أخبار عاجلة

محسنة توفيق.. فنانة بدرجة «ناشطة سياسة»

محسنة توفيق.. فنانة بدرجة «ناشطة سياسة» محسنة توفيق.. فنانة بدرجة «ناشطة سياسة»

يصادف اليوم ذكرى ميلاد إحدى «مجازيب» السينما المصرية، كما وصفها المخرج العالمي يوسف شاهين، الفنانة القديرة محسنة توفيق التي كان لدورها السياسي حاجز كبير في أداء العديد من الأدوار التلفزيونية، ففي 29 ديسمبر ولدت محسنة توفيق وولد معها الطابع السياسي المتأصل في عروقها يسير سريان الدم في الشريان.

بدأت نزعتها السياسة تظهر في سن صغيرة، في روايتها شعرت بالنزوع السياسي وهي في السابعة من عمرها بالتحديد مع عدوان 1956، حين كانت تتجول وتدق أبواب المنازل لتحذير الأهالي من الخروج، وتشد عليهم في التحذيرات وهي طفلة تكاد لا تبلغ العشر سنوات من عمرها: «نحن مهددون من عدو اغتصب الأراضى الفلسطينية وأقام عليها دولة تدعى إسرائيل».

ولعل تواجدها لفترة من حياتها أثناء طفولتها بمحافظة السويس كان له عامل كبير في بناء توجهاتها السياسية في وقت مبكرة، هناك عرفت معنى المقاومة الوطنية، كما أنها شهدت واقعة فتح كوبري عباس الثاني على الطلاب وكان له أثر كبير على نفسها.

رحلت الفنانة محسنة توفيق في الـ80 من عمرها، بعد صراع طويل مع المرض في 7 مايو 2019، نعاها جمهورها ومحبوها عبر منصات التواصل الاجتماعي، مستعرضين أهم المحطات المؤثرة في تاريخ الفنانة محسنة توفيق، ومن بين هذه المحطات الأكثر جدلًا في حياتها، بل وقد كان لها تأثير كبير على مسيرتها الفنية، موقفها السياسي الذي حتم عليها المشاركة في بعض الأعمال الدرامية وأخرى لا.

بدأت الفنانة محسنة توفيق مسيرتها الفنية منذ الخطوة الأولى التي خطتها في دخول المسرح المدرسي، بمحض الصدفة وهي في 7 من عمرها، عندما شجعها مدرس اللغة العربية، لكي تلعب دورًا في المسرحية المدرسية، ومن هنا كانت الانطلاقة الأولى والحقيقية لها، حتى حصلت على البكالوريوس عام 1968 من كلية الزراعة.

نشأت محسنة في أسرة فنية وإعلامية عريقة، فهي شقيقة الأخت الكبرى الإعلامية فضيلة توفيق صاحبة لقب «أبلة فضيلة» والأخت الثانية «يسرا توفيق» مغينة بالأوبرا المصرية».

ناشطة سياسية

«طُلب مني تغيير مواقفي السياسية، لكنني لم أفعل، فقد كنت دائمًا أسأل نفسي عن سبب تظاهر العمال والطلبة منذ أن كنت صغيرة، وعرفت أنهم عانوا من الضغط والكبت وسوء المعيشة، وظلت حكايات كتلك تلازمني في حياتي ودائما أنظر إلى الظروف والأوضاع وآخذ بالأسباب»، هكذا كانت محسنة والسياسة والدراما التلفزيونية.

تابعت محسنة في إحدى اللقاءات لها أنها لم تكتف بمتاعبة القضية عن بعد فحسب، بل شاركت أهالي المخيمات الفلسطينية، وقررت العيش وسطهم لفترة محددة، وتعلمت منهم الصبر والعزيمة والوحدة الوطنية من أجل الوطن.

عرفت بمواقفها السياسية منذ أيام الرئيس جمال عبدالناصر، حتى أنها شاركت في ثورة 25 يناير 2011، تدخلها الزائد في الأمور السياسية وضعها بين القضبان وفي السجون، مما أثر على مشوارها الفني.

سُجنت بعد أدائها دور «بهية» في فيلم «العصفور» من اخراج يوسف شاهين، وبحسب ما ذكرت إنجي أفلاطون في مذكراتها عن فترة اعتقالها مع زميلتها محسنة توفيق وهي لا تزال تعرف الشهرة طريقها، كانت الصدفة التي جمعتها مع الفنانة محسنة توفيق في نفس الزنزانة، لتعبر عن المأساة «الأيام تمضى متشابهة كما تمضي الشهور كذلك، وليتم الإفراج عن المسجونات قررنا عمل إضراب وهو أول إضراب سياسي في تاريخ السجون النسائية المصرية، عام 1962، وكان شعارنا الإفراج أو الموت وكان الرأي العام العالمي متضامنا معنا آنذاك، ولكن باءت بالفشل، ووقتها تولى السجن مأمور جديد، حيث سمح لهم بالتمثيل وفقا لإمكانيات السجن وكان من بين المسجونات الفنانة محسنة توفيق».

صرختها في فيلم «العصفور» عن دور بهية الخياطة التي تشقى سعيًا لكسب لقمة العيش، لكنها تصرخ في نهاية الفيلم لترفض الهزيمة وتصرخ قائلة: «هنحارب.. هنحارب» والتي من بعدها غنى الشاعر أحمد فؤاد نجم « يامه يا بهية» ويخرج من بعدها الشعب عن صمته بعد تنحي جمال عبدالناصر: «عندما سمعت عبدالناصر يتنحى نزلت جرى في الشارع، وكنت في العتبة وجريت من العتبة لكوبرى القبة رافضة لما قاله حتى عاد».

عايشت بعض اللاجئين في الملاجئ والمستوطنات من أهل فلسطين، وقدرت من بعدها قيمة الحياة والوطن وأن يحارب الانسان من أجل وطنه وأرضه باسم الحرية.

أما عن أقرب الأدوار الفنية لها خلال مسيرتها، كان دورها في مسرحية «مأساة جميلة» التي جسدت فيه دور صديقتها المقربة «هند» ومن حبها للدور سافرت للجزائر لمقابلة الشخصية الحقيقية.

تعاونت خلال طريقها مع كبار المخرجين، منهم عاطف سالم عن فيلم «البؤساء» وفيلمي «قلب الليل» و«الزمار» مع المخرج عاطف الطيب، وكان آخر أفلامها «ديل السمكة» مع المخرج «سمير سيف».

وعن مشوارها الفني الدرامي، شاركت في عدد من المسلسلات منها «ليالي الحلمية، الشوارع الخلفية، الوسيلة، أم كلثوم، المرسى والبحار» وعن أخر أعمالها الدرامية مسلسل «أهل اسكندرية» عام 2014، إلى جانب العديد من الأعمال الإذاعية.

وعن حكاية «بلاش محسنة» قالت: «قيل كثيرا بلاش محسنة توفيق تمثل، ورئيس جهاز التليفزيون كان زوج أختى هو من أبلغنى بسبب مواقفى السياسية، وقلت له لن أغير مواقفى، وكانت تعليمات سرية بعدم ترشيحى للأعمال الفنية». وأكدت أنها لم تكن تفكر في احتراف الفن والتمثيل، قائلة: «وجدت نفسى ممثلة وعندما عرض علىّ (هند) في مأساة جميلة وكنت وقتها لم أمتهن التمثيل أو أكن عضوا في النقابة، وكنت أريد دخول الطب أو الزراعة حتى أكون مع الفلاحين لمعالجتهم أو التواجد معهم في الأراضى الزراعية».

رحلت الفنانة عن عالمنا في 2019، وسط توديع حار من جماهيرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأصدق العبارات: «إن الإبداع الدرامي فقد إحدى علاماته التي تميزت بالأداء الفني الصادق».

المصرى اليوم