين، والحد من تعطيل مصالح «المظلومين»، ومواجهة تخريب المخربين، يحتاج تطبيقه إلى دولة متكاملة السلطات، ثابتة الأركان، لا لدولة رخوة لا تقوى على تنظيم مباراة كرة قدم، ولا تشغيل مرفق حيوى شديد الأهمية مثل «السكة الحديد» بدعوى الخوف من الإرهاب، ومن ثم كان من الأحرى تأجيل طرح مثل هذا القانون إلى ما بعد الخروج من نفق المرحلة الانتقالية، ليتم إقراره عن طريق برلمان ورئيس منتخبين، لاسيما أن خلاصة ما مررنا به من تجارب «حكومية»، منذ ثورة يناير، يقول لا تتوقع من «الضعيف» عند المواجهة سوى شيئين: فإما أن يرتجف ويتصبب عرقاً متعطراً بالأدرينالين يتبعه بفرار المتراجع المنهزم فى معركة لم يخضها أساساً، أو أن يثور هائجاً منفلتاً منتقماً متناسياً كل قواعد وسبل ضبط النفس، وقد كان.

«شباب الثورة»- هم ثانى الأطراف الفاشلة- أكثرهم نصّبوا أنفسهم أوصياء على هذا البلد، بشعبه وسلطاته وقوانينه، منذ ثورة يناير التى لا يرون غيرها ثورة مثلما لا يرون غيرهم ثوارا، فكان من الطبيعى- وفق منطقهم- ألاً يكون رفضهم لقانون التظاهر رفضاً سياسياً (رغم كثرة مريديهم من الأذرع السياسية)، بل اختاروا طواعية السقوط فى الفخ.. اختاروا المواجهة باعتبارها الحل الأسهل والأقرب إلى قلوبهم، فاخترقوا- عن سبق إصرار وترصد- قانونا أقره نظام هم جزء أصيل منه بدعوى التظاهر، إما لذكرى الشهيد «جيكا»، أو احتجاجاً على مادة المحاكمات العسكرية للمدنيين فى الدستور، وتحدّوا أجهزة الأمن المنوط بها، بل والمتورطة فى تنفيذ هذا القانون، لا لشىء سوى الرغبة المستدامة فى كسر هيبة «الداخلية» أمام المجتمع، وإظهارها أمام الجميع فى صورة العاجز أو المنتقم..

وقد كان. «الداخلية»- ثالث أطراف الفشل- منذ انهيارها فى يناير 2011 وعلى مدى محاولات ترميمها، بدت فى أحيان كثيرة مختلفة نادمة على ما مضى، ومنهمكة عازمة على إعادة بنائها وفق أسس مجتمعية أخلاقية تعيدها خادمة للشعب لا قيّمة عليه، لكنها رغم ذلك لم تستطع «عملياً» التخلى عن عقيدة الانتقام ومبدأ «البطش عند المقدرة»، فبمجرد أن امتلكت آلية قانونية اعتقدت أنها للتحكم فى التظاهر، اختارت مواجهة من تجرأوا عليها فى «يناير»، وانساقت فى غباء لم نعهده منذ سقوط نظام «مرسى- إخوان» وراء غريزة الثأر، لتجابه قلة من النشطاء السلميين بما لديها من قواعد وأدوات للمواجهة، فى الوقت الذى غضت فيه طرفها عن أنصار المعزول الذين قطعوا- فى نفس اليوم- ميدان نهضة مصر وبعض شوارع مدينة نصر، دون أن تلجأ الشرطة حتى إلى «الميكروفون التحذيرى»، على سبيل المنظرة، لتخسر بذلك رصيداً كانت قد اكتسبته من «أشباه الحلفاء» الذين قد يعودون إلى «زمرة الأعداء».

 «الرئاسة»- رابع أطراف الفشل- تناسيت أن أضعها فى أولى المراتب، لأن تلك المؤسسة نسيت فى الأساس أنها تحكم مصر، فمرر رئيسها «المحايد للأبد» المستشار عدلى منصور، بما يمتلكه من فكر وفقه دستورى، قانوناً يعلم علم اليقين أنه لن يمر مرور الكرام، دون أن يبدى ولو ملاحظة واحدة على مواده، وتعامل مع هذا القانون على طريقة «إمضى يا أشول»، وهى جملة شهيرة قالها الفنان عادل إمام لسعيد صالح فى فيلم سلام يا صاحبى!!

SputnikNews