«الوطن» تنفرد بنشر مذكرات المشير أحمد إسماعيل.. وزير حربية معركة الكرامة

«الوطن» تنفرد بنشر مذكرات المشير أحمد إسماعيل.. وزير حربية معركة الكرامة «الوطن» تنفرد بنشر مذكرات المشير أحمد إسماعيل.. وزير حربية معركة الكرامة
لم أهتم بالدعاية.. فطمسوا الحقائق ونسبوا أعمالى لغيرى

كتب : سماح حسن الأحد 29-09-2013 10:39

تواصل «الوطن» انفراداتها، وتعيد رصد وتسجيل تاريخ حرب أكتوبر 1973، واليوم نبدأ النشر الحصرى لمذكرات المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية فى حرب أكتوبر، التى كتبها بخط يده، وظلت حبيسة الأدراج طوال أربعين عاماً.. يقول المشير الراحل فى مقدمة مذكراته:

خير ما أبدأ به هذه المذكرات هو جزء من دعاء النبى (صلى الله عليه وسلم): «اللهم اجعلنى شكوراً واجعلنى صبوراً واجعلنى فى عينى صغيراً وفى أعين الناس كبيراً». كما أدعـوه أن يوفقنى فى تذكر الحقائق، لكى أؤدى الأمانة لأصحابها، وأصحاب الأمانة هنا هم أهل وطنى الذين يستحقون أن يقرأوا التاريخ كما حدث بالفعل وليس كما تلونه الأهواء والانحيازات والمصالح. وعلى الرغم من أن كتابة المذكرات لا تحتاج إلى تبرير، خاصة عندما يتعلق الأمر بالذين يعملون فى خدمة الوطن، فإننى أجد نفسى ملزماً بالتأكيد على أن ما دفعنى هو شعورى ويقينى بأننى أديت جزءاً من واجبى نحو بلدى فى تاريخ حياتى، ونظراً لأننى لم أكن مهتماً بالدعاية والإعلان عما فعلت، فوجئت أن الحقائق والوقائع طُمست، وأن التاريخ يتعرض للتحريف الذى يصل إلى حد التزوير، كما تعمد البعض أن ينسب أعمالى لغيرى، بل إن هناك من تعمد تشويه الدوافع النبيلة لتلك الأعمال.

بدأت كتابة هذه المذكرات بعد أن تركت الخدمة بأربعة أشهر، وقد تخوننى الذاكرة فى بعض الأحداث، ولكننى سأحاول جهدى تذكر تلك الحقائق، وأستعين فى ذلك بقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾.

لا يعلم الكثيرون التاريخ الحقيقى لبداية لجوء للاتحاد السوفيتى لشراء السلاح منه والتحرر من قبضة الغرب فى هذا المجال.. فقد كان شُغل الرئيس عبدالناصر الشاغل منذ اندلاع ثورة يوليو، هو البحث عن مصدر جديد لشراء السلاح منه بدلاً من بريطانيا التى كانت تحتكر توريده لمصر، وقد حاول عبدالناصر كثيراً إقناع الولايات المتحدة ببيع السلاح لنا، ولكن كان الرفض دوماً موقف واشنطن. ومن هنا جاء التفكير فى الاتحاد السوفيتى. وجاءت البداية عام 1955 عبر أحد رجال الأعمال الوطنيين ويُدعى محمد أحمد فرغلى باشا الذى أممت الثورة ممتلكاته فيما بعد ووضعته تحت الحراسة حيث أبلغه سفير الاتحاد السوفيتى فى القاهرة باستعداد موسكو لبيع السلاح لمصر سراً عبر وسيط لإخفاء الأمر عن الولايات المتحدة. وهو الأمر الذى رحب به الرئيس عبدالناصر وكان يعلم أن التعاون مع الاتحاد السوفيتى لم يكن بالفكرة الجديدة، فقد سبق لرئاسة أركان الجيش المصرى التفكير فيه قبل قيام ثورة يوليو 1952 من خلال الفريق عزيز المصرى. هنا قرر الرئيس جمال عبدالناصر زيارة الفريق عزيز عثمان وكان قد أُحيل للتقاعد وأقنعه بتولى مهمة التفاوض مع السوفيت وتوطيد علاقة مصر بهم عبر تعيينه سفيراً لمصر فى موسكو. والحقيقة أن ثمار تلك الخطوة كانت شديدة الأهمية لمصر وهو ما أثبتته الأيام، حيث أعلن المسئولون السوفيت للسفير المصرى استعداد موسكو لمساندة مصر ودعمها اقتصادياً وعسكرياً لتحقيق استقلالها عن الغرب. وهكذا وصلت مصر أول شحنة سلاح سوفيتى فى النصف الثانى من عام 1955 عبر تشيكوسلوفاكيا التى تم اختيارها كوسيط لصفقات السلاح بعيداً عن أعين الولايات المتحدة، وقد أحاطت بالصفقة السرية التامة، والتكتم الشديد من قِبل الحكومتين المصرية والسوفيتية. ووقتها وقع اختيار الرئيس جمال عبدالناصر علىَّ لتدريب الجنود والضباط فى الجيش المصرى على الأسلحة الجديدة.

بالطبع لم نستطع إخفاء أخبار ما استقدمه الجيش المصرى من سلاح جديد، وهو ما أزعج العدو الإسرائيلى الذى كان يكنُّ الكراهية لعبدالناصر. ولعل هذا كان بداية تفكير إسرائيل فى توجيه ضربة للقوات المسلحة المصرية لوأد تقدمها.

ومن هنا كان قرار إسرائيل المشاركة فى العدوان الثلاثى على مصر فى عام 1956، رداً على قرار الرئيس عبدالناصر بتأميم قناة السويس بعدما رفضت الولايات المتحدة الأمريكية تمويل بناء السد العالى، وتأثيرها على البنك الدولى هو الآخر لرفض التمويل. وجاء يوم 29 أكتوبر عام 1956 ليبدأ القصف الجوى لطائرات الدول الثلاث المعتدية على مصر: إنجلترا فرنسا إسرائيل. كنت وقتها قائداً للواء الثالث مشاة برتبة عقيد، وكان مقر وجودى هو شرق قناة السويس، وبالتحديد فى القنطرة شرق. كانت مهمتنا الدفاع عن بورسعيد ومنع قوات الدول الثلاث من أى عملية إنزال فيها، سواء كانت براً أو بحراً أو جواً وذلك لمنع احتلال المدينة. كانت إسرائيل قد نجحت فى عملية إنزال جوى عند ممر «متلا» بسيناء وصدرت أوامر القيادة لى بالتعامل مع تلك القوات، مع الانسحاب لغرب القناة لإفشال خطط القوات البريطانية فى احتلال بورسعيد. وهكذا اشتبكنا مع القوات الإسرائيلية فى عدة معارك قتالية، ولكننا لم ننجح فى منع تسلل القوات البريطانية لبورسعيد، فقاومنا باستبسال حتى نجحنا فى تحرير المدينة بعد انسحاب القوات البريطانية منها فى 23 ديسمبر عام 1956.

أتوقف للحديث عن خدمتى العسكرية منذ تخرجى فى الكلية الحربية عام 1938، لقد قضيت نحو 35 عاماً من حياتى العسكرية بين القنطرة والعريش والإسماعيلية؛ ولذا كنت أحفظ سيناء وأرضها بشكل دقيق ولذا وبعد انتصار أكتوبر المجيد، أهدانى أهل سيناء وقواتنا فى تلك المنطقة، أول علم رفعه الجنود على الضفة الشرقية للقناة بعد العبور لها يوم السادس من أكتوبر، تقديراً منهم لخدمتى فى هذه المنطقة لسنوات طويلة، وعرفاناً بعلاقتى الطيبة مع شيوخ القبائل هناك.

أعود لحرب 1956 وأقول إن مسار الحرب أكد فشل المشير عبدالحكيم عامر كقائد عسكرى، وكذلك قائد سلاح الطيران الفريق صدقى محمود، وتوقعنا كضباط إقالتهما لعدم إدراكهما حقيقة المعركة التى كنا نخوضها، وكذلك عدم فهمهما لأبسط الأمور العسكرية المتعلقة بالمعارك. ولكن الرئيس عبدالناصر لم يُقل المشير عامر الذى عارض من جانبه أيضاً إقالة الفريق صدقى أو محاسبته.

كان أعضاء مجلس قيادة الثورة يرون فى عبدالحكيم عامر مجرد صديق للرئيس عبدالناصر، بل إنهم عارضوا تعيينه عام 1954 قائداً عاماً للقوات المسلحة، وكانوا يرون أن الأكفأ والأجدر لتولى هذا المنصب، هو زكريا محيى الدين، ولكن عبدالناصر كان له رأى آخر، حيث أصر على تولية عبدالحكيم عامر رغم إمكانياته المتواضعة كقائد عسكرى.

«عبدالناصر» حاول إقناع الولايات المتحدة ببيع السلاح لنا.. ولكن الرفض دوماً كان موقف «واشنطن»

فتوجهنا للاتحاد السوفيتى

الغريب فى العدوان الثلاثى على مصر، كان موقف الاتحاد السوفيتى. فنحن لم نكن قد حصلنا على كل احتياجاتنا من السلاح السوفيتى عبر تشيكوسلوفاكيا عند اندلاع الحرب، وبالتالى لم تستطع موسكو إمدادنا بالمتفق عليه وفق الجدول الزمنى المحدد لظروف العدوان، وقد أتفهم هذا. ولكن الأمر الذى لم أتفهمه هو عدم قيام موسكو بتقديم أى دعم عسكرى لنا بعد صدور قرار وقف إطلاق النار وانسحاب القوات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية من القناة!! ولم تكتف بذلك وحسب ولكنها قامت بنقل المستشارين العسكريين التشيك والسوفيت الذين كانت قد أرسلتهم لمصر والسودان بمجرد اندلاع الحرب! كان السوفيت يخشون الظهور العلنى على ساحة المشهد وبالتالى التورط بأى

DMC