أخبار عاجلة

بعد الأوسكار.. الجميع ينظر باهتمام لقصة صعود كوريا الجنوبية

بعد الأوسكار.. الجميع ينظر باهتمام لقصة صعود كوريا الجنوبية بعد الأوسكار.. الجميع ينظر باهتمام لقصة صعود كوريا الجنوبية

مباشر - سالي إسماعيل: تجذب كوريا الجنوبية اهتمام الجميع في هذه الأيام، حيث فاز فيلم "باراسايت" في الشهر الماضي للمخرج الكوري الجنوبي "بونغ جون هو" بجائزة أفضل فيلم في حفل توزيع جوائز الأوسكار.

وبعد قراءة المراجعات حول الفيلم قبل أيام قليلة، يقول الرئيس السابق لـ"جولدمان ساكس" وويزر الخزانة البريطاني السابق "جيم أونيل" خلال رؤية تحليلية نشرها موقع "بروجيكيت سينديكيت"، إنه لم يتعرض للدهشة.

ومع ذلك، بالنسبة للأشخاص غير المتمرسة، تجدر الإشارة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يفوز فيها فيلم بلغة أجنبية بجائزة الأوسكار.

والآن، يبحث الكثيرون حول العالم بشغف عن أمثلة كثيرة على الأمور الجيدة لكوريا الجنوبية من الموسيقى الشعبية "كيه.بوب" وحتى مصممي الأزياء الحديثة.

وفي العادة لا يربط المرء بين الاقتصاد والقضايا الترفيهية، ومع ذلك تعتبر كوريا الجنوبية واحدة من أكثر الحالات الاقتصادية المثيرة للاهتمام.

ولم يتمكن أيّ " ناشئ" آخر من تحقيق نفس النجاح الذي حققته كوريا الجنوبية في غضون الـ40 عاماً الماضية.

وشهدت كوريا الجنوبية، التي كانت موطناً لحوالي 50 مليون نسمة، نمواً أسرع في الدخل من أيّ دولة أخرى مماثلة في الحجم.

ومن حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، تحولت كوريا الجنوبية من كونها قريبة من معظم الدول الواقعة في إفريقيا جنوب الصحراء إلى دولة تتمتع بمعايير معيشية مشابهة لتلك المحققة في إسبانيا.

ومن المؤكد أن فيلم "باراسايت" يروي قصة الفقراء والأغنياء في العاصمة "سول"، كما يقدم نقداً لاذعاً لعدم المساواة في كوريا الجنوبية المعاصرة.

ومع ذلك، فإن أحد العناصر البارزة لنجاح كوريا الجنوبية هو التقلبات المنخفضة نسبياً في نمو الدخل مقارنة مع العديد من الدول الأخرى التي وصلت إلى وضع الدخل المرتفع.

ويشير معامل "جيني"، وهو مؤشر قياسي لرصد عدم المساواة، إلى أن توزيع الدخل في كوريا الجنوبية أكثر مساواة من الوضع في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية.

ما هي الدروس التي تحملها كوريا الجنوبية إلى بقية دول العالم؟، لنبدأ بالدول منخفضة الدخل وتلك التي في الفئة الأقل من الدول متوسطة الدخل.

وكما قمت بالإشارة مرات عديدة، فإن النمو الاقتصادي طويل الآجل يرجع في الأساس إلى أمرين.

ويتمثل الأمر الأول في حجم القوى العاملة في البلاد ونموها، فمن السهل نسبياً تحقيق نمواً أقوى في اقتصاد يعمل فيه عدد كبير من الأشخاص في سن العمل، وهي مسألة واضحة وبسيطة.

ويكمن هذا العامل في قلب قصص النمو الاقتصادي للصين والهند على مدى العقود القليلة الماضية.

لكن القوى العاملة الحيوية والآخذة في الزيادة ليست كافية، حيث إن دول إفريقيا جنوب الصحراء وباكستان وحتى الهند (في بعض الأحيان) فشلت في جني الفوائد المحتملة من شعوبها الكبيرة والتي تشهد معدلات مرتفعة من الشباب.

وفي واقع الأمر، غالباً ما تعتبر الحكومات في هذه الدول حجم سكانها عبئاً، نظراً لفشلها في تحقيق العامل الثاني للنمو: مكاسب الإنتاجية المستدامة.

وتكمن هذه النقطة في قلب ما يجعل كوريا الجنوبية فريدة من نوعها.

ولسبب أو لآخر، فإن غالبية الدول التي تمتعت بنمو قوي في الإنتاجية على مدى الـ40 عاماً الماضية كانت تلك التي تضم عدداً أقل من السكان.

وبعيداً عن كوريا الجنوبية، فإن الاستثناء الكبير الآخر الوحيد هو الولايات المتحدة، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 300 مليون نسمة، وحتى وقت قريب كانت تتمتع بنمو قوي في الإنتاجية.

وخلال فترة عملي في بنك "جولدمان ساكس" في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن العشرين، ترأست فريق إنشاء مؤشراً لمراقبة اتجاهات النمو الاقتصادي المستدام.

ويتكون هذا المؤشر من العديد من المتغيرات التي كان يبدو أنها هامة بالنسبة للإنتاجية: قوة الحوكمة والمؤسسات والاستثمار في التعليم والانفتاح على التجارة والاستثمار والاعتماد على التكنولوجيا وتنفيذها وهكذا.

وخلال دراسة هذه الاتجاهات، ما وجدته أكثر إثارة للاهتمام لم يكن فقط النتائج السنوية من المستوى الأعلى ولكن كذلك الارتباط القوي بين متغيرات محددة ومتوسط الدخل.

ولم تكن كوريا الجنوبية تحتل صدارة أفضل 20 ترتيباً في المجمل فقط، بل احتلت كذلك المرتبة الأولى في المؤشرات الرئيسية مثل استخدام التكنولوجيا، حيث دخلت البلاد مبكراً في عصر الحاسب الآلي، وقد أتى ذلك بثماره.

وبالنظر إلى المراكز المتدنية حينذاك، قدمت نصيحة لصناع السياسة في الدول الواقعة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في كثير من الأحيان بدراسة كوريا الجنوبية ومحاولة محاكاة نموذجها.

ولا يمكنني مقاومة التوصية بهذا الأمر مجدداً، وخاصةً في حالة الدولة الإفريقية الأكثر اكتظاظاً بالسكان "نيجيريا"، والتي يصادف كذلك أنها مصدر بارز للثقافة العالمية وخاصةً في مجال الموسيقى والأفلام.

وعلاوة على ذلك، يوجد سبباً للاعتقاد بأن كوريا الجنوبية قد تتفوق في نهاية المطاف على العديد من الدول الغنية الأخرى.

ويبدو أن استجابة كوريا للتحديات العالمية الجارية كانت أكثر فاعلية من استجابة ألمانيا، والتي كانت تعتبر حتى وقت قريب بمثابة قصة نجاح اقتصادي دائم.

ولا يعني ذلك أن الشعب الكوري الجنوبي يعيش حياة سعيدة، حيث تواجه البلاد العديد من التحديات الكبرى ليس أقلها التباطؤ الاقتصادي في الصين وتغير المناخ، الذي يدعو إلى تطوير ونشر أشكال من الطاقة والنقل أكثر نظافة.

لكن لن تنجو أيّ دولة تقريباً من التأثيرات التي قد تخلفها هذه العوامل، لذا فإن السؤال الحقيقي هو؛ من الدولة التي من المرجح بشدة أن تتكيف على أفضل وجه؟

وبالمثل، تتصارع الدول على كافة مستويات التنمية مع آثار التكنولوجيات الجديدة.

لكن، على الأقل فيما يتعلق بإمكانية الوصول إلى تكنولوجيا "5G" واعتمادها، إضافة إلى أحدث موجة من تقنيات المعلومات والاتصالات، يبدو أن كوريا الجنوبية متفوقة بالفعل على الولايات المتحدة.

ولا أعلم أيّ الدول ستكون الأفضل في العقود المقبلة، لكنني أظن أننا سوف نفكر بشكل أكبر في كوريا الجنوبية مع أو بدون جوائز الأوسكار.

مباشر (اقتصاد)