أخبار عاجلة

مبادئ الخمسين الإماراتية.. السياسة في خدمة الاقتصاد

مبادئ الخمسين الإماراتية.. السياسة في خدمة الاقتصاد مبادئ الخمسين الإماراتية.. السياسة في خدمة الاقتصاد

اشترك لتصلك أهم الأخبار

في الخامس من سبتمبر الجاري، أطلقت حكومة الإمارات برئاسة الشيخ محمد بن راشد، إطاراً عاماً لاستراتيجية الدولة داخلياً وخارجياً، تحت عنوان وثيقة الخمسين المقبلة مكونة من 10 مبادئ. إذ تطمح الدولة التي تأسست في الثاني من ديسمبر عام 1971، ليس فقط للحفاظ على تفوقها الاقتصادي والتقني عربياً، لكن للمنافسة على المراكز الأولى عالمياً، في القطاعات الاقتصادية المعتمدة على التكنولوجيا والابتكار، بدعمٍ نشط من سياسة هدفها – بحسب الوثيقة – هو خدمة الاقتصاد، فضلاً عن إجراءات داخلية تستهدف تعزيز التفوق التقني واستقطاب المواهب وترسيخ التسامح.

من الصحراء إلى الفضاء

تعتمد الإمارات على وضع اقتصادي قوي، وبنية تحتية من بين الأحدث في العالم، مع نموذج ناجح في تنويع مصادر الاقتصاد الذي استثمر أرباح النفط في بناء نظام تعليمي متطور، وبنية تحتية قوية، ونظام اقتصادي مرن أصبح أحد أبرز الأنظمة الاقتصادية الواعدة في العالم، بجانب قاعدة علمية مكنت الإمارات تحقيق عدة قفزات ملهمة عربياً ودولياً، إذ أصبحت أول دولة عربية تُطلق مهمة فضائية للمريخ، وثالث دولة في العالم تنجح في الوصول إلى المريخ من المرة الأولى.
كما أطلقت الإمارات برنامجاً ناجحاً لارتياد الفضاء، وصلت به إلى محطة الفضاء الدولية، ونجحت في بناء قمر صناعي إماراتي بنسبة 100% (خليفة سات)، فضلاً عن النشاط المكثف لخلق بيئة ابتكار علمي، نجحت خلاله عبر سنواتٍ قليلة في إطلاق أكثر من 8 أقمار صناعية مختلفة، كما أنجزت عملية إنشاء وتشغيل أول مفاعل نووي عربي، وهو مفاعل براكة الذي جعل الإمارات أول دولة عربية تدخل عالم التكنولوجيا النووية.

النموذج الإماراتي

التطورات المتلاحقة التي تنجزها الإمارات، تأتي لتضرب نموذجاً نادراً في التنمية المستدامة، وهو النموذج الذي جعل أكثر من 77% من شباب المنطقة يعتبرون الإمارات وجهتهم الأولى للعمل والحياة. فالدولة الخليجية نجحت في بناء نموذج متعايش مع الاختلافات الثقافية التي تمثل هاجساً مزمناً للعديد من دول المنطقة، وتقدمت خطوات للأمام بإطلاق وثيقة الأخوة الإنسانية في 2019، وتجري حالياً بناء "بيت العائلة الإبراهيمية"، كمنصة فريدة تجمع قيادات الأديان الإبراهيمية الثلاثة، الإسلام والمسيحية واليهودية، وهو النموذج الذي اتبعته دول متقدمة مثل ألمانيا التي قررت في 2021، بناء "بيت الواحد"، على ذات النموذج الذي تبنيه الإمارات في جزيرة السعديات بأبوظبي.

خطة المستقبل
الاستراتيجية الإماراتية نحو المستقبل، ترتكز على محاور أساسية، هي المعرفة، والاستثمار في الكوادر البشرية المحلية، بالتوازي مع استقطاب المبدعين والتحول إلى عاصمة الابتكار العالمية الجديدة، فضلاً عن التركيز على التكنولوجيا وبناء بيئة تكنولوجية حاضنة للابتكار. وهي المحاور التي بدت واضحة في وثيقة مبادئ الخمسين، التي أقرتها الإماراتية وأعلنت أنها محددات ملزمة لـ"جميع الأجهزة الحكومية والتشريعية والشرطية والعلمية والأمنية وغيرها في الدولة".

الأولوية الكبرى.. تقوية الإتحاد
تضمن الوثيقة 10 مبادئ عامة تلزم بها حكومة الإمارات كافة مؤسساتها بالعمل من خلالها لتحقيق الأهداف. ومن أبرز الرسائل كان التأكيد على "الأولوية الكبرى" وهي "تقوية الاتحاد"، وهو ذات المعنى الذي أكدت عليه مبادئ سابقة أصدرها الشيخ محمد بن راشد لمستقبل دبي في 2019.
وحسب وثيقة مبادئ الخمسين الأخيرة، فإن هذه "الأولوية الرئيسية الكبرى" تتضمن تقوية مؤسسات وتشريعات وصلاحيات وميزانيات الاتحاد الإماراتي، وإطلاق عملية "تطوير كافة مناطق الدولة، عمرانياً وتنموياً واقتصادياً"، باعتبار ذلك هو "الطريق الأسرع والأكثر فعالية في ترسيخ اتحاد دولة الإمارات".

الاقتصاد يقود السياسة
تتمتع الإمارات التي تتكون من سبع إمارات متحدة، باقتصاد قوي يتميز بمرونته الشديدة التي نجحت في مواجهة تداعيات فيروس كوفيد – 19 بقوة مقارنة بدول كبرى مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وتتنوع الأنشطة الاقتصادية في الإمارات إلى حدٍ كبير مقارنة بأي دولة خليجية أخرى.
فبينما يتركز النفط والغاز في إمارة أبوظبي العاصمة، التي تضم نحو 94% من الثروة البترولية، إلا أن نسبة القطاع غير النفطي من إجمالي اقتصاد الإمارة تصل إلى 49%. بينما تنمو التجارة الخارجية في إمارة دبي بشكلٍ مضطرد منذ عقود إذ بلغت قيمة تجارة دبي الخارجية في 2020 1.182 ترليون درهم إماراتي (الدولار الأمريكي = 3.65 دراهم). بينها 167 مليار درهم من الصادرات، مقابل 686 ميار درهم من الواردات فيما حصدت الإمارة 329 مليار درهم هي قيمة صفقات إعادة التصدير.
وبينما تسعى الإمارات لتحقيق هدفها الاستراتيجي الذي أعلن عنه الشيخ محمد بن زايد في القمة العالمية للحكومات عام 2015 بـ"الاحتفال بتصدير آخر برميل نفط"، تأتي وثيقة مبادئ الخمسين لتؤكد في المبدأ الثاني مباشرة أن الهدف هو "التركيز بشكلٍ كامل خلال الفترة المقبلة على بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم"، وتشدد الوثيقة على أن "التنمية الاقتصادية للدولة هي المصلحة الوطنية الأعلى، وجميع مؤسسات الدولة في كافة تخصصاتها وعبر مستوياتها الاتحادية والمحلية ستكون مسئوليتها بناء أفضل بيئة اقتصادية عالمية".
يتضح من الحديث المتقدم عن الاقتصاد وكونه "المصلحة الوطنية الأعلى"، النهج الذي ترغب الإمارات في المضي قدما عبره نحو المستقبل، إذ تؤكد في البند الثالث من الوثيقة أن "السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا وعلى رأسها المصالح الاقتصادية"، وتشدد على أن "هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد. وهدف الاقتصاد هو توفير أفضل حياة لشعب الاتحاد".
هكذا تتضح الرسالة الأبرز في خطة الإمارات نحو المستقبل، تركيز كل الجهود لبناء اقتصاد قوي ومرن ومتطور، بحيث تقود قاطرة الاقتصاد خطوات السياسة الإماراتية.
عاصمة المواهب في العالم
تسعى الإمارات لاستقطاب الكوادر المدربة ورعاية المواهب وتطوير نظام التعليم باستمرار، ويتضح أن هذا الهدف جزء رئيسي من الروافع التي تعتمد عليها خطة المستقبل الإماراتية. إذ ينص المبدأ الرابع من وثيقة الخمسين على أن "المحرك الرئيسي المستقبلي للنمو هو رأس المال البشري"، ويعتبر أن "تطوير التعليم واستقطاب المواهب والحفاظ على أصحاب التخصصات، والبناء المستمر للمهارات هو الرهان للحفاظ على تفوق دولة الإمارات".
وكانت الإمارات قد أطلقت نظام الإقامة الذهبية خلال جائحة كورونا لتشجيع أصحاب المواهب والكوادر المدربة خاصة في المجالات العلمية والطبية، على الإقامة فيها. فيما تزامن إطلاق وثيقة مبادئ الخمسين على إطلاق "الإقامة الخضراء" في الدولة، وهي إقامة تفصل بين العمل والإقامة في الدولة. فضلاً عن "الإقامة الحرة" التي تسمح بالإقامة والعمل المستقل في كافة الإمارات، دون الحاجة لعقد عمل مع جهة محددة.
وتستعد الإمارات بشكلٍ عام للاستفادة من إنجازاتها في بناء بنية تكنولوجية وعلمية تنمو باستمرار، عبر مشاريع دؤوبة لاستقطاب الكوادر العالمية الناجحة في التخصصات المختلفة.

وتعتبر الإمارات مركزاً دولياً مؤثراً في خارطة الابتكار، وتحتل الإمارات المركز الأول عربياً والرابع والثلاثين عالمياً على مؤشر الابتكار العالمي بحسب آخر نتائج للمؤشر عام 2020. فيما حلت في المرتبة 22 عالمياً في مدخلات الابتكار متقدمة على الصين وإسبانيا وروسيا وآيسلندا، وهي من الدول الرائدة في مجالات الابتكار.
السياسة الخارجية.. الاستقرار أولاً

شهدت السياسة الخارجية الإماراتية، مرحلة جديدة تستهدف تخفيف التوترات في العلاقات الخارجية، ومنع التصعيد، لذلك جاء المبدأ الخامس من مبادئ الخمسين، مؤكداً على استمرارية هذه السياسة في العقود المقبلة، إذ تؤكد حكومة الإمارات أن "حسن الجوار أساس للاستقرار"، معتبرة أن "المحيط الجغرافي والشعبي والثقافي الذي تعيش ضمنه الدولة يعتبر خط الدفاع الأول عن أمنها وسلامتها ومستقبل التنمية فيها".

وتمهد الإمارات لبناء سياسة خارجية أكثر ميلاً للتعاون وأكثر انفتاحاً إذ تؤكد أن "تطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية مع هذا المحيط يعتبر أحد أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة".

وكانت الإمارات قد شاركت في اتفاق العلا بالسعودية، الذي أنهى أعوام من المقاطعة الإماراتية – – البحرينية – المصرية، مع إمارة قطر، فضلاً عن سلسلة زيارات واتصالات إماراتية رفيعة المستوى، استهدفت خفض التوتر، وبناء جسور تفاهم مع المحيط الإقليمي، مع إشارات لضرورة التهدئة والاستقرار.
تعتبر الإمارات أن هذه الخطوات "سياسة مستدامة"، وتوضح أنها تعتبر الاستقرار وعدم التصعيد رافعة أساسية للاقتصاد في المستقبل، وهو المحور الذي تدور حوله السياسة الإماراتية، وتتركز فيه الرسائل التي تضمنتها المبادئ.

صورة الإمارات في العالم

تصاعد تأثير الإمارات كدولة ونموذج في الإقليم خلال العقد الماضي، وركزت وثيقة المبادئ على ضرورة "ترسيخ السمعة العالمية لدولة الإمارات" باعتبارها "مهمة وطنية للمؤسسات كافة"، لكن هذه الصورة التي تسعى الإمارات لترسيخها هي أن "دولة الإمارات وجهة اقتصادية واحدة، ووجهة سياحية واحدة، ووجهة صناعية واحدة، ووجهة استثمارية واحدة، ووجهة ثقافية واحدة"، وهو ما يعكس التشديد في المبدأ الأول على "الأولوية الرئيسية الكبرى" وهي الاتحاد الإماراتي.
تسعى الإمارات ليس فقط لـ"توحيد الصورة العالمية للدولة"، لكن أيضاً لترسيخ "التفوق الرقمي والتقني والعلمية"، معتبرة أن هذا التفوق "ٍسيرسم حدودها التنموية الاقتصادية، وترسيخها كعاصمة للمواهب والشركات والاستثمارات، وسيجعلها العاصمة العالمية للمستقبل".

لا تراجع عن التسامح
في 2019 خطت دولة الإمارات خطوات كبيرة في مجال ترسيخ التسامح، فأطلقت أول وزارة للتسامح، ورعت وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر في أبوظبي، فضلاً عن استضافة بيت العائلة الإبراهيمية كمشروع عالمي على أرض الإمارات.
هذه الخطوات أكدت استمراريتها مبادئ الخمسين التي شددت على أن "منظومة القيم في دولة الإمارات ستبقى قائمة على الانفتاح والتسامح وحفظ الحقوق وترسيخ العدالة".
وهي الفكرة التي تكررت في المبدأ التاسع من الوثيقة الذي يتحدث عن كون "المساعدات الإنسانية الخارجية لدولة الإمارات هي جزء لا يتجزأ من مسيرتها التزاماتها الأخلاقية تجاه الشعوب الأقل حظاً". وشددت الوثيقة على أن هذه المساعدات لا ترتبط "بدين أو عرق أو لون أو ثقافة"، مشددة على أن "الاختلاف السياسي مع أي دولة لا يبرر عدم إغاثتها في الكوارث والطوارئ والأزمات".
وكانت الإمارات قد قدمت مساعدات كبيرة لإيران خلال جائحة كورونا رغم الخلاف السياسي الكبير بينهما. بينما نشطت المساعدات الإماراتية للشعب الأفغاني رغم سيطرة حركة طالبان على الحكم في كابل خلال الأسابيع الأخيرة.

طريق السلام مفتوح

في المبدأ العاشر للوثيقة، أكدت الإمارات على تمسكها بنهج السلام، وقالت إن "الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات هو الأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات". وهي السياسة التي انتهجتها الدولة في عقد الاتفاق الإبراهيمي للسلام مع إسرائيل، وأكدت عليه عبر بدء مشاريع تعاون مشتركة في القطاعات الزراعية والتكنولوجية وهي من أبرز القطاعات التي تعتبرها دولة الإمارات الحصان الرابح في عملية الانتقال إلى "الثورة الصناعية الرابعة"، وبناء تنمية مستدامة واستقطاب المواهب والابتكارات.

تحديات المستقبل
ختاماً، تبدو المبادئ العشر الإماراتية بمثابة "دستور مستقبلي" للعمل داخل وخارج الدولة التي تأسست قبل خمسين عاماً، ونجحت في مهام النهضة وبناء اقتصاد متنوع أكثر قدرة على التعامل مع الأزمات.

إن الوثيقة الجديدة، بما تحمله من رسائل واضحة، موجهة ليس فقط إلى الداخل، لكن إلى المنطقة والعالم كله، والرسالة الرئيسية التي ترغب دولة الإمارات في إيصالها أنها تعرف الطريق إلى المستقبل، وأن سياستها الخارجية تقوم بالأساس على ضمان استدامة التنمية واستقرار محيطها. وهو الأمر الذي أكدت عليه الإمارات عملياً في الفترة الأخيرة، بنشاط دبلوماسي مكثف.

رغم ذلك يتبقى التحدي الرئيسي لدولة الإمارات، في القدرة على تجنب التقلبات الإقليمية والدولية المؤثرة على النشاط الاقتصادي لدولة تطمح للتحول إلى العاصمة العالمية لاقتصاد المستقبل، وهو دور يتطلب من الإمارات جهداً مضاعفاً سواء في العمل على حفظ الاستقرار في محيطها، أو التعامل الهادئ مع المنافسات الإقليمية، فضلاً عن القدرة على الاستمرار في نهج اقتصاد المعرفة، وتوحيد جهود التنمية في كافة مناطق الإمارات، كضمانة أكيدة لمستقبل التنمية المستدامة.

المصرى اليوم