مباشر - سالي إسماعيل: بعدما باتت الإجابة على تساؤل ما إذا كان الاقتصاد العالمي يقترب من الدخول في حالة ركود من عدمه، قاطعة بالإثبات؛ فإن الوقت قد حان للسؤال حول الكم.
ومع إغلاق مدن بأكملها وتعطيل الدراسة وكذلك الأعمال والأنشطة ليدخل العالم في حالة من الشلل شبه الكامل بشكل سريع، بات من المتوقع في الوقت الراهن أن يعيش العالم قريباً حالة من الركود بدرجة مؤلمة نتيجة لحالات التوقف المفاجئة في النشاط الاقتصادي.
وفي نهاية المطاف، كل حالة توسع اقتصادي يعقبها ركوداً اقتصادياً والعكس صحيح، ولكن التساؤلات الهامة الآن تكمن في: متى نشهد الركود العالمي للاقتصاد؟، وإلى متى سوف يدوم؟، وما هي درجة شدته؟
هل ستدفع أزمة وباء "كورونا" العالم إلى الدخول في حالة ركود اقتصادي؟، الإجابة تأتي بالإثبات على لسان خبراء الاقتصاد في كافة المؤسسات الدولية وكذلك البحثية.
وتتوقع مؤسسة الأبحاث "إكسفورد إيكونومكس" أن يضرب الركود الاقتصادي الولايات المتحدة ومنطقة اليورو بفعل الكورونا مع توقعات تقلص الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأكثر من تريليون دولار.
وكانت اقتصادات مثل اليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا تعرضت إلى انكماش اقتصادي بالفعل أو فشلت في النمو قبل تفشي الفيروس، لكن يحتمل أن يكون الوضع أكثر سوءاً بنهاية الربع الحالي، وسط توقعات بتسجيل الصين أكبر وتيرة تراجع فصلي في الناتج المحلي الإجمالي في عقود.
إذن؛ ما الفرق بين الركود الاقتصادي محلياً وعالمياً؟، يشير صندوق النقد الدولي إلى أنه من السهل نسبياً وصف الركود الاقتصادي على الصعيد المحلي كونه يُعرف من الناحية الفنية على أنه انكماشاً في الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما لمدة فصلين متتاليين.
أما بالنسبة لركود الاقتصاد على الصعيد العالمي، فيجب أن يكون تباطؤاً في النمو لأقل من 2.5 بالمائة، مصحوباً بتراجع واسع النطاق ومتزامن في مختلف المؤشرات الأخرى للنشاط الاقتصادي العالمي بما في ذلك الإنتاج الصناعي العالمي والتجارة وتدفقات رأس المال والعمالة.
ماذا عن الحالات الشهيرة؟ يوضح صندوق النقد أن هناك أربع حالات ركود اقتصادي عالمي منذ عام 1960 وحتى الآن، وهي تلك التي وقعت في أعوام 1975 وفي عام 1982 وفي عام 1991 وفي عام 2009 مع الإشارة إلى أن الركود المصاحب للأزمة المالية العالمية كان أكثرهم تدميراً.
إلى أيّ مدى ستكون شدة الركود العالمي المحتمل؟، وهو السؤال الأكثر أهمية في الوقت الحالي، مع خفض غالبية المؤسسات الدولية تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى أدنى وتيرة ارتفاع منذ الأزمة المالية العالمية.
وتتوقع وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي العالمي نمواً يتراوح بين 1 إلى 1.5 بالمائة خلال عام 2020، نتيجة إجراءات احتواء الكورونا، ما يعني أن العالم سيقع في حالة من الركود الاقتصادي.
ويعتقد خبراء الاقتصاد في بنك "مورجان ستانلي" أن الركود العالمي فرضية أساسية، حيث يتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 0.9 بالمائة هذا العام.
في حين أن "جولدمان ساكس" يشير إلى نمو الاقتصاد العالمي هذا العام سيبلغ 1.25 بالمائة، وهو ما يؤكد الوقوع في حالة من الركود.
وعلى صعيد آخر، يرى "دويتشه بنك" تعرض اقتصاد الولايات المتحدة إلى انكماش بنسبة 13 بالمائة خلال الربع الثاني من العام الجاري على أساس سنوي بسبب الاضطرابات الناجمة عن فيروس كورونا، ما سيكون أسوأ انكماش في تاريخ البلاد.
وتوقع بنك "جولدمان ساكس" انكماش اقتصاد الصين بنحو 9 بالمائة في الربع الأول من 2020 على أساس سنوي مع خفض توقعات النمو الاقتصادي في مجمل العام الجاري إلى 3 بالمائة.
والآن، ماذا عن مدة الركود المحتمل؟، بالنظر إلى التاريخ فإن الركود الاقتصادي الأخير والذي وقع في الفترة بين عامي 2007 و2009، دام لنحو 18 شهراً ليكون أطول فترة ركود اقتصادي منذ الكساد العظيم في سبعينيات القرن الماضي، لكن على النقيض فإن الركود الاقتصادي في فترة الثمانينيات استمر لنحو 6 أشهر فقط.
وفيما يتعلق بالوقت الراهن فإن مدة الركود تخضع إلى حالة كبيرة من عدم اليقين وسط غموض الأمور المتعلقة بالأزمة الصحية "كورونا"، والتي فتكت بحياة 8 آلاف شخص عالمياً وأصابت أكثر من 200 ألف آخرين.
ويشير بنكا "جولدمان ساكس" و"مورجان ستانلي" إلى أن الركود الاقتصادي المحتمل سيكون أكثر شدة من الركود الذي وقع في عام 2001 لكنه لن يكون بنفس حدة ما حدث إبان الأزمة المالية.
ويتوقع البنكين الاستثماريين أن يشهد العالم حالة من التعافي الاقتصادي في غضون النصف الثاني من العام لكنهما يحذران من أن المخاطر تظل قائمة بقدر أكبر من الآلام الاقتصادية.
ولكن، هل يمكن القيام بأيّ شيء لتخفيف حدة الركود الاقتصادي القادم؟، تتسابق البنوك المركزية الكبرى حول العالم للحيلولة دون الدخول في حالة من الركود إما عن طريق خفض معدلات الفائدة أو التدخل في الأسواق وشراء الأصول أو مساعدة البنوك لتوفير القروض إلى الشركات.
كما أن حكومات الدول تعلن يوماً بعد يوم عن خطط تحفيزية قوية لدعم اقتصاداتها المنهكة ليس فقط بفعل تفشي الكورونا وتداعياته الصحية ولكن كذلك بسبب الإجراءات التي يتم اتخاذها لمواجهة الفيروس المميت كونها تؤدي إلى توقف النشاط الاقتصادي على الصعيد العالمي وتؤدي إلى عزل الدول وتوقف الخدمات والاستهلاك.