جي بي سي نيوز:- تشهد العاصمة اللبنانية بيروت الثلاثاء، منازلة سياسية وشعبية حامية، بين المحتجين وأعضاء البرلمان اللبناني، وذلك بالتزامن مع عقد جلسة نيابية عامة تمهيدا لمنح حكومة حسان دياب الثقة.
ويتجمع آلاف المحتجين منذ الصباح الباكر أمام مداخل البرلمان من عدة جهات، في مسعى لمحاصرة النواب ومنعهم من دخول الجلسة وسط إجراءات أمنية استثنائية للجيش وقوات مكافحة الشغب ، بحسب"سكاي نيوز" .
ويقول المحتجون إن المواجهة مع السلطة "حتمية" وإنهم لم يسمحوا للنواب والكتل بالوصول إلى البرلمان، ولإيصال رسالة واضحة أن انتفاضتهم مستمرة بعد مرور 118 يوما على انطلاقتها.
الجدران ترتفع والجيش يحذر
وتحوّل وسط بيروت إلى منطقة معزولة بالجدران، حيث عمدت القوى الأمنية إلى تثبيت جدران وحواجز إسمنتية جديدة على المفارق والتقاطعات المؤدية إلى البرلمان في مشهد أشبه بـ"الكماشة الأمنية".
ووصف المتظاهرون هذه الإجراءات بأنها "سياسات موصوفة من السلطة لتحويل بيروت إلى سجن كبير".
وأعلنت قوى الأمن الداخلي اتخاذ تدابير استثنائية خلال انعقاد الجلسة، أبرزها إخلاء وإقفال شارع المصارف في وسط بيروت كليا، وعزل المناطق المحيطة بمجلس النواب من زقاق البلاط وجريدة النهار وصولا إلى الخط البحري وكل التقاطعات المؤدية لساحة النجمة، حيث البرلمان.
وطلبت الشرطة اللبنانية من المواطنين "أخذ العلم والتقيد بإرشادات وتوجيهات عناصرها تسهيلا لحركة السير ومنعا للازدحام".
واتخذت وحدات من الجيش اللبناني إجراءات أمنية غير مسبوقة في محيط مجلس النواب والطرقات الرئيسية والفرعية المؤدية إليه.
ودعت قيادة الجيش المواطنين في بيان "إلى التجاوب مع التدابير المتخذة وعدم الإقدام على قطع الطرقات إنفاذا للقانون والنظام العام وحفاظا على الأمن والاستقرار".
وأكد الجيش في بيان على دوره في حماية مؤسسات الدولة والاستحقاقات الدستورية، وأحقية التظاهر والتجمع السلمي في الساحات العامة.
وتوجه الجيش للمحتجين في تغريدة على تويتر مساء الاثنين بالقول إن "الجيش والقوى الأمنية مكلفون بحمايتكم ومواكبتكم خلال التظاهرات السلمية فلا تواجهوهم بالقوة والتزموا بتوجيهاتهم حفاظا على أمنكم وسلامتكم".
لا لسلطة المحاصصة
ويصر المحتجون على منع وصول النواب "مهما كلف الثمن" تحت شعار "لا ثقة"، حيث قال الناشط مارون كرم إن "الناس تتجمع أمام المجلس بكل سلمية وحضارية لإقفال مداخله، لأننا لا نريد هذه الحكومة التي تشبه الحكومات السابقة".
وأضاف لـ"سكاي نيوز عربية": "نحن هنا لنقف بوجههم وبوجه جدار العار وسياسات القمع التي تنتهجها هذه السلطة".
واعتبر الناشط محمود فقيه أن "الناس اليوم في الشارع لقول كلمتهم"، مؤكدا أن "كل النواب اليوم أمام ضمائرهم، وعليهم ألا يحضروا الجلسة ويقولوا لا كبيرة لهذه الحكومة التي لا تعبّر عن مطالب الشارع".
وأشار إلى أن "السلطة أوصلتنا إلى هذا الانهيار والانحدار وتتصرف وكأنها تبني شركة مساهمة بحسب الطوائف والانتماءات والولاءات السياسية".
وأعربت الناشطة ندى ناصيف أن "البيان الوزاري للحكومة التي تشكلت منحاز للمصارف وحيتان الأموال فيما البلد ينهار وهو بيان مرفوض ولا يلبي تطلعات الناس المنتفضة منذ أكتوبر الماضي".
ووصل مئات المحتجين من كل المناطق إلى بيروت ليل الاثنين تحسبا لسوء الأحوال الجوية والإجراءات الأمنية المتخذة في الشمال والجنوب والبقاع وجبل لبنان.
وبات المئات في الخيم المنصوبة في ساحتي رياض الصلح والشهداء واللعازارية وفي منازل المحتجين في بيروت تحضيرا للمشاركة في يوم "محاصرة المجلس".
وفتحت المساجد والكنائس في وسط بيروت أبوابها للمحتجين مساء الاثنين وسط موجة الصقيع التي تضرب البلاد.
وبرأي الناشط ميشال أبي راشد فإن "المنتفضين من كل المناطق جاؤوا ليؤكدوا على عدم ثقتهم بالسلطة السياسية الحالية".
وانتقد أبي راشد في حديث لـ"سكاي نيوز عربية" أن "السلطة تقفل على نفسها لإنها تخاف شعبها، لكن الشعب أقوى بكثير لأنه يطمح إلى تحرير نفسه من تسلطهم وبطشهم".
وبدوره قال المنسق الإعلامي لمجموعة "لِحقي" أدهم الحسنية إن "التحركات مستمرة حتى إسقاط هذه المنظومة التي أنتجت حكومة على شاكلتها"، واصفا إياها في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" بأنها "حكومة فاشلة بالمعايير والاختصاص وبطريقة تعيين وزرائها ببيانها الوزاري وبتبنيها لموازنة منتهية الصلاحية".
وأشار إلى أن "هذه الحكومة عبارة عن كسب الوقت لإطالة عمر السلطة السياسية التي تحاول الهروب من جرائمها ومن أصوات المنتفضين".
دعوات لمقاطعة الجلسة
وإذ أكدت قوى سياسية عدة عدم مشاركتها في الجلسة وحجبها الثقة عن الحكومة الجديدة ككتلة الكتائب وكتلة نجيب ميقاتي ومستقلين، أعلنت كتلة تيار المستقبل وتكتل القوات اللبنانية وكتلة اللقاء الديمقراطي حضور جلسة الثقة من دون التصويت لصالح الحكومة.
وطلب عشرات النواب الكلام خلال الجلسة المنقولة على الهواء مباشرة، ويتوقع أن تشهد تصريحات حامية بين المعارضة السياسية من جهة والقوى الداعمة لحسان دياب وحكومته.
وتشير الأرقام إلى أن الحكومة ستنال الثقة بأغلبية النصف زائد واحد من إجمالي عدد النواب أي 65 صوتا.
ويعوّل المحتجون في الشارع على منع وصول أكبر عدد من النواب مما يؤدي إلى فقدان نصاب الجلسة وتأجيلها إلى موعد لاحق.
ودعا ناشطون تيار المستقبل والقوات والحزب الاشتراكي إلى مقاطعة الجلسة لنزع الشرعية عن حكومة دياب.
وفي هذا الإطار، يقول الكاتب السياسي حنا صالح إن "الكلام عم معارضة من داخل الجلسة من جانب المستقبل والقوات والاشتراكي هي ممارسات كذب وشراكة ورهان".
وتابع قائلا: "هي شراكة مع الجهات التي تجاهر بقمع الثورة اللبنانية، وهي رهان أن هذه الجهات ستمنح هذه الأطراف السياسية المتهمة أيضا بالممارسات والفساد بعض المواقع في الإدارة وفي الصفقات".
ولفت في حديث لـ"سكاي نيوز عربية" أن "تيار المستقبل والحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية في مشاركتهم بالجلسة إنما هم يتابعون مسيرة التسوية السياسية التي يزعمون أنهم انسحبوا منها".
وتحتاج جلسة الثقة لحضور 65 نائبا لتأمين النصاب، ويمكن أن تُمنح الثقة بنصف عدد الحاضرين منهم زائد واحد، أي 33 صوتا.
وتعتبر الحكومة مستقيلة وحكومة تصريف أعمال في حال لم تحصل على النصف زائد واحد من إجمالي العدد المطلوب لانعقاد الجلسة.
هل تقمع السلطة شعبها؟
ويتخوف ناشطون من جولة قمع ومواجهات مع القوى الأمنية وسط التشدد الأمني خلال انعقاد الجلسة.
وبرأي الناشطة دارين دندشلي فإن "التحرك اليوم مفصلي لإعادة الزخم إلى الشارع وإعلان استمرار المواجهة لإسقاط سلطة الفساد بكافة رموزها"، واصفة ما يحصل بأنها "معركة لاستعادة الكرامة والحقوق".
وأشارت دندشلي في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" إلى أن "السلطة الفاسدة وضعت الجدران العازلة في مؤشر أنها أصبحت في مكان، والشعب في مكان آخر".
واسترسلت قائلة: "يبدو أنه لدى الجيش اللبناني والقوى الأمنية كافة تعليمات بقمع المنتفضين ولو بالعنف، ولكننا سلميين وسنبقى كذلك، مع الإصرار على المواجهة بكافة الوسائل ومهما كان الثمن".
وبين غضب الشارع وإصرار السلطة السياسية على منح الثقة لحكومة دياب، يقول مراقبون إن البلاد ستشهد فصلا جديدا من المواجهة رغم محاولات القمع والتشدد الأمني بحق المحتجين، ومحاولة إعادة الأمور إلى سابق عهدها.